مشاهد من بيوت الله

أسامة عجاج
أسامة عجاج

رحلة مع رواد المساجد، الذين سيحظون بجوار الرحمن كما قال عنهم الله سبحانه وتعالى فهم عمارها، فهنا فى بيوت الله لاتجد سوى الحب فى الله ولله بدون منافع ولا مصالح شخصية

اعتدت من أزمنة طويلة، على تنويع المساجد، التى أودى فيها الصلوات، دون قصرها كما جرت العادة على جامع واحد، مع تعدد دور العبادة، نتيجة الزيادة السكانية، وبعد المسافات، التى أنهت فكرة المسجد الجامع، وأشعر أننى حصلت على العلامة الكاملة، عندما أنجح فى الصلاة فى خمسة مساجد مختلفة، سواء فى العمل أو فى منطقة السكن، وفى منطقتى الكثير، منها، التوبة ورحمة الله واسماعيل والهادى والأرقم، وحرصى على ذلك يعود لأسباب عديدة، منها البحث عن الثواب، وتوسيع دائرة الأصدقاء والمعارف –وهذا مجال لو تعلمون عظيما- كما أنها فرصة للتأمل والتدبر فى أحوال المصلين، وأغلبهم من الرواد المستديمين، وأحيانا ماتظهر وجوه جديدة ،بعضها طارئ، تستشعر معهم أن أصحابها فى أزمة، أو تعانى من ظروف صعبة، وجدوا فيها كل أبواب البشر مغلقة ، فراحوا يبحثون عن رب البشر، وأبوابه مفتوحة لا تغلق، وخزائنه مليئة لاتنفد، ورحمته وسعت كل شيء، مثل هؤلاء نسعد بهم إذا طال بهم المقام، ووجدوا الطريق المستقيم، وحتى إن غابوا، فهم عائدون يوما ما ،طال بهم أو قصر، فالله غفور رحيم.

أما الرواد المستديمون هم المتحابون فى الله، فهنا الحب لله وفى الله ولله، ليس هناك مجال للرياء أو النفاق، الصداقة خالصة بدون منافع ولا مصالح شخصية، خاصة بعد أن خلع كل منهم رداء المنصب والثروة والنسب، وبقى عبدا فقيرا لله، يرجو رحمته، ويخاف عذابه، ويخشى عقابه، وهؤلاء هم الذين ينطبق عليهم حديث الرسول الكريم الذى رواه أبى هريرة - رضى الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالى؟ اليوم أظلهم فى ظلى يوم لا ظل إلا ظلى». رواه مسلم.

رجال من نور

وقد تضخمت قائمة أصدقاء المسجد، وأتوقف عند بعضهم، فالمقام لايتسع للجميع، فى المقدمة شيخى محمد سعيد، وهو أحد العاملين السابقين فى الجهاز المصرفى، ولكنه ترك الدنيا، وتفرغ للدعوة إلى الله ، وقد تتعجب عزيزى القارئ إننى لم اشرف بالتعرف عليه سوى من سنوات قليلة، واندم على ماسبق، تشهد فى وجهه السماحة، تستشعر معه مشاعر الرضا، يعانى من صعوبة فى النظر، ولكنه حريص على السعى الى المسجد، تعلمت منه الكثير، وفتح لى أبوابا من المعرفة، غابت عنى كثيرا، بفعل العمل، والانغماس فى شئون الدنيا، والبحث عن الرزق، دروسه فى مشوارنا اليومى فى طريقنا للعودة الى المنزل او فترة البقاء فى المسجد ، فى السيرة والفقه، وله باع طويل ، وخبرة واسعة ، أما صاحبنا الثالث فى الله، المهندس مبروك عبدالمقصود، نائب رئيس القطاع الهندسى اتحاد الاذاعة والتلفزيون سابقا، الحافظ لكتاب الله، وواحد من الذين يعيشون الابتلاء فى اعلى صوره، ولكنه ينعم بالرضا بقضاء الله ومشيئة، يمتعنا بالحديث عن تجاربه فى العمل طوال عقود ، ويكفى ان تعرف إنه يختم القرآن فى الاسبوع مرتين على الاقل، وتتعدد الوجوه فى مسجد اسماعيل، الذى احرص على الصلاة فيه فريضة على الأقل ،اتوقف عند ثلاثة من رموزه، الدكتور أيمن عشوش الاستاذ فى كلية تجارة القاهرة، هو فى عمله الجامعى استاذ قدير ، تخرج على يديه أجيال، زامل أسماء لامعة فى الجهاز التنفيذى للدولة ، أما فى المسجد فهو أحد الائمة، شبه الدائمين ، المشرف حبا وطواعية على (المقرأة)،التى تبدأ بعد صلاة كل فجر، فقد حباه الله بتعلم التجويد والقراءات، والثانى الدكتور أمين السجاعى ،والذى مازال يمارس المهنة وبشكل محدود، بعد رحلة طويلة نقلته إلى بعثة دراسية وعمل فى لندن ،استمر اربع سنوات فى مجال التخدير فى عمليات القلب والأوعية الدموية، حيث تعلم دروسا مهمة من النظم المتبعة فى مستشفيات بريطانيا، كثيرا ما استمتع بحديثه فى جولة مابعد الصلاة، عن فلسفة المرض وفقا لتجربة عقود طويلة ، فهو كما يقول عن المرضى انهم واحد من ثلاثة،فهناك من يتعامل معه على أنه (عقوبة)، وعلامتها مشاعر السخط لدى المريض، ولسان حاله لماذا انا؟، والثانى (كفارة) ،وعلامتها الرضا بقضاء الله، والثالثة (رفع الدرجات)، حيث يضاف إليها السعادة، فهؤلاء أصحاب نفوس مطمئنة مستسلمة لقضاء الله وقدره، تسمع وتطيع، وتنفذ التعليمات .

