بسبب رسوبها في الثانوية.. نور قتلها الحزن والاكتئاب

الطالبة نور
الطالبة نور

إسلام‭ ‬عبدالخالق

 »النتيجة ظهرت».. كلمتان يرجو سماعهما كل طلاب وطالبات الشهادة الثانوية إيذانًا بإعلان نتيجة جهودهم ومذاكراتهم طوال العام الدراسي، وبين هؤلاء كانت الفتاة «نور» الهادئة صاحبة الخُلق بنت السبعة عشرة أعوامٍ، التي كانت تعيش في حالة ترقب رفقة أسرتها في قرية ميت حمل التابعة لدائرة ونطاق مركز شرطة بلبيس في محافظة الشرقية، والتي كانت تنتظر ظهور نتيجة امتحانات الشهادة الثانوية الأزهرية بفارغ الصبر.

في اليوم الأخير من امتحانات الشهادة الثانوية الأزهرية كانت البسمة والفرحة والصورة الأخيرة للطالبة «نور» التي حرصت على ارتداء زي يُماثل رداء التخرج لطلبة الجامعات ومزينة بشريط كُتب عليه: «وداعًا الثانوية وأهلًا بالكلية 2023»، وقالت في رسالة أخرى؛ «ساعات وتظهر النتيجة.. ادعولي»، في صورة ومشهد ملؤه البهجة والسعادة بعد نهاية عام دراسي مليئ بالضغوط والتعب والجهد، إيذانًا بانتظار إعلان النتيجة وعبور مرحلة هامة من حياتها، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي أو ترجوه نور.

على أحر من الجمر انتظرت الفتاة موعد ظهور نتيجة امتحانات الشهادة الثانوية الأزهرية؛ تحلم وتتمنى أن تكون النتيجة كما تظن فيها خيرًا، وحُسن ظنها سببه ما سبق وبلغته من درجات العلا خلال رحلتها مع التعليم وبين الناس بخلقٍ دمث يشيد به الجميع، وآيات من الذكر الحكيم تحفظها عن ظهر قلب منذ بدء دراستها الأزهرية، وبين هذا وذاك تفوقها بين أقرانها، لكن شيئًا واحدًا ظل يؤرقها؛ لا تزل تذكر كيف ارتبكت في أحد الامتحانات وتبدل حالها في الحل، لا تزال يعتريها الخوف والقلق من ان تتحول أحلامها إلى كابوس ثقيل الظل يُطيح بكل ما تبقى داخلها من قدرة على التحمل.

بعد انتظار طويل أُعلن أخيرًا عن قائمة مختصرة لأوائل الشهادة الثانوية الأزهرية على مستوى الجمهورية، وذلك قبيل ساعات من إعلان النتيجة وإتاحتها بصورة رسمية عبر الموقع الرسمي لقطاع التعليم الأزهري، لتلقط الفتاة اصعب أنفاسها بعدما ضاقت حلقات الترقب انتظارًا لظهور النتيجة أخيرًا خلال ساعات؛ تُمني النفس بالنجاح وتحلم بالتفوق، بيد أن النتيجة جاءت لتخيب آمال الفتاة وتُطيح بأحلامها.

الصدمة

كانت بادية على وجه الفتاة وملأت فؤادها واسودت الدنيا في عينيها وهي تُطالع نتيجتها مرة بعد أخرى لتتأكد تمام التأكد أن ما تراه هو كابوسها الذي طالما كرهت تحقيقه؛ فقد رسبت الفتاة وتأكد رسوبها بسبب مادة واحدة فقط أطاحت بسنوات تفوقها وبدلت حال دراستها من حالٍ إلى حال، وفي رأسها دارت الدنيا وسرح فكرها يجتر الذكريات الجميلة التي عاشتها في تفوق وإشادة من زملائها وأساتذتها طوال سنوات التعليم، قبل أن تتلقى الصفعة التي قسمتها وضربت أحلامها في مقتل، تلك المادة التي فشلت في بلوغ نسبة النجاح فيها لتهبط بها من سلم النجاح المتوقع إلى غياهب السقوط والرسوب، وربما الفشل كما تيقنت الفتاة وأكدت لنفسها.

