«فستان فرح» قصة قصيرة للكاتب أيمن موسى

الكاتب أيمن موسى
الكاتب أيمن موسى

إحساس بالعجز والقهر تملك منها. فرح فتاة بمنتصف عقدها الثالث، بعد ساعات طويلة من المسير بحثًا عن ما يناسب ما تحمله من نقود شعرت بالتعب، لم تعد قدماها قادرتان على تحمل جسدها المثقل بالهموم، ما أن رأت موقف الحافلات حتى ألقت بجسدها المنهك فوق أقرب مقعد بدا لها، جلست والحزن يكسو ملامحها، وجع خفي يحرق روحها ويكوي فؤادها، لم يعيدها من شرودها سوى شعورها بيد تربت عليها بحنو.

متسائلة في ود: ما بك، بل لمَ كل هذا الحزن الساكن بملامحك الجميلة، وهل هناك بالحياة ما يستحق كل هذا الوجع؟

أتبعت قولها بمسح دمعات كانت قد تسللت خلسة من عيني فرح بعد أن تحررت من مقلتيها لتنساب فوق وجنتيها.

بصعوبة بالغة استدارت بوجهها لتجد أمامها فتاة راقية بمثل عمرها أو ربما تكبرها بعدة سنوات ترتدي فستان أسود أنيق، ابتلعت ريقها بصعوبة وغصة مريرة جاهدت لتجاوزها ولكنها فشلت بذلك فبدت بصوتها المتهدج وهى تقول بذل وانكسار زفافي بعد غد وحُلمي بارتداء الفستان الأبيض قد تبدد للأبد فما أمتلكه من مال لا يكفي لاستئجار فستان ولو لساعة واحدة.

ابتسمت الفتاة بود وهى تقول بنبرة هادئة يكسوها الشجن والحنين، وهل هذا كل ما يحزنك؟ استطردت تقول دون توقف أو انتظار إجابة لسؤالها، منذ شهر مضى كنت أجهز لزفافي، تسوقت أروع الثياب وتفننت باختيار فستان الزفاف من أشهر الماركات العالمية و..... قاطعتها فرح بقولها إذن لن تشعري أبدًا بما أشعر به الأن من عجز ولكن لا بأس مبارك لك وعليك.

تنهدت الفتاة بأسى وهى تقول حسنًا لا بأس لن أجادلك بذلك وإن كنت على يقين أنك لن ترتضي بتبادل الأدوار فيما بيننا، أردفت قائلة بحب ولكن يسعدني أن أهديك فستان زفافي وكل الملابس التي اقتنيتها فقط مقابل أن أرى الابتسامة على محياك مرة أخرى.

شعرت فرح بالدهشة من قولها  لتبادرها بسؤال مباغت قائلة بحدة، يمكنني تفهم أن تهديني فستان زفافك لأرتديه يوم زفافي ثم أعيده لك مرة أخرى ربما هذا مقبول ويحدث بالفعل وسأكون ممتنة لك ولكن أليس من الغريب أن تهديني ملابسك المستعملة؟ هل ظننت أنني متسولة؟ أو ربما جال بخاطرك أنني استجدي الناس بدموعي وتوسلاتي لمساعدتي، أردفت قائلة بغضب عفوًا سيدتي ولكن كرامتي لا تسم....

قاطعتها الفتاة بوضع يدها على فمها ثم قامت باحتضانها بشكل مباغت ومفاجئ مما جعلهن محط أنظار الجميع لتشعر فرح بخجل شديد، حاولت فرح التملص من هذا الوضع لتفادي الحرج وقبل أن تنجح بذلك كانت الفتاة تقترب من أذنها هامسة، الفستان الأبيض ما زال بعلبته حتى أنني لم أقم بتجربته وكل الثياب جديدة لم أرتديها ولو لثانية واحدة.

فرح والتي كانت مازالت تشعر بالغرابة والدهشة وخجل ما زال يعتريها تسبب باحمرار وجنتيها ولكن كيف ولماذا؟

نهضت الفتاة بهدوء متحاشية النظر بعينيها بعد أن وضعت بين يديها بطاقة تحمل عنوانها وأرقام الهاتف للتواصل من ثم استدارت وهى تغادر في محاولة يائسة منها لمواراة دموع جاهدت كثيرًا لوأدها بمحاجرهن وهى تقول بصوت بذلت جهدا عظيما حتى لا يفضح ألمها وهشاشة روحها، وما فائدة كل هذه الثياب أو حتى الفستان الأبيض وكل مظاهر الترف لزفاف لم ولن يتم بعد رحيل من أحب.