التجارة مع الله

وتتنوع النماذج التى تركت العمل طواعية، رغم قدراتها عليه، وسعت إلى التجارة مع الله، وأتوقف عند، ثلاثة منهم المهندس محمد بصير أحد العاملين فى مجال المقاولات والانشاءات، وله تجربة ناجحة فى هذا المجال، ولكنه فى لحظة ما قرر التفرغ، بعيدا عن انشغالات الدنيا، وعندما اتعجب من قراره، يقول (الحمد لله لدى ما يعيننى على الحياة الكريمة ولاحاجة لى للمزيد)، وقد تفرغ طواعية وحبا ،لإدارة مسجد التوبة، ونجح فى تحويله فى رمضان إلى مائدة عامرة للصائمين من رواد المسجد، مشهور بعمل الخير لدرجة أصبح عنوانا ومقصدا فى هذا المجال، وعلى نفس المسار الدكتور أسامة سراج الدين، أحد أئمة مسجد اسماعيل، بعد عمل طويل فى المجال الطبي، وبعدها تفرغ للعبادة، انصت دائما لاحاديثه الشيقة، فكل شىء من أحوال الدنيا، له تفسير فى كتاب الله وسنة نبيه الكريم، وهناك نموذج ثالث، الحاج حسين مدخل ابن سيناء،المقيم فى القاهرة، الحريص على تنويع أماكن الصلوات، وكثيرا مايصلى الفجر والظهر فى مسجد السلام، وهو يبعد عدة كيلومترات عن منزله، حيث يكثر فيها صلاة الجنازة، سعيا إلى أجر المشاركة فيها، ولمسجد السلام قصة فقد علمت أن هناك «جروب على الواتس» يضم رواده مع جوامع أخرى، يتم نشر أخبار وجود جنازات لإتاحة الفرصة لمن يرغب فى الحصول على ثواب المشاركة فى التشييع فله (قيراط فى الجنة) كما قال رسولنا الكريم فى حديثه عن البخارى ومسلم

ونتوقف عند نماذج أخرى من صداقات المسجد من المتحابين فى الله، المهندس إيهاب عز الدين بخبراته الطويلة فى العمل فى مجال البترول ،من خلال إحدى الشركات العالمية، والتى نقلته إلى العمل فى العديد من دول العالم، وينطبق عليه قول رسول الله (ساعة وساعة)، (لا تفريط ولا إفراط) فهو محب للحياة دون إفراط، يستمتع بها فى غير معصية، ولكنه ملتزم بالفروض والعبادات، دون تفريط.

