كنوز| أنيس منصور لم يكن عدواً للمرأة بشهادة من وقع فى غرامها!

أنيس منصور مع السيدة رجاء حجاج بعد الزواج
أنيس منصور مع السيدة رجاء حجاج بعد الزواج

يضيء عشاق الكاتب الكبير أنيس منصور غدا 99 شمعة فى ذكرى ميلاده، أنيس المختلف عليه سياسيا، لا أحد يختلف عليه فى كتاباته الرشيقة الفلسفية البسيطة التى يكتبها بالسهل الممتنع، فكان من أغزر الكتاب فى مصر والعالم العربى إنتاجا، كان يكتب كما يتكلم، ويكتب كما يتنفس، وأجاد الترويج لنفسه فى أغلب كتاباته بأنه عدو للمرأة، وهاجم الزواج، فى الوقت الذى كان متزوجا فيه من السيدة رجاء حجاج التى أحبها بجنون وقال إنها ابنته وزوجته وحبيبته التى أهدتها له السماء، وأنهى بزواجه منها رحلة إضرابه عن الزواج، وكان من الممكن أن ترفضه أسرتها التى تضم وزيرين واثنين من الضباط الأحرار، ولذلك وسط الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل ليقنعهما بأن أنيس له مستقبل مهنى ينتظره فى عالم الصحافة والكتابة والتدريس بالجامعة، وكان هيكل شاهدا على الزواج!

وسبق للسيدة رجاء الزواج قبل ارتباطها بأنيس منصور وكان لديها ثلاثة أطفال من زوجها الأول منهم منى رجب التى أصبحت صحفية فيما بعد.
هل كان فعلا أنيس منصور عدوا للمرأة والحب والزواج؟ 

الوحيدة التى تجيب على هذا السؤال هى زوجته وحبه الوحيد السيدة رجاء حجاج التى استمر زواجهما لنصف قرن حتى وفاته فى أكتوبر 2011، ومن شدة حبه لها وهيامها بها وتقديره لشخصيتها أهداها كتابه «فى صالون العقاد كانت لنا أيام» قائلا فى الإهداء: «إلى التى لولا تشجيعها ما كان السطر الأول فى هذا الكتاب، ولولا تقديرها ما اكتملت هذه الصفحات، امتنانا عميقا وحبا أعمق: إلى زوجتى».

وتقول زوجته السيدة رجاء حجاج فى حديث مع مجلة «عين» حول كثرة كتاباته ضد المرأة والحب والزواج: «أنيس بطبعه ساخر، يسخر من كل شىء، وعندما كنت أقول له إن الناس سيظنون أنك تعيس فى حياتك بما تكتبه عن المرأة والحب والزواج، كان يقول «الواقع شىء والسخرية شىء آخر»، وكنت أتفهم ما يكتبه، فقد كنت أعرف طباعه التى تجعله يسخر من الزواج والحب رغم ما بيننا من قصة حب طويلة وصفها بقصة الحب الأبدية، وعندما كنت أطالبه بالتخفيف من السخرية من المرأة كان يقول لى ضاحكاً إن الناس فى حاجة إلى الابتسامة، وهناك المئات من الأزواج التعساء الذين ينتظرون من يخفف عنهم، وأنيس كان الحياة كلها بالنسبة لى، وكنت الحياة بالنسبة له وبدونى كان يعجزعن فعل أشياء كثيرة».

وتقول أيضا: «أنيس كان نباتيا وليس ممن يأكلون اللحوم، وعندما اشتد عليه المرض وأمره الأطباء بتناول اللحوم رفض بشدة ولم يتناول سوى الأسماك، كان يحب الشركسية والقلقاس والكشك، ولم يكن من هواة الأكل بالشوكة والسكين، لكنى أصررت أنه يأكل بهما، وأنيس لم يكن اجتماعيا، وكنت أقيم عزومات كثيرة فى منزلنا فأصبح اجتماعيا، لكنه لم يكن يحب السهر وينام مبكرا ويستيقظ فجرا، ويظل يكتب حتى التاسعة صباحا، ثم يذهب لمكتبه، ولا يحلو له الكتابة إلا وهو حافى القدمين، وكان يخشى من الإصابة بالبرد، ويهوى المقالب جدا ويمتلك صوتا جميلا فى الغناء». 

>>>

وفى حديث لها مع مجلة «الإذاعة والتليفزيون»، قالت السيدة رجاء حجاج إنها تعرفت على أنيس لأول مرة عندما كان يتابعها وهى تلعب التنس فى النادى، وكان مهتما بها وعرفها بنفسه، وشعرت من أول وهلة أنها أمام كاتب موسوعى عظيم، وكانت على ثقة أن أسرتها سوف ترفضه فهى من عائلة محافظة جدا، ولها أخ وزير، وآخر من الضباط الأحرار، وأيقن أنيس أن الوصول لها صعب ومرهق، فذهب لمنزل شقيقها الأكبر ومعه الكاتب محمد حسنين هيكل الذى أثنى عليه وقال إن له مستقبلا مهنيا مبهرا، ولم يكن أشقاؤها سيوافقون عليه لولا تزكية هيكل له لأنه كان فى بداية حياته المهنية، واستمرت الخطوبة عامين، وتزوجا فى مطلع العام الثالث.

