إنها مصر

تحصين العقول !

كرم جبر
كرم جبر

تحمسنا بشدة لقضية تجديد الخطاب الدينى ، ثم فتر الحماس كالعادة، رغم أننا مازلنا فى احتياج لاستمرار الجهود المخلصة ، لنصل إلى خطاب دينى يرفع شأن الأمم والشعوب ويعمم مفاهيم الإنسانية والعدالة والمساواة، ويسمو بالإسلام الذى أنزله المولى عز وجل لخدمة البشرية وإسعادها، وليس نشر الفزع والخوف والرهبة.


عشنا أياماً انتشرت فيها أفكار تعتنق الخرافات وتهلل لكل ما هو ضد العقل والمنطق، ومخطئ من يتصور أنها انتهت وحل الوعى ، فمن كانوا يعتقدون أن سيدنا جبريل يأتى كل يوم لصلاة الفجر، والوقوف برابعة أفضل من الوقوف بعرفات، ما زالوا يخبئون أطماعهم السياسية تحت عباءة دينية.
والخطاب الدينى الرشيد هو الذى يحصن الافكار ضد الخلط بين الدين والسلطة، ويمنع استثمار المشاعر الدينية والتسلل الى عقول الناس بفتاوى مضللة عن الحكم ، بعيداً عن مظلة القانون والعدالة والمساواة.
الخطاب الرشيد هو الذى يرفع الانسان ، خصوصا المرأة التى يكرمها الاسلام وتتعمد بعض الفتاوى إهانتها والانتقاص من حقوقها. نحتاج خطابا مستمدا من القرآن والسنة، وبعيدا عن عادات وتقاليد الشعوب التى ألحقت بالنساء أشد الضرر، وجرى تصويرهن على أنهن درجة ثانية، ومغتصبات الحقوق ولا كيان لهن.
ليس منطقيا أن تحقق المرأة نجاحات كبيرة فى مختلف المجالات ، بينما تصر بعض الفتاوى على حبسها وراء قضبان الافكار التى تحرمها من الحق فى الحياة.
الخطاب الدينى الرشيد هو الذى يبتعد عن دوائر الجدل العقيم الذى يرهق العقول، فهناك من يرفض فكرة التجديد من أساسها، بدعوى أن الدين قد نزل واكتمل وتم، والتجديد دعوة خبيثة للقضاء على الإسلام ، وهناك من يسرف فى الحديث عن شمول تجديد الخطاب الدينى ليصل إلى تجديد الدين كله ، ويقول عنهم مصطفى صادق الرافعى مستنكرا :  إنَّهم يريدون أن يجدِّدوا الدين واللغة والشمس والقمر».


وهناك من يجيزون التجديد فى فهم النصوص ، لتتلاءم مع المصلحة المرسلة للناس ، دون مساس بالجوهر والنص ، وأنحاز لهذا الرأى . وأفهم معنى التجديد بأنه الاحتكام إلى القرآن والسنة و» إجماع « فقهاء المسلمين، والبعد عن الجدل والعادات والتقاليد والآراء والاحكام المتطرفة، وفهم النصوص بمقاصدها الحقيقية.


لا نريد أن نستقبل مناسباتنا الدينية والوطنية بخرافات الفتاوى التى تحرم - مثلا -الاحتفال برأس السنة وشم النسيم وتبادل التهنئة مع المسيحيين، وغيرها من فتاوى التشرذم، ولنغلق هذا الباب تماماً فى وجه صناع الفتن وتتم مساءلة من يحاول تقويض سلام المجتمع.
صحيح أننا قضينا على الارهاب المسلح ولكن الفتاوى الارهابية تطل برأسها من حين لآخر ، والرصاصة تنطلق بفتوى، ونريد وعيا دينياً مستمرا فى مسائل الجهاد المشروع والارهاب الإجرامى، وفى مجتمعاتنا الإسلامية يبيح الارهابيون قتل أبناء الوطن، ويقسمون الناس بين «مؤمنين» و»رويبضة» وكأنهم يمسكون موازين الحساب ويمتلكون مفاتيح الجنة والنار.