الورثة عادة ما يتخلصون منها| أين تذهب مكتبات المثقفين بعد موتهم؟

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

■إشراف: حسن حافظ

أثار إعلان الكاتبة صافيناز كاظم نيتها بيع مكتبتها الشخصية لمن يدفع مليون جنيه، الكثير من الشجون حول مصير المكتبات الشخصية لكبار المثقفين المصريين من الأدباء والكتاب والشعراء وأساتذة الجامعات، إذ صارت العادة فى السنوات الأخيرة أن تتسرب مقتنيات مكتبة أحد المشاهير إلى باعة الكتب القديمة على الأرصفة أو على صفحات بيع الكتب على فيسبوك، وهو ما تكرر فى حالات عدة مثل مكتبات يوسف الشاروني ونوال السعداوي ونور الشريف وسمير صبري، فأهل المبدع والورثة عادة ما يتخلصون من مكتبته الشخصية فور وفاته، الأمر الذى يحتاج لفتح نقاش حول هذا الأمر الذى يهدد جزءا أصيلا من ذاكرة الوطن.

◄ اقرأ أيضًا | ظافر العابدين وصبا مبارك سويا في عمل جديد «أنف وثلاث عيون»

◄ القعيد: نحتاج لصيغة تشريعية تنقل ملكية المكتبة للدولة بعد الوفاة

التعاطى مع قرار صافيناز كاظم، التى سرعان ما تراجعت عنه بعد تدخل ابنتها، نكأ جرحا غائرا فى صدور المثقفين من الكتاب والأدباء والشعراء، الذيــن يشغلهم مصير مكتباتهم الشخصية، بعد تكرار بيع مكتبات عدد من المثقفين فور وفاتهم على يد ذويهم، وهو الأمر الذي يعيد طرح السؤال حول مصير مكتبة المثقف بعد رحيله، وهو صداع مزمن فى رأس أصحاب المكتبات الخاصة، فالأمر مرهون بقرار الورثة، لذا نجد أن مكتبة الروائي إحسان عبدالقدوس، ومكتبة الروائي خيري شلبي، ومكتبة الباحث الإسلامي محمود شاكر، قد تم الحفاظ عليها بشكل لائق من قبل الورثة الذين يعرفون قيمة الكتب ويقدرون ميراث الوالد، بينما لم يحالف الحظ الكثير من المؤلفين والكتاب مثل الدكتور إمام عبد الفتاح الذى تسربت بعض مقتنيات مكتبته إلى بائعى الكتب القديمة، كما أثير الجدل حول تسرب بعض مقتنيات مكتبة الفنان المثقف نور الشريف إلى أرصفة بيع الكتب.

■ مكتبات العديد من المثقفين ينتهى مصيرها إلى الأرصفة وسور الأزبكية

بدوره، كتب مصطفى نصر الكاتب والروائي الكبير، منشورا طويلا على فيسبوك، تحت عنوان (ماذا سيحدث لكتبنا بعد أن نموت؟)، تحدث فيه صراحة عن مخاوف ضياع المكتبة بعد الرحيل، ومخاوفه من أن يبيع الورثة مكتبته بعده الرحيل إلى بائع جائل يشترى الكتب القديمة بسعر بخس، يقول: «أنظر حينذاك إلى كتبى المصفوفة حولى فى المكتبة، فإذا مت فجأة قد يبحث الورثة عن تنظيف الشقة عن هذه الكتب التى تشغل جزءًا كبيراً من الحجرة، ولن يجدوا سوى هذا الرجل ليشتريها بالكيلو. أو ربما يرمونها فى صناديق القمامة الكبيرة، المهم أن يخلوا الشقة منها».

ويرصد نصر مصير العديد من مكتبات مشاهير الإسكندرية حيث يسكن ويعيش، والتى تسربت إلى أماكن بيع الكتب القديمة فى القاهرة والإسكندرية فور وفاة أصحابها، وضرب المثل برؤية كتب الروائى أحمد محمد عطية، ملقاة عند أحد باعة الكتب القديمة، بما فى ذلك كتب نصر ورواياته التى أهداها لعطية، وبجوارها كتب الشاعر أنس داود، كما وجد فى شارع النبي دانيال المخصص لبيع الكتب القديمة فى الإسكندرية، كتب الدكتور أحمد ماهر البقري، أستاذ اللغة العربية، تباع على الأرصفة، وبعدها وجد كتب المستشار فوزي عبد القادر الميلادي، بجوارها تباع عند باعة الكتب القديمة، ويعلق نصر على أن مصير مكتبته هو ما يؤرقه فـ «زوجتي تكره مكتبتي وكتبي، وتتمنى زوالها، فهى تسبب لها المتاعب، وعارضت بشدة أن تكون لى مكتبة واقفة على الحائط».

