حديث الأسبوع

انقلاب على نظام عالمى ظالم

عبدالله البقالى
عبدالله البقالى

ما حدث فى النيجر كان أيضًا انقلاباً على الأوضاع فى المنطقة وعلى جزء مهم من النظام العالمى السائد، لذلك سارعت القوى الغربية العظمى بالخصوص، إلى إدانة الانقلاب والتعامل مع الانقلابيين بصرامة ليست معهودة من طرف عواصم هذه الدول. وهكذا فإن تقييم ردود الأفعال المتعلقة بهذا الانقلاب والحكم عليها يتوقف على معرفة مصدرها.

النيجر كما غيرها من كثير دول العالم ضحايا النظام العالمى السائد ورهائن القوى العظمى فى علاقات دولية بالغة التعقيد، كانت مساحة مستباحة للقوى الخارجية خصوصًا الغربية والأمريكية، وتكفى الإشارة هنا إلى وجود قواعد عسكرية فرنسية وأمريكية وألمانية فوق ترابها بحشود عسكرية بآلاف الجنود، ومن غير المقنع تبرير هذا الوجود العسكرى الغربى القوى بالرغبة فى الدفاع عن شعب النيجر وحمايته من الأخطار الخارجية، ولا بالقول إن القوى العظمى تقدم كل هذه التضحيات من أجل التصدى للإرهاب فى منطقة تتميز بالانفلات الأمنى الخطير.

بل الأكيد أن ثمة أهدافاً استراتيجية، سياسية واقتصادية غير معلنة تبرر وتفسر هذا الاهتمام الكبير الذى تبديه دول عظمى بدولة غارقة فى مظاهر الفقر والتخلف. وهناك معطيات تساعد على الكشف عن جزء من هذه الأهداف على الأقل.

من ذلك أن النيجر تختزن احتياطياً ضخماً من اليورانيوم، يعتبر سادس احتياطى فى العالم، وأن دولة فى حجم فرنسا تستورد 80 بالمائة من احتياجاتها من هذه المادة من النيجر مقابل أسعار جد رمزية لا تتجاوز 150 مليون دولار سنويا (أسعار تعود إلى سنة 1972)، وأن نسبة 75 من إنتاج الكهرباء فى التراب الفرنسى يتحقق بفضل يورانيوم النيجر التى تغرق أغلب شوارع مدنها، بما فيها شوارع العاصمة نيامى، فى الظلام بسبب غياب الكهرباء.

ومن ذلك أيضا أن شركات غربية، خصوصا فرنسية، تستحوذ على مناجم الذهب فى هذا البلد الأفريقي، ويقال إن صادرات الذهب من النيجر بلغت سنة 2021 ما قيمته 2٫7 مليار دولار.

والحقيقة أن المعطيات الدقيقة المتعلقة بإنتاج الذهب النيجرى وتسويقه فى العالم تظل غامضة، وكل ما يعلم فى هذا الصدد، أن فرنسا تصنف من الدول الرئيسية فى احتياطى الذهب، (الرابعة عالميا) فى حين أنها لا تتوفر ولو على منجم ذهب وحيد فوق ترابها. يضاف إلى كل ذلك عامل الموقع الجغرافى الاستراتيجى للنيجر التى تقع فى وسط القارة الأفريقية وتعتبر ممرا حتميا نحو العمق الأفريقي، مما يجعلها دوما محط الأطماع فى خضم الحرب الدائرة رحاها بين القوى العظمى على مناطق النفوذ.

ولعل هذا ما يفسر المواقف الهادئة التى عبر عنها الحلف المناهض للغرب، خصوصاً روسيا والصين من انقلاب النيجر الذى يؤشر بالنسبة إليها على استمرار تمرد الدول الأفريقية على القوى الاستعمارية التقليدية والتوجه نحو البديل الذى تقترحه. 

لذلك كله، وغيره كثير، فإن انقلاب النيجر هو غير الانقلابات المعتادة فى دول تفتقد إلى عوامل الاستقرار السياسى العام، ويندرج فى حقيقته ضمن المخاض الجيو استراتيجى الذى تعيشه الأوضاع العالمية، ولذلك حظى بتعاطف شعبى واسع فى العديد من مناطق العالم التى يئست من نظام عالمى أحادى القطبية فاسد، ومن علاقاتها المختلة مع القوى التى استعمرتها فى السابق بصفة مباشرة وتصر على مواصلة استعمارها بطريقة غير مباشرة.

نقيب الصحفيين المغاربة