أخر الأخبار

في عالم الدراما .. أشرار أحبهم الجمهور

فيلم “الجوكر” للنجم الأمريكي خواكين فينيكس
فيلم “الجوكر” للنجم الأمريكي خواكين فينيكس

ريزان‭ ‬العرباوي

في عالم الدراما تعتبر الشخصيات الشريرة من بين أكثر الشخصيات التي تثير اهتمام الجمهور, فغالبا ما تعكس جوانب معقدة ومتناقضة من الإنسانية مما يجعلها مثيرة للاهتمام والبحث, وتمتلك جاذبية خاصة بسبب قصصها الغامضة, فيترقب الجمهور بفضول شديد تطورات وأفعال تلك الشخصيات لتشكل في الدراما جزءا مهما في تجربة المشاهدين, حيث يتفاعل معها الجمهور بطرق مختلفة, وعادة ما يحتقر الجمهور الأشرار، إلا أن الدراما أحيانا تفاجئ المشاهد بنماذج تجسد الشر، وبالرغم من ذلك قد تنجح في جذب الجمهور وإستمالة عاطفته.. خلال السطور التالية نحاول فهم عمق جاذبية الشخصيات الشريرة في عالم الدراما ومدى تأثير ذلك على الجوانب النفسية والاجتماعية للمتلقى, وكيف يستطيع بعض الأشرار سرقة قلوب المشاهدين؟.

لعل النموذج الأكثر تعبيرا عن حالة إنجذاب الجمهور للشخصيات الشريرة، ما حققه فيلم “الجوكر” للنجم الأمريكي خواكين فينيكس، من نجاح وقدرة على كسب حب واهتمام الجمهور بالرغم من اعتباره من أكثر الشخصيات الدرامية في الشر. 

لم يكن “الجوكر” شريرا منذ البداية، لكنه نتاج سيء لظروفه, فجسد الشر بشكل مثير للاهتمام تميز بتعقيد الشخصية والقدرة على جذب الجمهور بسبب طبيعته المحيرة.

ومن النماذج التي قدمتها الدراما المصرية مؤخرا في هذا النطاق, نجد على سبيل المثال شخصية “حسن الصباح” التي تم تجسيدها خلال مسلسل “الحشاشين”, فالذكاء والدهاء وسحر البيان والفراسة والقدرة على التأثير والسيطرة كانت أساليب “الصباح” لتحقيق أهدافه غير النبيلة، ونجح كريم عبد العزيز في توظيف الكاريزما الخاصة به لخدمة الدور، وتمكن من تغيير المفهوم النمطي لأدوار الشر, فكانت عوامل جذب ساهمت في إعجاب الجمهور بالشخصية، بالرغم من أنها تجسيدا للشر, فـ”حسن الصباح” زعيما لفرقة متطرفة دموية عنيفة.

تألق باسم سمرة في تجسيد الشرير المحبوب ببراعة من خلال شخصية “عيسى الوزان” ضمن مسلسل “العتاولة”, وأثارت الشخصية ضجة كبيرة في الموسم الرمضاني، وتصدر “التريند” على صفحات التواصل الاجتماعي, حيث سيطرت إيفيهاته ولزماته على اهتمام الجمهور، الذي تفاعل بشكل كبير معها.

كما جسدت نور اللبنانية الشر الصريح من خلال “الجنية شواهي”، ضمن أحداث مسلسل “جودر”، المستوحى من قصص “ألف ليلة وليلة”, وتمكنت من خطف أنظار الجمهور بأداء مميز  للساحرة الشريرة المكروه في القصص الخيالية، إلا أن “شواهي أم الدواهي” تمتعت بسحر خاص، وفي نفس الوقت حملت جانبا شريرا أضاف على الشخصية تعقيدا وجاذبية فريدة من نوعها.

