متى تعود أفلام « أنظر حولك » ؟

أفلام أنظر حولك
أفلام أنظر حولك

ريزان‭ ‬العرباوي

تأتي مشكلة الزيادة السكانية على رأس أجندة القيادة السياسية, وتسعى الحكومة في خطة قومية لمواجهة هذا التحدي, وفي ذات الإطار تم تكثيف حملات دعائية للتوعية ضد أخطار التضخم السكاني وأهمية تنظيم الأسرة, لتجد لها مكانا على الخريطة الإعلامية, وذلك تزامنا مع إطلاق وزارة التضامن الاجتماعي مبادرة “علشان ولادكم أحسبوها صح”، للتوعية بقضايا الأسرة والتنمية الاجتماعية, مما أعاد إلى الأذهان دور الوسائط الإعلامية والفنية في هذا المجال، والذي يتضح جليا قبل فترة الألفية الثالثة, حيث تم إنتاج العديد من الأفلام والمسلسلات والبرامج الإذاعية والحملات الإعلانية للتوعية بأهمية تنظيم الأسرة والحد من الزيادة السكانية, إلا أن هذا الدور اختفى تدريجيا.. فهل عودة حملات التوعية بقوة سيفتح المجال من جديد لتسير الأعمال الفنية وراء هذا التوجه لتناول القضية بمنظور فني معاصر؟, وما مدى أهمية تلاحم الوسائط الفنية والإعلامية مع الواقع المجتمعي لحل الأزمة؟ 

ساهمت السينما المصرية منذ فترة الستينات وحتى قبل انتشار مفهوم تنظيم الأسرة, في التوعية بأهمية هذا المفهوم وإلقاء الضوء على المشاكل الاجتماعية المختلفة التي قد تنتج عن كثرة الإنجاب, فأبدع الفنان حسين رياض حين قدم شخصية الأب الموظف المطحون المسئول عن تربية بناته في فيلم “السبع بنات” .

نفس المعاناة والضغط جسده أيضا الفنان زكي رستم في فيلم “أنا وبناتي”، واستطاع أن يعكس فيلم “أم العروسة”حال الطبقة المتوسطة وأغلب الموظفين في ذلك الوقت.

وتدريجيا بدأت عمليات التوعية تتوغل في جميع المنابر، وجذبت الفكرة عدد أكبر من صناع الفن، حيث شهدت السبعينيات والثمانينيات ذروة تلك الأعمال، ويعتبر فيلم “أفواه وأرانب” من أبرز الأفلام العالقة في أذهان الجمهور بقضية تنظيم الأسرة.

“سيدة الشاشة العربية” أيضا كانت بطلة فيلم “إمبراطورية ميم” للمخرج حسين كمال الذي جسد نفس المعاناه، واستمر تقديم هذه الصورة سينمائيا وبقوالب فنية مختلفة، منها الكوميدي، مثل فيلم الحفيد، كما ناقش فيلم “عالم عيال عيال” مشكلة كثرة الإنجاب في قالب كوميدي.

وكانت القصص أكثر مأسوية في أعمال سينمائية أخرى، ومنها “لا تسألني من أنا” بطولة شادية ويسرا، و”الصبر في الملاحات” ، بطولة مديحة يسري ونبيلة عبيد، وكانت الحبكة الرئيسة هنا تدور حول العائلة التي تضطر نظرا إلى ضيق الحال إلى التنازل عن إحدى أبنائها لأسرة ثرية تتكفل بها وتساعد باقي الأشقاء بالمال.

قدمت أيضا الدراما التليفزيونية عديد من الأعمال التي تناولت الآثار الضارة للزيادة السكانية، ومنها”عادات وتقاليد, أهلا بالسكان, وما زال النيل يجري”.

