عاجل

يوميات الأخبار

طاهر قابيل يكتب: الطبيعة والجمال بمحميات أرض الفيروز

طاهر قابيل
طاهر قابيل

«قضيت ساعات بمحمية «الزرانيق وسبخة البردويل»، وهى أرض رطبة ومركز لاستقبال الطيور المهاجرة للتزود بالغذاء والراحة أثناء هجرتها من أوروبا وآسيا إلى إفريقيا»

أنا من عشاق أرض الفيروز، وجاءت لى فرص عديدة لزيارة سيناء فى رحلات خاصة ومهام صحفية، كنت استغل يوماً أو يومين أو بعض الساعات للاستمتاع ببحرها وجوها النقى، وزيارة محمياتها الطبيعية، والقيام برحلات سفارى والتجول فى صحاريها، وعلى شواطئ بحيراتها، ومشاهدة صخور جبالها بديعة الألوان والارتواء من مياه عيونها العذبة.
تكررت زياراتى لجنوب سيناء فى اكثر من مناسبة، وخاصة خلال العيد القومى للمحافظة. وفى إحدى المرات بعد أن انتهينا من الافتتاحات، قررت قضاء يومين فى نويبع قبل عودتى للقاهرة، واخترت الذهاب فى «سفارى» وشحذت طاقتى بالصباح الباكر وحضرت سيارة »فور باى فور» لتمكننى بالسير فى رمال الصحراء والدخول للمنطقة الجبلية، ورافقنى دليل من ابناء البدو، وحكى لى عن «محمية طابا» التى تبلغ مساحتها 3500 كيلو متر مربع، وبها العديد من الحيوانات المهددة بالانقراض، وتكثر فيها الشعاب المرجانية النادرة، وشاهدت بها كهوفًا وممراتٍ جبليةٍ متعددةٍ، وشبكة من الوديان أهمها وتير والزلجة والصوان ونخيل، وعيون المياه العذبة منها عين حضرة بوادى غزالة، وأم أحمد بالصوان، وفورتاجا بوتير. ورأيت حول العيون حدائق نباتية رائعة الجمال.. فالمحمية تتكون من الحجر الرملى والنوبى والبحرى من العصر الطباشيرى، وتكثر بها الفوالق والفواصل المتقاطعة التى جعلت منها موئلا للنباتات والحيوانات. وقال لى مرافقى ان بها 75 نوعاً من الثدييات والطيور النادرة، و480 من النباتات، ومواقع أثرية عمرها 5 آلاف سنة.. وتذخر المحمية بالتراث اللامادى والتكوينات الجيولوجية المتميزة، والحياة البرية النادرة والمناظرالبديعة، ورأيت فى وديانها موائل للغزال والحبارى، وأشجارالطلح و72 نوعا من النباتات بوادى وتير، منها البعيثران والرمث، وشاهدت هضابا يصل ارتفاعها إلى أكثر من الف متر، وموائل طبيعية للوبر والوعل النوبى والذئب والضبع ولطائرالرخمة المصرية والنسر أبو دقن والذهبي.