“شكل نمطي”

يرى الناقد طارق الشناوي أنه من المهم حدوث تطور في تقديم الشخصيات، خاصة الشريرة، والبعد عن الشكل النمطي, فالشر المطلق أنتهى، ونحن في زمن الشخصيات الرمادية، ويضيف: “الفنان الذكي من يلتقط كل التفاصيل، لكن أحادي الفكر الذي ينمط الشخصية خاسر, كما لا ينبغي على الدراما أخذ موقف مسبق من الشخصيات لتترك مساحة الحكم للجمهور الذي عليه أن يتفاعل مع الشخصية, فحبه أو إنجذابه يكون لأفعال الشخصية وليس لمن يؤديها, وعند تجسيد النماذج الشريرة ينبغي على الفنان أن يبحث عن الأسباب التي تبني بداخله توازن نفسي وقناعة، فهي عناصر تساهم في تجسيد الدور بالشكل المطلوب, فالفنان لا يجب إن يجسد الشخصية وهو كارها لها، لأنها تمثل الشر، وذات سلوك يتنافى مع القيم والأعراف، حتى يبتعد عن الشكل النمطي في التجسيد”.

ويتابع: “حسن الصباح مثلا شخصية شريرة، وكون كريم عبد العزيز لعب الدور أعطاه مساحة أكبر للمصداقية والشعبية، وجعل الناس تنجذب للقصة والشخصية, لأن النجم جاذب للجمهور، رغم أنه لم يتبنى قضاياه أو مشاكله.. أيضا رشدي أباظة رغم أنه قدم العديد من أدوار الشر لكن لم يفقد حبه للجمهور، وهذا الدرس استفاد منه كريم عبد العزيز, أيضا ريا وسكينة نماذج شريرة في المجتمع لكن هل كره الناس شادية وسهير البابلي؟.. بالتأكيد لا.. شاهدنا أيضا باسم سمرة في مسلسل (العتاولة) قدم دور الشرير على طريقة عادل أدهم, وهو الشرير الذي يتمتع بروح الفكاهة، وله لازماته التي ينجذب لها الجمهور”.

“معادلة الحب والكره”

تقول الناقدة خيرية البشلاوي: “لا يجب التعامل مع الجمهور على أنه إنسان مسطح يستقبل الشخصية كما هي، فمن المفترض أن الشخصية الشريرة تتمتع بقدرة على المراوغة والذكاء وإفتعال المواقف والكذب للوصول لأهدافها, فهو مزيج جاذب الجمهور، والشخصيات الشريرة في الأفلام والمسلسلات قد تصبح جاذبة للجمهور لعدة عوامل، منها الكاريزما القوية والذكاء والدهاء, فعندما يكون الشرير ذكيا يستخدم إستراتيجيات متقنة في تحقيق أهدافه, يمكن أن يكون مثيرا للإعجاب، وهو ما شاهدناه مؤخرا من خلال مسلسل (الحشاشين) وشخصية (حسن الصباح) التي امتازت بالذكاء والدهاء، بالإضافة إلى الكاريزما التي يتمتع بها كريم عبد العزيز”.

وتضيف خيرية: “من العوامل أيضا الفكاهية, أن بعض الأشرار يتم تجسيدهم من قبل الفنان بأسلوب ساخر لطيف، مما يضيف عنصرا من التسلية والمرح لشخصيتهم، كما فعل باسم سمرة مع شخصية (عيسى الوزان) في مسلسل (العتاولة)”.

وتتابع قائلة: “الشخصية الشريرة موجودة منذ بداية صناعة الترفيه، وليس بالضرورة تقديمها في إطار وقالب يكرهه الجمهور, فقد تتمتع بجاذبية معينة ينجذب لها الجمهور، خاصة الأشرار الذين يتمتعون بالذكاء, فبناء الشخصية الشريرة يتم وفقا لمجموعة من المواصفات، منها الذكاء واللباقة، وأن تكون مثيرة للانتباه والإعجاب, فالجاسوس بالتأكيد شخصية شريرة لكنها جاذبة في نفس الوقت، وإلا لن يتمكن من أداء وظيفته بشكل جيد, فليس هناك ما يعيب الدراما من تقديم تلك النماذج في إطار من المواصفات التي تجعلها مقبولة أو محبوبة, والمشاهد يفكر فيها وقد يعجب بها، لكن ليس بالضرورة يحبها، وطبعا تجسيدها ليس سهلا، فهي تحتاج إلى أداء تمثيلي من نوع خاص”.

