عاجل

خارج النص

الموضوع ... خطير !

د. أسامة السعيد
د. أسامة السعيد

عندما كتبت هنا قبل أسبوعين أدعو إلى «محو أمية جيل التابلت» لم أكن أبالغ بمحاولة تسليط الضوء على تراجع مستوى الطلاب فى جامعاتنا اليوم، ولم أكن أقرا الغيب، ففى الأسبوع التالى مباشرة، أعلنت كليات بالقطاع الطبى فى ثلاث جامعات حكومية، رسوب معظم طلاب الفرقة الأولى بها بسبب ضعف مستوى الطلاب!

فى كلية الطب البشرى بجامعة جنوب الوادى رسب 72% من الطلاب، بينما رسب 80% من طلاب الفرقة الأولى بكلية طب الأسنان، وذلك لأول مرة فى تاريخ الجامعة، خاصة أن كلية الطب بالجامعة كانت معروفة بنسب النجاح المرتفعة والتى تتجاوز سنويا 90%، فضلا عن اجتيازها معايير الجودة الجامعية منذ 5 سنوات، وهى مسألة تحتم عليها الالتزام باشتراطات تتم مراجعتها دوريا لعملية التدريس ومستوى الاختبارات، بما يضمن عدم تخريج  طالب غير مؤهل أو غير متقن لعلوم وفروع الطب.

هذه الواقعة لم تكن الوحيدة، فقد تكررت فى كلية الطب البشرى بجامعة أسيوط، فى الإعلان عن رسوب 60% من طلاب الفرقة الأولى بها، وهى نسبة أيضا غير مسبوقة فى تاريخ الكلية المعروفة بنسب نجاحها المرتفعة على مدى سنوات طويلة وكفاءة خريجيها.

وبالتأكيد هذه الكليات تستحق التحية والشكر، لأنها التزمت معايير النزاهة وحافظت على اعتبارات الجودة، وراعت الحفاظ على سمعتها العلمية الحقيقية بأن يكون خريجوها نموذجا للكفاءة العلمية والمهنية، ولم تحاول أن تتكتم على الموضوع حفاظا على نسب النجاح المرتفعة، فدقت ناقوسا الخطر طلبا للعلاج.
ولولا أن هذه الجامعات حكومية، ولا تزال تتمسك بأهداب الحفاظ على جودة التعليم ولا تخضع كغيرها لاعتبارات «الربح والخسارة» لما رأينا مثل هذه النسب، ففى جامعات أخرى عديدة، يتحكم منطق «الزبون دائما على حق»، والزبون هنا هو الطالب الذى يجب أن يكون راضيا بأى ثمن حتى يستمر فى دفع المصروفات الباهظة، ويحقق «المشروع» -أى الجامعة - أرباحا طائلة، ولا عزاء لمعايير جودة التعليم أو كفاءة الخريجين!!

الأمر جد خطير، وإذا كان تراجع المستوى قد وصل إلى طلاب كليات الطب، التى تمثل أعلى مستويات التفوق العلمى بين الناجحين فى الثانوية العامة، فلنا أن نتصور حجم المعاناة فى بقية التخصصات والمستويات!

الأمر يتطلب أفكارا غير تقليدية وقرارات جريئة، وأتصور أن هذا الملف يجب أن يحظى بأولوية فى مناقشات «الحوار الوطني»، وأن تكون هناك تصورات قابلة للتطبيق تتعلق باستخدام الموارد المتوافرة بأفضل طريقة ممكنة لضمان الحصول على خريجين لديهم القدرة على المنافسة فى سوق العمل.
أتصور أن تلك القرارات الجريئة التى يجب أن نتخذها كمجتمع قبل أن نطالب الحكومة بها، هى تقليص أعداد الدارسين فى الجامعات، فما القيمة فى أن يلتحق معظم دارسى الثانوية العامة بالجامعات، بينما قدراتهم العلمية لا تؤهلهم لذلك؟ 

هل القيمة أن يحمل الخريجون درجة الليسانس أو البكالوريوس، بينما لا حاجة لسوق العمل بهم، ولا تناسب بين القدرات التى امتلكوها خلال سنوات الدراسة وبين متطلبات ذلك السوق، وبعدها نندهش عندما نعرف أن معدل بطالة أصحاب المؤهلات العليا هو الأعلى بين جميع المستويات التعليمية فى مجتمعنا!!
القضية تتطلب بالطبع دراسة شاملة، وإيجاد مسارات تعليمية بديلة ومقبولة اجتماعيا، ومناسبة لاحتياجات سوق العمل، لكن الصمت وتأجيل مواجهة الواقع، مسألة سندفع ثمنها مستقبلا، عندما نفاجأ بأننا نواجه أزمة كفاءة حقيقية فى مختلف المجالات، بينما العالم من حولنا ينطلق بسرعة الضوء نحو التعليم الإبداعي، وتنمية قيم الابتكار، وامتلاك أدوات المستقبل انطلاقا من التعليم.