أنبل ما في العقيدة الإسلامية، هي أنها حررت عقولنا من التبعية، ولم ينتصر الإسلام لشئ إلا للعقل، فلا إيمان إلا بالعقل؛ «أفلا يعقلون»، «أفلا تتفكرون»، «أفلا تبصرون»، وغيرها من الآيات القرآنية التي تؤكد أن القرآن يدفع الناس إلى استعمال العقل والبحث والتفكير العلمي؛ لكن «الفوبيا» الأصولية التي تكاثرت علينا من أصحاب الماضي الأصولي بدءًا من منتصف سبيعينات القرن الماضي الذين انتشروا وبثوا أفكارهم بل سمومهم إلى العالم عبر شرائط كاسيت، حاصرونا من خلالها بأفخاخ الفتاوي القديمة التي انتهت صلاحيتها من زمن بعيد؛ مثل فتوى تمنع النساء من مشاهدة كرة القدم لأنها تتيح لهن النظر إلى أفخاذ الرجال، بزعم أن الآية الكريمة تقول: «وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن»، ففي عقولهم المريضة نظرات النساء هذه حتمًا تؤدي إلى فتنة، وفتوى أخرى مضحكة إن دلت على شيء فهي تدل على أنهم كائنات مهووسة بالجنس، تقول فتواهم الشاذة: «إذا مارس رجل وأنثى الجنس وهما عاريان، يُعتبر زواجهما باطل»، دون شك فتوى مثيرة للسخرية، وغيرها من الفتاوي الشاذة التي تؤكد أنهم أصحاب عقول مريضة، مصابة بضمور في الفكر، لا يرون من الحضارة الإسلامية سوى تطبيق الحدود وارتداء النساء النقاب وإطالة الرجال لذقونهم حتي تطول صدورهم، المدنية لديهم المرادف لها هي انعدام الأخلاق، والعلمانية تعني الكفر، نادرًا ما يقرأون، وإذا قرأوا ستجد جدارًا حديديًا يحول بين ما يقرأون وبين عقولهم، ألم يكفر الغزالي كل الفلاسفة الإسلاميين لأنهم قرأوا في الفلسفة اليونانية ونقلوا عنها، وهذا ثابت في كتابه «تهافت الفلاسفة» الذي يقول في مقدمته نصًا: «وإنما مصدر كفرهم سماعهم أسامي هائلة كسقراط وبقراط وأفلاطون وأرسطاطاليس وأمثالهم، وإطناب طوائف من متبعيهم وضلالهم في وصف عقولهم، وحسن أصولهم، ودقة علومهم الهندسية، والمنطقية، والطبيعية، والإلهية، واستبدادهم لفرط الذكاء والفطنة، باستخراج تلك الأمور الخفية وحكايتهم عنهم أنهم مع رزانة عقلهم، وغزارة فضلهم، منكرون للشرائع والنحل، وجاحدون لتفاصيل الأديان والملل، ومعتقدون أنها نواميس مؤلفة، وحيل مزخرفة».
العقل السلفي يؤمن بأفكار ابن تيمية، الذي سار على نهج شيخه الغزالي، لا مكفرًا فقط لرائد التنوير وعصر النهضة ابن رشد وإنما لعدم إعمال العقل في النص الديني، مكتفيًا بمبدأ السمع والطاعة، فهو يقول: «إن إعمال العقل في النص الديني بهدف البحث عن المعنى الباطن يحول الدين بأكمله إلى معان باطنة»، وهي نفس الفوبيا الأصولية حين قال منظر التكفيريين ومفتي الإرهابيين سيد قطب في رسائله: «والإسلام ليس مجرد عقيدة، حتى يقنع بإبلاغ عقيدته للناس بوسيلة البيان، إنما هو منهج يتمثل في تجمع تنظيمي حركي يزحف لتحرير كل الناس، والتجمعات الأخرى لا تمكّنه من تنظيم حياة رعاياها وفق منهجه هو، ومن ثم يتحتم على الإسلام أن يزيل هذه الأنظمة بوصفها معوقات للتحرير العام، وهذا - كما قلنا من قبل - معنى أن يكون الدين كله لله، فلا تكون هناك دينونة ولا طاعة لعبد من العباد لذاته كما هو الشأن في سائر الأنظمة التي تقوم على عبودية العباد للعباد»!
وهي نفس العقلية الأصولية أو السلفية التي ترفض التسامح ولا تتعطش إلا للدماء، ففي كتاب «مجموعة رسائل البنا» طبعة دار الشهاب يقول في صفحة 170: «إن الإخوان المسلمون لا يطلبون الحكم لأنفسهم، فالحكم من منهاجهم، وسيعملون لاستخلاصه من أيدي كل حكومة لا تنفذ أوامر الله»!
فكل شئ هو مباح بالنسبة لهم، حرام على العامة، يريدون أن تُعمى أبصارنا حتى يخدعونا بعباراتهم المحفوظة، فلا نقف لحظة واحدة؛ لنتأمل ماذا تعني تلك العبارات، وهل يُصدق معناها على الواقع حولنا، يريدوننا مثل طفل أجبروه على الإتيان في احتفال لا يخصه؛ شيخ سلفي أيام حكم العصابة، اشتهى فتاة في عمر ابنته المراهقة، قال لها وهو يُمسك بلحيته السوداء الطويلة وزبيبته التي هي من صنع العطارين وبالنسبة لهم مثل «ختم النسر» الذي يمكنهم من خداع «السذج»، يحاول أن يطمس شهواته ورغباته وغرائزه الحيوانية، وهي بالمناسبة لحيته تختلف عن اللحى الإخوانية القصيرة الدائرية، قال لها بنظراته النفاذة الحادة كعيني الصقر وهو يتفحص بياض جسدها، وردفيها الممشوقتين وساقيها مرورًا بخصرها، «إني رأيتك في رؤيا ضجيعتي»، وكأن عبارته هذه تنويم مغناطيسي، فتزوجها مولانا السلفي بقراءة الفاتحة وشهادة شاهدين عبر الهاتف، وبعد أيام تركها ممزقة النفس وهرب.
في العصور الوسطى اعتقد الناس أنه إذا كانت المرأة عجوزًا وعزباء وتمتلك القطط السوداء، فقد تكون ساحرة، وكانوا يعتقدون أن السحرة قادرون على التحول إلى القطط بأنفسهم، لذا فمن المفترض أن تكون القطة السوداء ساحرة، أيضا صارت فتاوى السلفيين، ممن يدعون التوحيد ويكفرون سائر الناس، كالسيل هذه الأيام، وللأسف ظنها البعض منا دينًا مقدسًا؛ مثلما أطلق أحدهم فتوى منذ أيام قليلة مضت، «أن دخول البوفيه المفتوح قبل أن تقرر سابقًا ماذا تريد أن تأكل هو أمر مخالف للشريعة، إذ يجب أن تقرر ما الكمية التي تريد تناولها من الطعام قبل أن تملأ صحونك».
هل هناك استهانه بالعقول أكثر من هذا؟!، فجماعات الإسلام السياسي لا يريدون حاضرًا ولا مستقبلاً، وإنما خططوا للعودة للماضي بفتاويهم الغريبة والعجيبة التي هي أصدق تعبير عنها؛ قمة السخافة.