ومع بدايات الثمانينات ظهرت الحملات الإعلانية التي تشجع المواطنين على تنظيم الأسرة وحازت هذه الإعلانات على شهرة وانتشارا واسعا، وحققت نتائج كبيرة حيث استخدمت الأغاني والرسوم المتحركة والصور الغنائية والتمثيلية والشعارات التي حفظها الجمهور وشارك فيها عدد من النجوم الذين يتمتعون بجماهيرية كبيرة، ومنهم القديرة كريمة مختار والمطربة الشعبية فاطمة عيد، وكان من أشهرها, أغنية “حسنين ومحمدين”، وإعلان “شلبية” و”الراجل مش بس بكلمته” للفنان أحمد ماهر، كما استخدمت هذه الإعلانات اللغة والأساليب القريبة من سكان الريف، لتصحيح المفاهيم الخاطئة المنتشرة بين البسطاء حول العزوة بكثرة الإنجاب، وبالفعل ساهمت هذه الحملات في زيادة الوعي بالقضية السكانية وتصحيح الكثير من المفاهيم الخاطئة حولها.

وبالتوازي قدمت الإذاعة عددا من البرامج للتوعية بخطورة الزيادة السكانية، ومنها البرنامج الإذاعي “دقيقة أسرية” على شبكة “القرآن الكريم”، وبرنامج “الناس الطيبين” على “راديو مصر”.

خلال التسعينيات وبدايات الألفية الثالثة خفتت هذه الحملات لتعود مؤخرا من جديد في صورة عدد من الإعلانات، ومنها حملة “أتنين كفاية”، وإعلانات “أبو شنب” التي قدمها أكرم حسني وسلطت الضوء على الأعباء الاقتصادية على الأسر بسبب زيادة النسل، والرد على فكرة السند والعزوة.

قنبلة موقوتة

أكدت د. ماجي الحلواني - أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة - على أهمية تناول قضية التضخم السكاني وتنظيم الأسرة من خلال الوسائط الإعلامية والفنية المختلفة, وتقول: “لقد لمسنا المردود الإيجابي لتلك الحملات في فترة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر, فكان لهذا الاهتمام إنعكاس ملموس في شتى النواحي الاجتماعية والاقتصادية, بالإضافة إلى تخفيف الأعباء المادية على رب الأسرة بالتقليل من معدل الإنجاب, فالزيادة السكانية أشبة بالقنبلة الموقوتة, وللآسف هي في تضخم وإزدياد مستمر، لذلك من المهم عودة الاهتمام الفني والإعلامي بتلك القضية، ووضعها ضمن الخريطة الإعلامية للوسائل المختلفة, فمهما تم من تقدم ومجهودات كبيرة في التنمية أمام هذا التضخم، فلن تؤتي تلك المجهودات ثمارها، وبالتالي لن يكفي الدخل القومي احتياجات السكان, وإلى جانب هذا الدور الإعلامي والفني، أتمنى من كل أسرة في بداية حياتها التخطيط الجيد لمستقبلها لتخطي الأزمة والقدرة على توفير متطلبات أبنائهم والحفاظ على حقوقهم التربوية والتعليمية دون تقصير، وخلق مستوى معيشي مناسب لهم”.

وتتابع قائلة: “كان من الخطأ اختفاء هذه التيمة من الأعمال الفنية والدرامية, فالفن في فترة من الفترات كان بمثابة البوصلة التي ترشد وتوجه للطريق الصحيح وهو ما تم من خلال مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية والدرامية الناجحة التي استطاعت أن تدق ناقوس الخطر للنتائج المترتبة على تفاقم المشكلة السكانية, ومما لا شك فيه أن الدراما تلعب دور إيجابي وكبير في نجاح تلك المبادرات، من خلال تقديم معالجات درامية برؤية إبداعية لتناول المشكلة بأبعاد مختلفة، بما يصب في النهاية لصالح الفرد والمجتمع”.

قضايا ملحة

يقول الكاتب والسيناريست بشير الديك: “إذا عقدت مقارنة بين التناول الدرامي الفني للقضية في فترة الستينات والسبعينات وما كان يحدث في الإذاعة والتلفزيون وقتها، فهو كان انعكاس عن مجتمع واعي متيقظ للقضايا الملحة, ومدى تجاوب وتعاون أجهزة الإعلام المختلفة لتناول القضية, ولكن الوضع الآن أختلف كثيرا عن السابق، فمع مفردات العصر الحديث وانتشار السوشيال ميديا, أثر ذلك على دور الإعلام بشكل سلبي ومدى مواكبته للأحداث الملحة, فلا أعتقد إن تم إنتاج أعمال درامية تتناول تلك التيمة الفنية أن تحدث نفس تأثير الأعمال السابقة، وحتى الحملات الإعلانية لن يكون لها نفس التأثير بنفس القوة”.