لم تحتمل الفتاة رسوبها في مادة واحدة بين مواد الشهادة الثانوية الأزهرية، ودخلت في نوبة اكتئاب وحزن لم تستمر لأكثر من ساعات، عانت خلالها الفتاة الأمرين من هز رأسها لكل من يُطالبها بالثبات وعدم الحزن، والبكاء كلما تذكرت أمرًا لم تستطع تجاوزه وأنها قد رسبت ولم تُكتب في عِداد الناجحين وأن التهاني والمباركات لن تزور منزل أسرتها ولن ترتفع لها الزغاريد، في سجال من اليأس والإحباط الذي ضربت أسافينه جدار روح الفتاة فحطمته ولم تدر الفتاة بنفسها دخلت الفتاة فى نوبة بكاء شديد داخل غرفتها.. لم يتحمل قلبها الصغير الصدمة، حاولت الاسرة ان تسيطر على ما يحدث وإنقاذ الفتاة من الطريق المميت، وكانت صرخات الطفلة تعلو ولكن هدأت فجاءة.

 وفي غضون دقائق قليلة كانت بداية النهاية داخل منزل الأسرة في قرية ميت حمل التابعة لنطاق ودائرة مركز شرطة بلبيس في محافظة الشرقية حين شحب لون الفتاة وبرزت عروقها وانطفأت بهجتها بصورة متسارعة أمام أعين أهلها.

النهاية

هرع الأهل بها إلى مستشفى بلبيس المركزي عسى أن ينجدها الأطباء هناك ويتمكنون من إنقاذ حياتها، لكن سبق الموت الجميع وصعدت الروح إلى بارئها وعلت الصرخات جنبات المكان حزنًا على واحدة من ضيوف الدنيا الخفاف ذات الروح الهشة التي فشلت في مقاومة أول مطب يعترض طريق حياتها ودراستها.

الشواهد جميعها أكدت على أن الفتاة كانت متفوقة وتستذكر دورسها أولًا بأول وتنبأ الجميع لها بالتفوق لما لها من خُلقٍ طيب وحفظها لآيات الله في القرآن الكريم، بيد أن الفتاة لم تحتمل أن ترسب في مادة للمرة الأولى في حياتها، فيما جاء تغير النتيجة عما كانت تأمله الفتاة ليُطيح بالباقي المتبقي من قدرتها على الاحتمال. 

خرجت الجنازة عقب الصلاة على الجثمان في المسجد الكبير وسط القرية، قبل أن تُدفن الفتاة في مقابر الأسرة على أطراف قريتها بعد الانتهاء من صلاة المغرب، ووسط صفوف المشيعين كان عدد لا بأس به من زميلاتها وجيرانها ومن كانوا يعرفونها حق المعرفة يتحسرون على موت الفتاة ورحيلها بعد سنوات لم يعهدوا منها خلالها غير الطيبة والخلق الحسن والتفوق في استذكار دروسها، فيما اتشحت صفحات موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك العامة والخاصة بالحزن والسواد لفراق الراحلة؛ وسط انتشار كبير لصورتها الأخيرة مذيلة بعبارات الرثاء والحزن لموتها وسقوطها ضحية لضغوط نفسية جراء نتيجة الشهادة الثانوية الأزهرية.

البداية كانت بتلقي الأجهزة الأمنية في مديرية أمن الشرقية، إخطارًا يفيد بورود إشارة من مستشفى بلبيس المركزي بوصول فتاة تُدعى «نور محمد إسماعيل» تبلغ من العمر نحو 17 عامًا، طالبة في الصف الثالث في الشهادة الثانوية الأزهرية ومقيمة في قرية ميت حمل التابعة لنطاق ودائرة مركز شرطة بلبيس، جثة هامدة.

بالانتقال والفحص تبين من التحريات الأولية حدوث إصابة الفتاة  بالاكتئاب عقب ظهور النتيجة وبسؤال أسرة الفتاة المتوفاة أفادوا بأن؛ ابنتهم كانت تُعاني من حالة صدمة؛ وذلك بعد ظهور نتيجة الثانوية الأزهرية كونها كانت طالبة في الصف الثالث بالشهادة الثانوية الأزهرية، وتعرضت للرسوب في مادة واحدة فقط من مواد الثانوية الأزهرية وحصلت على معدل درجات مختلف تمامًا عما كان تأمله وترجوه، ما كان له بالغ الأثر في إحباطها وعدم تحملها للأمر كونها كانت متفوقة،.

تحرر عن ذلك محضر بالواقعة في مركز شرطة بلبيس، فيما تم نقل الجثة إلى ثلاجة حفظ الموتى في مستشفى بلبيس المركزي والتحفظ عليها تحت تصرف جهات التحقيق في مركز شرطة بلبيس، التي صرحت بدفن الجثمان وتسليمه إلى ذوي الفتاة عقب الانتهاء من الإجراءات القانونية اللازمة.

اقرأ أيضًا : 50 % بالثانوية العامة تنهى حياة شاب بالقليوبية


 

 

 

;