وفي نهاية حديثها تقول خيرية: “بالنسبة لإشكالية إن كان من الصحي إعتماد الدراما تلك النماذج وتقديمها ومدى تأثيرها على الجوانب النفسية والاجتماعية, أرى أن العمل الفني لا ينبغى بكل عناصره أن يتسم بالمثالية المفرطة لتقديم الشخصيات الدرامية، خاصة إذا كانت شخصيات حقيقية، وبها قدر كبير من الإقناع, لأن الفن من المفترض أنه يتعامل مع معطيات الحياة بكل جوانبها, فالشخصيات الشريرة موجودة في المجتمع وفي حياتنا، وليس من الممكن أن يتجاهلها الفن، وقد تعكس تلك النماذج الشريرة صفات معينة في المجتمع تكون وساوس ومخاوف وصفات وأمور مسكوت عنها، وقد تنكشف بواسطة الشخصية الشريرة، فتحرض المتلقي لرفضها”.

“القيم الجمالية”

وعن تفسيرعلم النفس والاجتماع لعشق الجمهور لأشرار الشاشة, تقول د. سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بكلية التربية جامعة عين شمس: “الجمهور المصري طيب، وفئة الشباب لدينا نسبتها كبيرة، وهي فترة عمرية شديدة التأثر بالعوامل الخارجية، وتقديم نماذج شريرة تخالف الطبيعة الإنسانية وتحمل كل الصفات المكروهة من كذب وخداع وظلم، في قالب فني جاذب للجمهور، مسألة فيها قدر من التشويه للمبادئ، وتصدير كل ما هو سيء لفئات عمرية مازالت في مرحلة التعلم والاكتساب, وبالرغم من التطور الحاصل، وأننا نعيش في العصر الرقمي وهيمنة التكنولوجيا، إلا أن المجتمع مازل يعاني من نسبة أمية عالية, فهذا الإنجذاب قد يأتي نتيجة الفراغ وقلة الوعي, أضف إلى ذلك تجسيد الخلفيات العميقة التي تبرز أسباب تحولهم إلى أشرار، واللحظات التي توضح جوانب إنسانية في شخصيتهم تجعل الجمهور يشعر بالتعاطف أو الإرتباط بهم, كما هو الحال مع شخصية (الجوكر) التي تعتبر الأكثر شرا، إلا أنها نجحت في جذب تعاطف وحب الجمهور, كذلك الغموض والتعقيد الذي يغلف تلك الشخصيات, وقد تعكس أيضا شخصيات الشر في الدراما قضايا اجتماعية معينة أو تلميح إلى مفاهيم فلسفية مما يجعل الجمهور يشعر بالإرتباط العاطفي معها ويستمتع بالتحليل العميق لها”.

وتضيف: “يعتمد مدى صحة تقديم نماذج الشر في الدراما على السياق الذي يتم فيه التقديم، والغرض منه، ويجب أن يتم بناء القصص وتطوير الشخصيات بشكل يعكس التوازن والتنوع ويشجع على التفكير النقدي, فيجب على صناع الدراما الحذر في تقديم الشر بشكل يشجع على السلوكيات السلبية.. فالعقلية المصرية منذ القدم تسعى للنهضة والحضارة، وهو ما يجب أن تخدمه الدراما، لا أن نجد أعمالا فنية تتضمن ألفاظا نابية أو تحرض على سلوكيات منحرفة ترفضها القيم والأخلاق الاجتماعية والدينية”.

اقرأ  أيضا : ناقد فني: الدراما حققت هذا العام نتائج إيجابية في تناولها لقضية المخدرات


 

;