الكانيون الملون
بدأت رحلة السفارى من الكانيون الملون بوادى وتير، وحملت زجاجتين من المياه المثلجة، لانى سأبقى فى جولتى ساعتين، ووقفت صامتا وانا انظر لصخور الجبل التى نحتتها الرياح وصنعت منها اشكالا بديعة اروع من ريشة اى فنان، وجذبنى شكل بوابة قصر او قلعة تاريخية فى قمة الجبل.. وبعد ان التقطت انفاسى وشربت قليلا من المياه المثلجة، سرت بين الصخورمنبهراً وأنا اشاهد الشجيرات تنطلق منها على ارتفاع، وأتوقف بمكان متسع قليلا واجلس فى ظل صخرة ضخمة لشرب بعض المياه، واستكمل جولتى واعبر من مكان يطلق عليه حجر الولادة، وهو سبيلى الوحيد للمرور، وانزل باليدين والرأس اولا كأنى جنين فى لحظة الولادة، والتقط انفاسى، وانا سعيد بجولتى بالكانيون الملون، واشاهد البحر من بعيد، وبعض السائحين حضروا بالجمال، واصعد منطقة رملية لأصل الى عشة اقامها احد البدو، واجلس على الارض لآخذ قسطا من الراحة واشرب كوبا من الشاى البدوى الرائع، وزجاجة مياه مثلجة، واتبادل مع المحيطين بى الضحكات والنكات والحكايات، واصفا لهم كيف استمتعت بالسفارى بالكانيون الملون. ويقول لى دليلى صبرا سوف نعبر طريق الاسفلت لنستكمل رحلتنا الى عين ام أحمد وجبل النواميس.. واشاهد فى وادى وتير النباتات الصحراوية المنتشرة فى طريقنا، ونعبر بجوار جرف عال جدا، وانظر أسفله، واشعر اننا على ارتفاع عمارة من 10طوابق، ويقول لى الدليل إن هذا نتيجة سيل شديد نحت رمال الصحراء، وحمدت الله انى لم اكن موجودا بالمكان لحظة حدوث السيول، وانزل من السيارة ليلتقط لى مرافقى صورا للمكان حتى تكون ذكرى لرحلتى البديعة.. ونتوقف فى مكان يكسوه اللون الاخضر، واسرع بخطواتى لاشرب مياها باردة كأنها مثلجة من عين «ام احمد»، واتساءل من أين تأتى باردة فى هذه الصحراء شديدة الحرارة، فيبتسم دليلى، ويقول ان الأمطار تتساقط على قمة الجبال، وتتجمع وتبحث عن طريق لها بين الصخور، وتسير مئات الكيلو مترات حتى تتفجربمكان ما، وأسأله لماذا سميت ام احمد فلا اجد اجابة.. وأصل الى مكان به شيخ عجوز يتولى زراعة جزء من الأرض، ويخبرنى مرافقى انه احد شيوخ البدو، ويعيش هنا، ويدعونى لشرب كوب من الشاى، ويحكى لى عن اصوله التى تعود الى الجزيرة العربية، ويعدد لى اجداده حتى المائة جد.. واشاهد حفرة وحولها خيط، واسأل لماذا؟، فيقول لى احد احفاده انها «خية» للقبض على الثعابين، واستكمل تناول كوب الشاى، ويحكى لى دليلى ان شيخ القبيلة العجوز كان فى المدينة، واتفق مع رئيس المدينة ان يكون فى انتظاره، وحضر له بعد 3 ايام، فلم يجده، لانه مازال يستخدم الجمل كوسيلة مواصلات.. بعد ذلك صعدت الى جبل النواميس، والذى قال عنه شيخ القبيلة انه ملكهم!. واشاهد بقمة الجبل قليل الارتفاع بيوت الانسان الاول، عبارة عن قطع حجربة توضع فوق بعضها، ويخبرنى مرافقى ان الانسان الاول كان يختار لبناء مسكنه فى الاماكن المرتفعة حتى يكون بعيداعن الوحوش والحيوانات المفترسة، ويشير إلى اسفل الجبل ويقول لى ان نهر النيل كان يمر من هنا منذ قديم الازل، وكانت به تماسيح وحيوانات مفترسة، وأنهم عثروا على بيض سمك البلطى فى هذا المكان، وان الخبراء قالوا انه احتمال من اثنين، إما انه كان بهذا المكان نهر، وهو النيل، او حملت الطيور بيض السمك من النهر فى اقدامها، فصمت لاننى لا أعرف الحقيقة، ففوق كل ذى علم عليم.

