«رجائي من الله» قصة قصيرة للكاتبة فاطمة مندي

«رجائي من الله» قصة قصيرة للكاتبة فاطمة مندي
«رجائي من الله» قصة قصيرة للكاتبة فاطمة مندي

«رجائي من الله» قصة قصيرة للكاتبة فاطمة مندي

 

 دون جدوى نسابق الزمن كي نحكم السيطرة علي هذا الوافد اللعين، حتى لا نتكبد حصاد لم نزرعه.

نشاهد تدفق الأعداد، تزداد يوماً بعد يومٍ، نسابق الزمن كي نحكم السيطرة علي زمام الأمر.

هيهات؛ تنزلق الكثير منها  من بين أيدينا، وكأن الزمن يتراجع بنا الي الخلف، ليذكرني  ما قرأته من أبحاث عن صراع الأطباء قديماً مع الأوبئة.

كنت خريجة حديثة، كم كنت غبية عندما أغفلت خطورة الوباء قديماً، ظننت أننا أصبحنا من العولمة ما يجعلنا نتحكم ونسيطر

علي الأمراض جميعا.

  هيهات لقد لقننا الخالق أقسى دروسه، مع فيرس لا نراه بالعين المجردة، كي يتذكر العالم أن (فوق كل ذي علم عليم) .

 لقد ازداد الوباء شراهة في تحد صارخ، يلتهم الاجساد، ويحصد الأرواح؛ في سعادة واشتهاء وحصاد المزيد مطلب حتمي، ونحن نشاهد دون حيلة نرسل الرفاة مصحوبة بشيء من حذر، وكثير من حزم؛ لتجنب نهش أنياب هذا الكاسر المزيد من الأرواح.

وبينما أنا وفريق العمل كله  نقف لهذا المفترس بالمرصاد، إذا به ينفرد كل يوم بفرد منا، ويلعق دمائنا في نشوة وفخر وسخرية.

دون إرادة مني لعقني بلسانه، وانتشر لعابه في دمائي بحرية وثقة، التقمني بضراوة علي مهل، وكبل كل إرادتي، وسحبني وانزوى بي بمنأى عن جميع اجهزتي لمقاومته، وأخذ يتلذذ بالقضاء عليّ  بداية من جهازي التنفسي.

أيقنت أنه هزمني، وانتقم مني؛ لمحاربتي إياه أنا وزملائي.

سلمت الأمر لله وأنا

 ارقد علي سريري بالعناية المركزة، أكافح كي أتنفس الهواء بصعوبة .

و أعاني من ألم رهيب ينهش كل قطعة من  جسدي، الذي لم يبق فيه شيء غير متصل بأنابيب

وخراطيم .

أراقب نظرات زملائي من الأطباء

والتمريض ما بين خوف

ورجاء،

و تحركات سريعة

ومضطربة لتجهيز جهاز التنفس الصناعي لهبوط حاد في نسبة الاوكسيجين بالدم .

وأنا أعلم  فشل جهازي التنفسي الرباني في العمل هو بداية الطريق الى نهايتي المحتومة.

 لطالما شاهدتها من قبل

 و أنا الطبيبة المسؤولة عن علاج هذا المرض اللعين .

 

أستطيع أن أرى نهايته الآن بوضوح .

منذ أيام ودعت زميلة لي كانت ترقد علي بعد خطوات مني و كانت قد سبقني إلي ما أنا ذاهبة اليه الأن.

 لست خائفةً الأن،

فأنا  أشهد الله بأني لم أقصر في أداء الواجب وتحمل الأمانة.

 أرجو من الله أن يتقبلها خالصة لوجهه الكريم.

 أن يجعل عملنا ومرضنا هذا في ميزان حسناتنا يوم نلقاه.

كل ما أرجو إن بادر بي الأجل وحانت لحظة الفراق أن يتكفل الله برعايته  وحفظه لأسرتي  وأطفالي الذين افتقدهم بشدة

ويعتصر قلبي فراقهم

 ورجائي إليك يا الله أطفالي الذين لن أفرح بهم.