هل تسمع النداء

وتتنوع النماذج العظيمة، التى تمثل لى رسالة ربانية تردعنى عن التكاسل لأى سبب مهما عظم عن الصلاة فى المسجد، الحاج عطية صديق أحد رجال التعليم السابقين، والذى يعانى من آثار جلطة منذ سنوات طويلة، اثرت على قدرته على الحركة مع ضعف فى النظر والسمع، ومع ذلك مازال حريصا على أداء الصلاة فى المسجد، ما استطاع إلى ذلك سبيلا، رغم انه يملك من الاسباب ما يدفعه للصلاة فى منزله، وكذلك الحاج علاء وله نفس الظروف واصعب، ولكنه حريص على فتح مسجد رحمة الله ،الذى يقع أسفل محل سكنه قبل آذان الفجر بفترة، لإحياء سنة قيام الليل، وقراءة القرآن، ورفع الأذان، يحكمهم رد الرسول الكريم على من سأله، وكان كفيفا عن رخصة للصلاة فى منزله، وقال (يارسول الله ليس لى قائد يقودنى إلى المسجد)، فرخص له فلما ولى دعاه فقال (هل تسمع النداء بالصلاة)، قال (نعم)، فقال له الرسول (فاجب) .

مظلة الإسلام

تستشعر عظمة الإسلام فى المساجد، الذى يضم تحت مظلته الجميع، بعيدا عن الانتماء لهذا البلد أو ذاك ، فخلال السنوات العشر الماضية، لمسنا آثار ما جرى فى العالم العربى وتوابعها على رواد المساجد، فمن الأصدقاء الذين زاد عددهم بصورة ملحوظة، السودانيون بعد ازمتهم الأخيرة، واضطرار العديد منهم للجوء الى مصر ،وترى الكثيرين منهم فى المساجد، وتتعاطف معهم عندما يرفعون أكف الضراعة لله، بالدعاء، وكثيرا ماكانت المساجد مكانا لحل أزمات البعض منهم فى السكن والاستقرار، وقد سبقهم السوريون بأعداد كبيرة، وقد استقروا منذ سنوات، واليمنيون ، وإن كانوا قليلين، فهم يفضلون مناطق غرب القاهرة، فى الدقى والمهندسين، وكذلك اعداد من الليبيين.
حلم (ماضى)

ماضى عبدالله الخميس، إعلامى كويتى صديق من الزمن الجميل، تجاوزت علاقتنا عقودا، آخر لقاءاتنا كانت فى الكويت اثناء مشاركتى فى تغطية الانتخابات الأخيرة لمجلس الأمة ، له تجربة مهمة تحتاج التوقف عندها، تجسد فكرة أن يكون لديك حلم، تعمل عليه بدأب شديد، ترعاه كأنه بعض منك، تتعب وتجتهد على تجسيده على ارض الواقع، يكبر امامك يوما بعد يوم، لم يكتف بأنه أحد أهم الصحفيين والإعلاميين الكويتيين فى بداية التسعينيات، ولكنه سعى إلى إنشاء الملتقى الاعلامى العربى، والذى بدأ برؤية، ومبادرة منذ عشرين عاما بالتمام والكمال، بهدف خلق منصة حوار ونقطة التقاء للمؤسسات والاعلاميين العرب، تسعى لتطوير الخطاب الاعلامى العربي، وقد حظيت الفكرة بدعم كبير من الراحل العظيم الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير الكويت السابق، ومنذ أن كان وزيرا للخارجية، ويوما بعد يوم، يتحول الملتقى إلى واحد من الاجندات الاعلامية، التى تحظى بمشاركة واسعة من كبار المسئولين العرب، على المستوى السياسى والاعلامي، ومع نجوم الاعلام العرب وكبار المثقفين، مع توالى دوراته السنوية، والتى لم تتوقف سوى فى زمن كورونا، واستضافتها مدن عربية منها الكويت ومصر والأردن، حيث يتم مناقشة إحدى القضايا المطروحة التى تواجه الإعلام العربى، ومنها مثلا (مستقبل الإعلام .. إعلام المستقبل) وهو موضوع الدورة الـ ١٨ الاخيرة التى عقدت فى مايو الماضي، لقد نجح ماضى الخميس بجهده الصادق، فى عمل شراكات بين الملتقى، وجهات عاملة فى نفس المجال، ومنها الجامعة العربية، فأصبح عضوا مراقبا فى الاجتماعات الدورية لوزراء الإعلام العرب، كما امتدت علاقاته مع العديد من كليات الإعلام فى الجامعات، فى مصر والعديد من الدول العربية