الغطاء النباتي
بعد ان انهيت رحلتى فى جنوب سيناء، ذهبت الى النصف الثانى من شبه الجزيرة، الى محمية «الأحراش» بالقرب من حدودنا مع غزة، وتبلغ مساحتها 6 كيلومترات، وبها كثبان رملية يصل ارتفاعها 60 مترا.. وهى من أجمل المحميات الطبيعية، وترجع أهميتها لحمايتها للتربة والغطاء النباتى والحياة البرية فى توازن لا يتكرر بأى محمية أخرى.. وعرفت ان بالمحمية 4 أنواع من الأشجار النادرة، أهمها الاكاسيا التى تنمو فقط فى الكثبان الرملية، ويصل طول جذرها 10أمتار، وتعمل كمصدات للرياح، وتمت زراعة 500 شتلة بالمناطق الخالية منها، وهناك ايضا اشجار الاثل والكافور والسرو والشجيرات والأعشاب والنباتات الرعوية والعلفية، و8 أنواع من النباتات الطبية النادرة، منها العادر والخافور وعصا موسى، وزواحف وثدييات، منها ثعلب الفنك وقط الرمال والحردون وسحلية النعامة والقنفد طويل الاذن والأرنب البرى. ومن الزواحف الحردون وقاضى الجبل والسقنقور والبسباس والأرقم الاحمر والحية القرعاء. ومن الطيورالشحرور ونقار الخشب والسمان والمرعة والحمام البرى والبومة والقنبرة وابو فصاد والحجل والعوسق وصقر الغروب.. ومحمية الأحراش من المناطق التى تسعى الدولة للحفاظ عليها وحمايتها، لما لها من آثار إيجابية على حماية التربة، ووجود غطاء نباتى كثيف وموارد للمياه وحيوانات ثديية وزواحف وطيور مقيمة ومهاجرة، ويساعد الغطاء النباتى على تثبيت التربة والحفاظ على المياه من البخر وبالمنطقة ثروات طبيعية.

بعد ذلك قضيت ساعات بالاحراش. ذهبت الى محمية أخرى ذات ابداع وجمال وكنز من كنوزنا البرية، وهى المحمية الطبيعية «الزرانيق وسبخة البردويل»، وهى أرض رطبة ومركز لاستقبال الطيور المهاجرة للتزود بالغذاء والراحة اثناء هجرتها من أوروبا وآسيا إلى إفريقيا هرباً من صقيع الشتاء.. وتبلغ مساحة المحمية 250 كيلومترا مربعا، وتهدف للحفاظ على التنوع البيولوجى وحماية الأنواع المهددة بالانقراض. وسميت بهذا الاسم لوجود مسطحات مائية متداخلة ومتعرجة تتخلل السبخات المالحة والطميية. وبالمحمية حشائش بحرية وكثبان رملية ونباتات وطيور مهددة بالانقراض، منها مرعة الغلة وأبواليسرأسود الجناح، والشرشيرالمخطط والزرقاوى الأحمروالمرزة البغثاء، وصقرالجراد والعقاب الملكى. ونباتات اتلدا والبوصيل والهيميرا والمزرور والمليح والقلام والرطريط. ومن الزواحف السلحفاة المصرية والورل والترسة، ويعيش بها اليربوع البيوض بالمناطق الرملية، والذى يمضى النهار فى جحور وأنفاق يحفرها. والجربوع وفأر الرمل السمين والقنفد والفنك أصغر أنواع الثعالب وأجملها، والمهدد بالانقراض للصيد الجائر للحصول على فرائه. وقط الرمال الذى يتميز برأس مفلطحة وفراء كثيف، ومن الطيور المهاجرة بط الشرشير الصيفى والبجع الأبيض والبشاروش والبلشونات والنوارس والخطافات البحرية والسمان والمرعى والهدهد والأبالق والقنبرة المتوجة والمكاء والنكات وأبوالرءوس السكندرى والخطاف الصغير. ومن اكبر الزواحف أكلة اللحوم الورل الصحراوى والسلحفاة الخضراء المعرضة للانقراض وكبيرة الرأس، وهناك ايضا ثعبان البسباس الجبلى والبرص واسع العينين والحية القرعاء السامة.. وبالمحمية نباتات تعمل على تثبيت التربة، وتزيد من خصوبتها منها المثنان والحاد والرتم والرطريط الأبيض والغردق والهالوك او ذقن الجن.. وفى بحيرة البردويل رخويات وقشريات ومحار وأسماك الدنيس والبورى والقاروص وموسى.. وبالمحمية مناطق أثرية أهمها الفلوسيات والخونيات.. وتضمان مستوطنة رومانية قديمة.. وكنيستين ترجعان للعصر البيزنطى.
انتهت جولتى فى محميات شمال وجنوب سيناء.. وكانت من اروع واجمل رحلاتى ومهامى الصحفية.. فمصر رائعة الجمال.. تحيا مصر.