وعندما سألت عن ما قيل إنه كان ينوى الانتحار أكثر من مرة قالت: «ربما يكون ذلك قبل زواجنا، لأنه ظل يحبنى لآخر يوم فى عمره، وكان يعشق 3 أشياء «أنا والسفر والكتابة»، ولم يفكر فى الانتحار حتى بعد فصله من «أخبار اليوم» بسبب مقال «حمار الشيخ عبد السلام « فى عهد الرئيس عبد الناصر، وحينما قرأ السادات المقال قال له «أنت تستاهل الشنق مش الفصل»، وتلك الفترة كانت أصعب فترات حياته، لكنه لم يفكر فى الانتحار كما تردد!.

وتقول عن حياتها مع كاتب بحجم ووزن أنيس منصور: «أنا كنت مسئولة عن كل شيء فى حياته، عن ملابسه وكتبه والتزاماته، ولو لم أكن موجودة بجواره وهيأت له كل أجواء الكتابة والإبداع ما كان إنتاجه سيكون بهذه الغزارة، لقد ألف 186 كتاباً وآلاف المقالات فى مصر والصحف العربية، وقد تفرغت له تماما، وبعد الزواج قررت أن أجعل منه أهم كاتب عربى، لأنه متفرد الموهبة، والحمد لله استطعت تحقيق ذلك.

وتقول أيضا إنها نجحت فى إقناعه بضرورة الذهاب لأداء مناسك الحج، الذى كان يشكل له فى البداية نوعا من الصعوبة لكنه استمتع جدا بعد أداء فريضة الحج، وبعد عودته أصدر كتاب «طلع البدر» وهو من أفضل كتبه من وجهة نظرى، وأتذكر أن الرئيس السادات اتصل به عندما كنا فى السعودية للعودة للقاهرة ليسافر معه ضمن الوفد المرافق فى مباحثات كامب ديفيد.

واعترفت السيدة رجاء حجاج أن أنيس منصور فكر فى التوقف عن الكتابة بجريدة «الأهرام» أكثر من مرة كما تردد، وقالت: «هذا حقيقى، لكنى كنت ضد قرار توقفه عن كتابة عموده فى «الأهرام» وقلت له «افعل ما بدالك»، تفرغ لكتابة مذكراتك لكن لا تترك «الأهرام». 

وتقول إن علاقته بالرئيس أنور السادات علاقة قديمة منذ أن التقى به لأول مرة فى «أخبار اليوم» أمام باب المصعد بعد سجن مصطفى أمين وسفر على أمين إلى لندن، وقال له يومها إنه معجب بما يكتبه من مقالات كثيرة، وكان يعجبه رشاقة أسلوبه فى الكتابة، وجمعتهما بعد ذلك لقاءات كثيرة، وأصبح أنيس مقربا لقلب السادات وفكره، وعندما أصبح السادات رئيسا لمصر توثقت العلاقة وكان هناك ميعاد مقدس بينهما يوم الثلاثاء من كل أسبوع، كان أنيس يذهب للرئيس للجلوس معه فى ميت أبو الكوم أو الإسماعيلية أو القاهرة، ويظلان لساعات طويلة يتحدثان فى أمور كثيرة، وأنيس صاحب أكبر عدد من الحوارات مع الرئيس السادات عندما تولى رئاسة تحرير مجلة «أكتوبر»، وكان يشارك فى كتابة خطبه مع موسى صبرى، ومنها خطابه التاريخى الذى ألقاه فى الكنيست الإسرائيلى.

وعن أغرب موقف مضحك حدث بينهما تقول: «اتصل بى ذات مرة من مكتبه فى «الأهرام» واتخانق معايا لأنه اكتشف بعد وصوله للمكتب أنه خرج من المنزل بفردة حذاء بنى وأخرى سوداء، وقال لى «انت سيبانى لبنتك منى وهى متعرفش تعمل حاجة»، فاتصلت بمنى لأخبرها فقالت لى «يا ماما مش لدرجة إنى ألبسه الجزمة، حضرتك مدلعاه»!

وقالت إن توفيق الحكيم كان من كبار الكتاب المقربين إلى قلبه وفكره وكتاباته وتأثر به كثيرا، ومن أقرب أصدقائه الفنان التشكيلى صلاح طاهر، وكمال الملاخ، ويحترم مدرسة على ومصطفى أمين ويطلق على «أخبار اليوم» قاعدة إطلاق المواهب اللامعة فى بلاط صاحبة الجلالة الصحافة. 

>>>

وبعد.. لم يكن أنيس منصور عدوا للمرأة والحب والزواج كما كان يكتب، ويبدو أنه بكل تأكيد تأثر بشخصية توفيق الحكيم الذى كان يشيع عن نفسه صفة «البخل» ويشيع أيضا أنه عدو للمرأة.. ولم يكن توفيق الحكيم لا هذا ولا ذاك.. لكنه صنع لنفسه شخصية تميزه بهذا وذاك، ونجح أيضا أنيس منصور فى ذلك!