◄ اقرأ أيضًا | لماذا تتنافس وكالات الفضاء لتكون أول من يهبط على القطب الجنوبي للقمر؟

وسبق أن كتب الروائي والقاص خيري عبد الجواد مقالة بعنوان (من يحمى مكتبتى من ورثتى؟)، والتى تحدث فيها بمرارة حول مصير مكتبته، فكتب: «كثيرا ما يؤرقنى سؤال لا أستطيع الاهتداء إلى إجابة شافية عليه، إجابة مطمئنة؛ ما الذى سوف يفعله أولادى بمكتبتى بعد رحيلي؟ هل سيبيعونها لباعة الروبابيكيا، تخلصا منها بأى ثمن لأنها تشغل حيزاً كبيرا فى المنزل بلا طائل؟ هل سيتخلصون منها ويعطونها هبة لأى عابر سبيل لأنها لا تتماشى مع الديكور الذى اختاروه للمنزل باعتبارها (زبالة) يجب التخلص منها؟ هل سيحتفظون بها كإرث ثقافى مهم وجزء من ريحة المرحوم - والدهم الذى هو أنا؟».

من جهته، قال الروائي يوسف القعيد، إن المشكلة الرئيسية تتمثل فى أهالي الأدباء والمبدعين، عبر التخلص من مكتبات ذويهم بالبيع، وهو أمر خاطئ إذ يجب أن تسلم هذه المكتبات إلى وزارة الثقافة أو أى جهة محلية مثل مجلس المدينة التى ينتمى لها المبدع، لكى يتم العناية والاهتمام بها، لأن هذا هو الأمر القائم فى العالم كله، وتابع: «زرت العديد من مكتبات الأدباء فى أنحاء مختلفة من العالم، وهى محل اعتناء من حكومات الدول، مثل مكتبة شكسبير فى ضواحى لندن، ومكتبة تشيكوف فى لينينبراج أو بطرسبرج الحالية».

وطالب القعيد بضرورة البحث عن صيغة لتشريع تتحول ملكية هذه المكتبات إلى الدولة فور وفاة المبدع، «ولا أعلم مدى قانونية مثل هذا الإجراء، لكن لا بد من اعتبار مكتبات الأدباء جزء من الثروة القومية للبلد، ويجب الحفاظ عليها وبأسرع ما يمكن، لأنه تكررت فى الأونة الأخيرة ظاهرة التصرف فى مكتبات أدباء بصورة لا تليق بأسمائهم ولا تاريخهم ولا منجزهم الأدبى».

أحد أصحاب المكتبات المتخصصة في شراء الكتب القديمة، فضل ألا يكشف هويته لكنه قال لـ «آخر ساعة»، إن التخلص من المكتبات الشخصية للمثقفين تزداد وتيرته فى السنوات الأخيرة، إذ يرغب أهل المتوفى فى التخلص من «الزحمة» التى تسببها الكتب فى المنزل، كما أنها تحقق عائداً جيداً إذا كانت تحتوى على طبعات قديمة نادرة، وهو ما قد يرفع سعر المكتبة إلى أرقام فلكية، وأضاف: «للأسف من يشتري المكتبات من الأهالى هو بائع الروبابيكيا وهو شخص يبخس الأشياء أثمانها، ثم يعود ويبيع هذه الكتب إلى تجارها الذين يبدأون فى فرزها وتحقيق مكاسب ضخمة، لذا الأفضل أن تعلن أسرة كل مثقف تريد بيع مكتبته عن ذلك بشكل معلن لكى تتواصل مباشرة مع بائعى الكتب الذين يعرفون قيمتها، كذلك يجب أن يتم تعديل القوانين المتعلقة بحق الاقتناء».

ورغم أن البيع هو السائد الآن إلا أن الأمل لا يزال قائما باقتراحات من وزارة الثقافة والمجتمع المدنى للعمل على وضع تصور جامع يحمى مكتبات ومقتنيات المشاهير من أن تكون تحت رحمة أهواء الورثة ومزاجهم، فما يتركه المبدع من ورائه هو فى النهاية إرث لمصر والمصريين جميعا، لذا قد يكون الحل الأمثل فى تحويل مكتبات المبدعين إلى متاحف مفتوحة بعد تعويض الورثة، فالقاهرة فيها الكثير والكثير من المكتبات الخاصة التى تضم روائع وتكشف عن تفاصيل شخصية وإبداعية فى حياة أصحابها، وعند إتاحتها بشكل محترم ومنظم أمام الباحثين والمهتمين سنكون قد عالجنا الصداع المزمن فى عقل كل مبدع، كيف سيكون مستقبل مكتبتى بعد رحيلى؟