«أغصان خضراء» قصة قصيرة للكاتبة أميرة عبد العظيم

صورة موضوعية
صورة موضوعية

عقارب ساعة الحائط تتحرك وكأنها قطار بلا قيود لا تريد أن تتوقف.. دقاتها في حالة توازي مع دقات قلب ماجدة، تأخر حاتم ساعة تقريباً عن ميعاد وصوله إلى المنزل، وماجدة بمفردها.. زوجها عادة يعود إلى المنزل بعد منتصف الليل بعد الانتهاء من عمله.

 حالة من القلق والتوتر تغمر ماجدة يداها ترتعشان، حوار يدور بأعماقها كبحر هائج يعلوه الموج ويحيط بها من كل مكان في أرجاء المنزل، حاولت أن تستجمع قواها ليعود التركيز لعقلها وتستطيع أن التفكير في عما يجب فعله.

في هذه اللحظات تذكرت رقم تليفون عمر صديق حاتم، بخطى مرتجلة اتصلت سريعاً بعمر وبصوت يرتعش من الخوف والقلق: ألو عمر أنا طنط ماجدة

عمر: أيوه ياطنط أقدر أساعد حضرتك بحاجه

ماجدة: هو حاتم مازال عندك

عمر: حاتم لم يأت إلى الدرس، وأنا لم أقابله اليوم، حاولت الاتصال به عدة مرات للأسف تليفونه خارج الخدمة

ماجدة: شكراً يا عمر

أغلقت ماجدة التليفون والأرض تهتز من تحتها وكأنه زلزال يزلزل عقلها وجسدها، فكرت أن تذهب بنفسها إلى سنتر الدروس الخصوصية، فحاتم طالب ثانوية عامة

وطبعاً كغيره من زملاؤه الدروس الخصوصية هي السلاح الوهمي لمواجهة تحديات صنم الثانوية العامة...

  واعتقادا راسخ في أذهان الكثيرين أن الدروس الخصوصية هي سر التحصيل الحاصل للمجموع وتحقيق النجاح المنشود

 في نفس اللحظة دقات سريعة على باب الشقة، فتحت وهي في شغف وإذا به حاتم يدخل عليها وهو في حالة من عدم الاتزان شاحب الوجه، لا يكاد يستطيع أن يفتح عينيه من شدة الحمرة فيهم، وكذلك الانتفاخ المفعم بالسواد حول عينيه، لم يتجاوز عمره السابعة عشرة من عمره، تجمدت ماجدة في مكانها وكأن الذهول سيطر عليها لا تدرك ما يحدث منطلقة إليه و تسأله: ما بك، أين كنت، لماذا تأخرت؟

يرد عليها وهو في حالة من عدم التركيز: أنا دايخ وتعبان عايز أنااااام...

واتجه نحو غرفته، ألقى بنفسه على سريره.

مرت ثواني والباب يفتح ها قد حضر زوجها عبد الرحمن -رجل ميسور الحال يبذل قصارى جهده لتوفير الدعم المالي الذي يضمن لابنه الوحيد وزوجته حياة كريمة، أسرعت الأم نحوه الحقنى يا عبد الرحمن تعالى، شوف ابنك، حالة الولد غير مطمئنه، أسرع عبد الرحمن إليه فاتصل بالطبيب فورا، طمأنهم الطبيب ووصف حالة حاتم على أنها إجهاد، ونصحهم بنقله للمستشفى لإجراء بعض الفحوصات الطبية

في صباح اليوم التالي ذهبوا إلى المستشفى، والقلق والتوتر يسيطران على ماجدة، والدموع تذرف من عينيها، على حال ابنها الوحيد الذي رزقت به بعد عشر سنوات من زواجها.

جاءت الطبيبة المختصة لسحب العينة من حاتم، وطلبت الانتظار ساعة، الوقت يمر ببطء شديد وكأن عقارب الساعة توقفت بالفعل، فجأة صوت مرتفع ينادي حاتم عبد الرحمن، يقوم الزوج مسرعا لاستلام النتيجة، يسأل الطبيبة في هدوء حذر، نعم خير يا دكتوره؟

تنظر الدكتورة إلي عبد الرحمن وتتحدث إليه في خجل: للأسف الشديد الولد واخد جرعة مخدرات عالية جداً، ولابد من حجزه الآن بالمستشفى.

لاحظت ماجدة وجه زوجها فاتجهت إليه: في ايه طمني

 رد بثبات ورصانة: لا شيء حبيبتي شوية ضعف وإجهاد والدكتورة تنصح بتركه في المستشفى حتى يستطيع أن يستعيد توازنه وصحته ويستكمل دراسته في طمأنينة..

قالت: مفيش مشكله وأنا هستني سأكون معه.

تحدث عبد الرحمن إلى ماجدة في هدوء محاولا إثنائها عن بقائها في المستشفى، أمسك يدها بقوة وقال لها حبيبتي شدة وتزول

على جانب طريق العودة للبيت توقف عبد الرحمن وأمسك بيدي زوجته: ماجدة أنا أُقدر كل ما تفعلينه من أجلنا ومن أجل ابننا الوحيد ولا ألقى عليك باللوم في أي شيء

ماجدة: في إيه يا عبد الرحمن طمني انت عمرك ما خبيت عني حاجه

عبدالرحمن: عشان كده أنا أثق في قوة شخصيتك وعقلك  الرزين، ماجدة حاتم مدمن مخدرات

ضربت ماجدة على صدرها: ماذا تقول؟

عبد الرحمن: أقول أنه ابتلاء عظيم ولكن الحمدالله أن كان لطيفاً بنا ونوّر لنا بصيرتنا واستطعنا إدراك ما حدث

سريعاً وأن شاء الله يتعافى، ولكن يبقى السؤال من وراء ما حدث لابننا؟

القضية ليست قضية حاتم وإنما هي قضية أغصان خضراء لم تنضج بعد، سأتقدم ببلاغ للنائب العام..