الانبعاثات تنشر الأوبئة وتفسد الزراعة.. والحر يدمر الأعصاب

التغير المناخي| دراسة: 58% من الأمراض المعدية قد تتفاقم

استعدادات الطواقم الطبية فى أوقات انتسار الأوبئة
استعدادات الطواقم الطبية فى أوقات انتسار الأوبئة

■ كتب: ياسمين السيد هاني - علياء أسامة أيوب - مرام عماد المصري - أحمد شعبان - نوال سيد عبد الله

يشكل تغير المناخ أكبر تهديد للصحة يواجه البشرية، ويعكف مهنيو الصحة فى العالم بالفعل على التصدى للأضرار الصحية التى تسببها هذه الأزمة التى تتكشف معالمها وتفادى الآثار الكارثية على الصحة ودرء حدوث ملايين الوفيات المرتبطة بتغير المناخ يقتضيان من العالم أن يحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى أقل من 1.5 درجة مئوية. 

ونتيجة الانبعاثات السابقة، بات ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى مستوى معين والتغيرات الأخرى التى طرأت على المناخ أمرا محتوما. غير أن الاحترار العالمى حتى بمقدار 1.5 درجة مئوية لا يعتبر آمنا؛ وكل عُشْر إضافي فى درجة الاحترار الحرارى سيلحق أضرارا خطيرة بحياة الناس وصحتهم.

ورغم أن لا أحد يسلم من هذه المخاطر، فإن أول الأشخاص الذين تتضرر صحتهم على نحو أسوأ نتيجة للأزمة المناخية هم الأقل إسهاما فى أسبابها، وأولئك الأقل قدرة على حماية أنفسهم وأسرهم من تلك الأضرار سكان البلدان والمجتمعات المنخفضة الدخل والمحرومة.

◄ اقرأ أيضًا | دراسة: تغير المناخ أثر على أكثر من 80 % من سكان العالم بسبب ارتفاع الحرارة خلال يوليو

وتهدد أزمة المناخ بنسف التقدم الذى أحرز على مدى الأعوام الخمسين الأخيرة فى مجالات التنمية والصحة العالمية والحد من الفقر، وتهدد أيضا بزيادة توسيع أوجه التفاوت فى الصحة فى أوساط الفئات السكانية وفيما بينها. وهى تؤثر تأثيرا سلبيا على تحقيق التغطية الصحية الشاملة بطرق شتى ــ منها زيادة تعقيد الأعباء الحالية للأمراض ومفاقمة الحواجز القائمة أمام إتاحة الخدمات الصحية.

ويؤثر تغير المناخ بالفعل على الصحة بطرق عديدة، منها التسبب فى الوفاة والمرض نتيجة الظواهر الجوية المتطرفة التى تزداد تواترا، مثل موجات الحر والعواصف والفيضانات وتعطل النظم الغذائية، وزيادة الأمراض الحيوانية المنشأ والأمراض المنقولة بالأغذية والمياه والنواقل، ومشاكل الصحة النفسية. 

وأكدت دراسة حديثة التى نُشرت فى مجلة «نيتشر كلايمت تشينج» أن تغير المناخ بأشكاله المختلفة يؤثر بشكل مباشر على انتشار الأمراض المنقولة عبر مسببات المرض إلى البشر وإلى أماكن أخرى ربما لم يكن المرض متوطناً بها، ما يزيد المخاوف من التأثيرات السيئة للتغير المناخى.

وخلص فريق من الباحثين بجامعة هاواى إلى أن 58% من الأمراض المعدية البشرية المعروفة قد تتفاقم بسبب تغير المناخ وذلك بسبب الاحترار وظواهر الطقس المتطرفة مثل الجفاف والفيضانات أو موجات الحرارة الشديدة، وأن هناك ارتباطا وثيقا بين تزايد انتشار مسببات الأمراض وبين التغير المناخى.

وعلى مر التاريخ، ربط الأطباء الأمراض بالطقس والتغيرات الحادثة فيه، لكن هذه الدراسة تظهر مدى انتشار تأثير تغير المناخ على صحة الإنسان.

واستندت الدراسة إلى قائمة تضم 375 مرضًا منتشراً فى جميع أنحاء العالم، تسببها مسببات الأمراض المختلفة مثل الفيروسات والبكتيريا، وكذلك حبوب اللقاح أو الفطريات، بحسب ما نشرت وكالة الأنباء الألمانية.

وجد الباحثون خلال الدراسة أكثر من 1000 مسار مرتبطة بتغير المناخ ينتهى كل منها بالإصابة بالمرض، وفى كل واحد من هذه المسارات وُجد أحد مسببات الأمراض التى عزز نشاطها بشدة تغير المناخ.

ومن هذه المسارات التى درسها العلماء الأمطار الغزيرة والفيضانات واحترار المحيطات وموجات الحر والجفاف الذى يجلب الخفافيش التى تحمل العدوى الفيروسية، إضافة إلى البعوض والفئران والحيوانات الحاملة للأمراض، بحسب ما نشرت وكالة أسوشيتدبرس.

ويسلط المؤلف المشارك فى البحث تريستان ماكنزى - من جامعة هاواى - الضوء على الأمراض التى تنتقل عن طريق النواقل (مثل البعوض أو القراد) فيقول: «لقد وجدنا أكثر من 100 مرض تزايد انتشارها وشدتها بواسطة التغيرات المناخية».

ويقول المؤلف المشارك فى الدراسة الدكتور جوناثان باتز، مدير معهد الصحة العالمية بجامعة ويسكونسن ماديسون: «إذا كان المناخ يتغير، فإن مخاطر هذه الأمراض تتغير أيضاً».

أما الدكتور كارلوس ديل ريو، إخصائى الأمراض المعدية بجامعة إيموري، والذى لم يشارك فى الدراسة فيقول: «نتائج هذه الدراسة مرعبة وتوضح جيدًا العواقب الهائلة لتغير المناخ على مسببات الأمراض البشرية»

ويرى فريق البحث فى جامعة هاواى الحاجة إلى «اتخاذ إجراءات صارمة للحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحرارى» بالنظر إلى المخاطر التى تلوح فى الأفق من الأمراض التى تفاقمها التغيرات المناخية.

ورغم أن تغير المناخ يؤثر تأثيرا واضحا على صحة الإنسان، فإنه يظل من الصعب تقدير حجم وتأثير العديد من مخاطر تغير المناخ على الصحة على نحو دقيق. ومع ذلك فإن أوجه التقدم العلمى تتيح لنا تدريجيا نسب الزيادة فى معدلات الاعتلال والوفيات إلى الاحترار الناتج عن أنشطة بشرية، وتحديد المخاطر التى تنطوى عليها هذه التهديدات الصحية ونطاقها على نحو أدق.