كنوز| فلان .. و«مدامتهُ»

مى زيادة
مى زيادة

بقلم: مى زيادة

بين الجمل الاصطلاحية المُستعملة على بطاقات التهنئة بالعام الجديد تجد هذه الجملة «فلان ومدامته يهنئانكم … إلخ إلخ».. وطالما وقع نظرى على هذه الكلمات مع أنى أَلِفْتُها، فهى تضحكنى كل مرة؛ لأنها تذكرنى بذلك اللبنانى الذى أضاع زوجته فى شوارع نيويورك، ومضى يسأل البوليس عنها بلغة زعمها إنجليزية حين قال «يا مستر وين راحت هالمستيرة؟».

لا يخفى على ذوى «المدامات» وغيرهن أن مدامتى ومدامتك ومدامته ليست دون مستيرتى ومستيرتك ومستيرته فكاهة مستملحة، ولا يخفى أن التعبير العربى فى هذه الحالة ليس بالميسور، ولا يُنتظر أن يكون ميسورًا؛ لأن العرب لم يكونوا ليضموا أسماء نسائهم إلى أسمائهم فى تبادل المجاملات الاجتماعية ؛ فبديهيٌّ أن المتفرنج منا يتفرنج «بنصفهِ الأفضل» بعد أن تفرنج فى أمور جمةٍ لا غنى عنها .

ولا يظنن أن الشرقى وحده حائر فى هذا المعنى، بل تناولت الحيرة الأوروبيين، وكثيرون منهم يشيرون إلى زوجاتهم بأسماء يتبسم لها السامع إن لم يكن بشفتيه ففى نفسه، ولقد أخذت المسألة منذ شهور دورًا فى فرنسا هو من الأهمية بحيث استدعى اهتمام الأكاذميا، التى حاولت أن تعين لفظة يَعْنِى بها الرجل شريكته فى الحياة.

ترى إذا ذكرها فى غيابها فكيف يدعوها؟ أيقول: سيدتى أى «مدامتى» بالفرنسية، أم يقول «مدام فلان» أى مدام نفسه، أم يقول زوجتى، أو امرأتى، أو جنيَّتى، أو أى شىء ؟

ولم يخبرونا ما إذا مرَّ فى أبحاث الأكاذميا خيال من هو أكثر ملوك فرنسا أرستقراطية وأناقة؛ « لويس السادس عشر» الذى كان يذكر مارى أنطوانت باسم «الملكة» أحيانًا، و«امرأتى» غالبًا، دون أن يردعه ما فى اللفظة من معانى الدالة العائلية.

لقد درجنا كالشعوب التى اقتبسنا بعض أساليبها الاجتماعية، على أن يسمى الرجل زوجته باسمها فى العائلة وحلقة الأصدقاء، تاركًا لفظة السيدة أو الست لكلامه عنها مع الخدم ؛ فلا يسأل خادمه هل عادت فلانة ؟ وإنما هل عادت الست أو السيدة ؟ 

فلماذا لا يرضى الرجل الشرقى أن يقول للغرباء وللمعارف امرأتى أو زوجتى ببساطة لويس السادس عشر؟

إن أفخم ما أعرفه هو اصطلاح المسلمين فى هذه الديار بقولهم عن مدام فلان «حرم» فلان، إنها لتسمية توفقوا فيها كل التوفيق، وإذا ذكر الواحد زوجته قال «حريمى».

ولاحظت أنهم يطلقون هذه اللفظة على الزوجة المسلمة، أما المتزوجون من أوروبياتٍ فإن الواحد منهم يقول «زوجتى»، وهى دون «حريمى» فخامة وأنفة، ولكنها أقرب إلى التسوية الأدبية بين الزوجين، وبقى أن نقرر أن كلمة «حريمى» دليل ناصع على ارتفاع قيمة المرأة ؛ إذ أن الزوج من زمن غير بعيدٍ كان إذا أراد أن يذكر زوجته بلع ريقه ثم أشار إليها باستعارة «الأولاد عندنا»، وهى التى صارت «حريمى» بفضل التطور الحاضر.

وخلاصة القول، فإن استعارة «فلان وقرينته» تقوم بكل لياقة مقام «فلان ومدامته»، أو «فلان ومستيرته»، أو«فلان وسنيورته».

وإذا ذكر الرجل تلك القرينة، فخير أن يقول : زوجتى أو امرأتى وليس مدامتى. هذا مع الاعتراف بأن لفظة «مدام فلان الفلانى» على بطاقة الزيارة هى أنسب وأحكم من اللفظة العربية، وإذا كتب للزوجين كتابًا مشتركًا فيستحسن العنوان باسم فلان وقرينته؛ لأن كلمة زوجة ليس لها الصبغة الرسمية المقتضاة فى الاسم العلنى المكتوب.

من كتاب «بين الجذر والمد»