نعم للشراكة.. لا للتبعية

خبراء: الاستفادة متبادلة وليست أحادية.. وعلى القارة استغلال التنافس العالمي

خريطة القاهرة الأفريقية
خريطة القاهرة الأفريقية

تعد روسيا من الدول التى تولى اهتماما متزايدا للتعاون مع دول القارة، ويستند هذا الاهتمام إلى عدة استراتيجيات تسعى إلى تعزيز العلاقات فى مختلف المجالات، وفى الوقت نفسه تعتبر هذه الشراكات مصدرا محتملا للعديد من المكتسبات لدول القارة وتنميتها، وتحقيق أهداف أجندة 2063، وهو الأمر الذى يختلف عن شراكات سابقة مع دول أخرى، المستفيد فيها طرف دون الآخر. ومما يمنح روسيا قيمة استثنائية، عدم وجود تاريخ استعمارى لها بالقارة، مما يُحرر الشراكة معها من مخاوف التبعية.

فى البداية، يوضح السفير أبو بكر صار سفير السنغال فى مصر أن النظام العالمى بدأ يتشكل من جديد منذ ظهور وباء كورونا، حيث بدأ بناء تحالفات جديدة بعد زيادة الاضطرابات التى جددت الحروب والصراعات بين القوى الكبرى، بجانب حدوث أزمات اقتصادية وسياسية.

ويؤكد أن أهمية القمة الروسية الأفريقية تتمثل فى مجيئها بالوقت المناسب لصالح القارة ومستقبلها، حيث طال تهميش دورها ووجودها وقوتها وتأثيرها، رغم أن ثُلث خيراتها لم يُستغل بعد، وهو الأمر الذى سيجعل لافريقيا مكانة، وصوتا مسموعا فى المحافل الدولية، بجانب المشاركة فى بناء نظام العالم المستقبلي. ويتضح ذلك من خلال هذه  القمة وغيرها من القمم، ىفقد ناضل الرئيس السنغالى ماكى صال خلال تسلمه لرئاسة الاتحاد الافريقي، ودعا المجتمع الدولي لإشراك القارة فى اتخاذ القرارات وان يكون صوتها مسموعا يعتد به.

ويرى د. عدلى سعدواي عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية والعميد الأسبق لمعهد البحوث والدراسات الاستراتيجية لدول حوض النيل أن الأفارقة لم يكن لديهم فى الماضي خيار فى شراكة تعود بالنفع عليهم، وإنما كانت تبعية لاستنزاف الموارد وصناعة المشاكل والخلافات، لضمان استمرار التبعية، وفى نهايه الامر تفضى هذه العلاقات إلى مزيد من الاستقطاب والاستفادة الاحادية.. أما ما يطرح الآن على القارة من خلال الصين وروسيا واليابان والهند، فهى شراكات تختلف فى شكلها ومضمونها، خاصة أن هذه القوى لم يسبق لها استعمار القارة أو احتلال أراضيها، لذا تعد هذه الشراكات جاذبة لدول القارة، وسبيلا للخروج من التبعية والسعى للمشاركة الندية والمساعدة فى التنمية دون التدخل فى شئون دولها، ويضيف: كما أن التاريخ الطويل من التبعية الاوروبية ثم الامريكية لم يترك فى القارة أثرا طيبا سواء على المستوى السياسى والاجتماعي او الاقتصادي، لذلك فإن الشراكة مع روسيا والصين والقوى الدولية الجديدة، ربما تحقق طموحات وأحلام القارة. ويشير إلى أن مساندة روسيا للدول الافريقية فى المطالبة بتعويضات عن الأضرار التى لحقت بها نتيجة السياسات الاستعمارية، بجانب إعادة الممتلكات الثقافية التى تم سلبها خلال العهود الاستعمارية تعد أملا تسعى إليه القارة.

وأوضح سعداوى أن هدف روسيا من شراكتها مع أفريقيا هو حصار الوجود الاوروبى والامريكى فى القارة، بجانب إيجاد فرص لشراكات أمنية وتجارية تعود بالنفع على الاقتصاد الروسى، خاصة أن فرص الاستثمار والعمل والتجارة مع افريقيا كبيرة جدا، لأنها تمتلك موارد ضخمة فى الاراضي، وتضم نحو 66% من الأراضى القابلة للاستصلاح فى العالم، هذا بجانب احتياطيات ضخمة من الذهب والكوبلت والنحاس واليورانيوم، كل هذه الموارد محط استقطاب وتنافس، بجانب أن سكان القارة يتزايدون بنسبة 3% سنويا، حيث سيبلغ عددهم نحو 2.4 مليار نسمة عام 2050 ، وهو الأمر الذى يجعلها سوقا كبيرة، بالإضافة إلى أهمية الثقل السياسى لدول افريقيا لروسيا والصين فى المحافل الدولية.