ويتابع: “إنتاج أعمال تناقش الآثار السلبية لكثرة الإنجاب وتنظيم الأسرة يحتاج إلى دعم من الدولة كما كان يحدث في السابق، فهي مجازفة بالنسبة لأي مستثمر أو منتج، ومن الصعب خوض تجربة تتكبد ميزانية بالملايين من أجل مردود اجتماعي, ولعل ذلك هو السبب الأساسي في اختفائها فنيا, فالجهة التي تهتم بهذا المردود الاجتماعى هي الدولة، وهي المسئولة عن تنظيم حياة المواطنين والمنوط بها الاهتمام بحل مشكلة الكثافة السكانية”.

العناصر المطلوبة

ترى الناقدة ماجدة خير الله أن الفن قادر على إحداث التغيير المطلوب، بشرط توظيفه بشكل يخدم القضية المستهدفة ومعالجتها بعيدا التناول المباشر, وتقول: “عودة تلك التيمة فنيا من جديد يتطلب توفير عناصر معينة, فلابد من تقديم المعالجة الدرامية ضمن سياق فني ممتع قادرعلى جذب المشاهد، والأهم هو دعم أجهزة الدولة لهذه الأعمال, فعلى سبيل المثال عند تقديم فيلم (أفواه وأرانب), وهو من الأفلام التي صنعت في سياق تنظيم الأسرة, وقدمه المؤلف سمير عبد العظيم، حصل وقتها على التمويل اللازم, وحظى بإعجاب الجماهير والنقاد, لذلك لابد من تقديم فن ممتع ويتخلله مضامين ورسائل مهمة، لأن الرسالة وحدها أو الشكل المباشر لن يأتي بنفس النتائج المطلوبة بالعكس قد يتحول لمادة للسخرية”.

وفي نهاية حديثها تقول: “من العناصر المطلوبة أيضا معرفة وتحديد الجمهور المستهدف, وفي هذا الشأن الجمهور المستهدف من الطبقات الاجتماعية البسيطة غير متعلمة أو محدودة الثقافة, وللأسف تلك الفئات بالرغم من ضيق الحال والمستوى المعيشي المحدود، إلا أنها سبب في كثرة الإنجاب تحت بند معتقدات خاطئة, ومفهوم العزوة وأن كل طفل يأتي برزقه، بالإضافة إلى التوجه الديني, فمنهم من يرى أن تنظيم الأسرة يخالف الشريعة الإسلامية وضد الطبيعة التي خلق الله عليها البشر, دون الوعي بأن الله خلق لنا العقل لتدبير وتصريف أمور الحياة وفقا للظروف المحيطة، ولكي يتمكن كل فرد من تربية أبنائه في بيئة صحية ويوفر لهم كافة الحقوق في التعليم والمعيشة, فهناك محاور مهمة يجب على صناع الفن مراعاتها والأخذ بها ومنها أيضا اختيار الوسيط الفني المناسب، فمؤكد أن تلك الفئة المستهدفة من الطبقات الاجتماعية التي تعاني الفقر والجهل هم ليسوا من رواد السينما، فمن الصعب أن يدفع رب أسرة مطحون 70 أو 80 جنيه قيمة تذكرة السينما لمشاهدة فيلم عن تحديد النسل, ولابد من إيجاد وسيلة أخرى لمخاطبتهم بطريقة بسيطة مقبولة بعيدا عن الخط التوجيه المباشر.. ومن المهم أيضا أن تدرك الجهات المسئولة أهمية تمويل ودعم تلك المشاريع، فمن الصعب أن تجد تلك الأفكار من يتبناها سوى الدولة, فالزمن اختلف وعناصر الصناعة اختلفت، ولابد من إنتاج أعمال بمواصفات خاصة تتمتع بعناصر الجذب المطلوبة، ومن خلالها يتم التسلل بالرسائل المستهدفة”.

اقرأ أيضًا : بروتوكول تعاون بين نقابة الموسيقيين وجمعية المؤلفين والملحنين


 

;