ويؤكد د. سعداوى أن دول القارة يمكن أن تستغل التنافس الدولى فى التنمية، وتحقيق أهداف الاجندة الافريقية 2063، عن طريق الاستفادة من المنح والمساعدات التى ستحصل عليها نتيجه لهذا التنافس بين القوى الكبرى، وكذلك الاستفادة من تطوير هياكلها الاقتصادية وتوطين الصناعات فيها، واستكمال البنية الاساسية والتكنولوجية التى ستساعد فى التنمية، وبالتالى فالشراكة التى تسعى إليها روسيا والصين مع القاره تعززها قدرات وموارد دولها، ويبقى على هذه الدول الاستفادة من التقدم الروسى والصينى لتحقيق آمالها وطموحاتها لرفع مستوى معيشه شعوبها.

فى المقابل يرى د. يسرى الشرقاوى رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين الأفارقة أن اهتمام القوى الكبرى بالقارة لا يرتكز إطلاقا على أى مبدأ من مبادئ تكافؤ الفرص، بل إن الاستعمار القديم تحول الى صراع الاستحواذ الحديث، وهو الأمر الذى يتضح فى صراع الأقطاب والقوى العظمى على الخامات والسلع الأولية والموارد الطبيعية بها، دون الاهتمام بتحسين الحياة فيها، وتعظيم العائد من استغلال هذه الموارد لشعوب وأهل القارة الذين عانوا أكثر من ٢٠٠ عام، ومازال البعض والكثير منهم يعانون مثلث الفقر والجهل والمرض. هذا بجانب ما خلفه الفكر الاستعمارى من تمزيق وحدة الصف الافريقي وتركها القارة تحتاج إلى ما يقرب من ٥٠٠ مليار دولار سنويًا لمشروعات البنية التحتية، حتى تستطيع التحرك والاستفادة من هذه الموارد بالشكل الامثل.

ويضيف: بل الأصعب والأبعد هو استمرار المستعمر فى استغلال سوق القارة وحجمه للحصول على كل ما يريده منه فقط، ويبيع فيه أكبر حجم ممكن من منتجاته تامة الصنع، بجانب توفير الاحتياجات من السلع الأساسية مقابل خفض شديد واضطراب فى موازين المدفوعات لدول القارة وعدم القدرة على توفير مناخ اقتصادى جيد داخل دولها.

ويوضح الشرقاوى أن روسيا تسعى لإعادة تأسيس وجودها السياسي والاقتصادي في القارة، من خلال تعزيز النفوذ الجيوسياسي وإعادة تأكيد دورها كلاعب عالمى رئيسي. كما تحاول مزاحمة القوى العظمى والأقطاب للبحث عن فرص استثمار فى التعدين والنفط والغاز، من خلال اتفاقيات مع دول افريقيا، لتساهم فى تعزيز الاقتصاد الروسي الذى يمر بتحديات فى ظل الحروب والصراعات، بجانب أن القارة لديها سوق ضخمة تُقدر بأكثر من 1٫4 مليار  شخص.

ويضيف: كما أن وجود حلفاء روسيين فى أفريقيا يمكن أن يساعد موسكو فى الأمور الدبلوماسية والمجتمعات الدولية، خاصة فى منظمات مثل الأمم المتحدة، ويرى أنها تحاول تعزيز نفوذها الثقافى والتعليمى فى أفريقيا كجزء من استراتيجيتها السياسية.

ويؤكد الشرقاوي أن القارة يمكنها تحقيق استفادة عظمى من التقارب الروسى فى عدة محاور، أبرزها التعاون الاقتصادى فى مجالات الأسمدة ومكوناتها والحاصلات الزراعية، صناعة الطاقة، الفضاء والدفاع.

وكذلك مجال التعليم والتدريب الذى يمكن أن يعظم الكفاءة البشرية فى القارة.. كما أن جذب الأموال الروسية فى الاستثمارات الأفريقية يعود بالنفع على الطرفين، حيث إنه يدفع النمو الاقتصادى للقارة، مقابل أن أفريقيا تعطى أعلى معدل عائد على الاستثمار.

وأشار إلى أهمية التعاون السياسي، خاصة أن روسيا أحد الأعضاء الدائمين فى مجلس الأمن، بالإضافة إلى أن التعاون فى مجالى الأمن والدفاع يمكن أن يساعد في تعزيز الأمن القومي.