من الأعماق

قوة المنطق.. ومنطق القوة

جمال حسين
جمال حسين

تابعت على مدى يومين فعاليات القمة الثانية للمنتدى الاقتصادى والإنسانى الروسى الأفريقى، الذى عُقد بمدينة سان بطرسبرج الروسية، والذى شارك فيه الرئيس عبدالفتاح السيسى وقادة ٤٨ دولة أفريقيَّة، ولا شك أن المنتدى جاء هذا العام فى وقتٍ بالغ الحساسية؛ فالعالم يموج فى بحرٍ مُتلاطمٍ من الصراعات والحروب والظروف الدوليَّة بالغة التعقيد والاستقطاب.


توقيت المنتدى بالغ الحساسية؛ حيث جاء بعد أيامٍ قليلةٍ من إعلان روسيا الانسحاب من اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانيَّة عبر موانئ البحر الأسود، وهو القرار الذى ينجم عنه تداعيات كثيرة، وتُعدُّ الدول الأفريقيَّة الأكثر تضررًا منه، لكن يُحسب للرئيس الروسى بوتين إصراره على عقد المنتدى رغم الحرب الدائرة مع أوكرانيا، ورغم تجييش أمريكا دول الاتحاد الأوروبى ضده، وتقديم كل أنواع الأسلحة لأوكرانيا لتخوض عنها حربًا بالوكالة؛ لإنهاك روسيا وإضعافها.


التوقيت بالغ الأهميَّة أيضًا للدول الأفريقيَّة التى تُواجه الكثير من التحديات والحروب والصراعات التى لا تُؤثِّر فقط على قدرتها، بل تُهدد حاضر أمنها ومستقبل أبنائها.
كلمة الرئيس السيسى أمام المنتدى جاءت قويةً ومُعبِّرةً عن حال القارة الأفريقيَّة التى تُريد الأقطاب الكبرى استقطابها كلًا إلى مُعسكره؛ للاستفادة من كنوزها واعتبارها السوق الأكبر لترويج منتجاته.. الرئيس أكد مُجددًا أن الدول الأفريقيَّة يجب أن تبقى بمنأى عن مساعى الاستقطاب فى الصراعات القائمة؛ لأنها دولٌ ذات سيادة، وفاعلة فى مجتمعها الدولى.. تنشد السِّلم والأمن، وتبحث عن التنمية المُستدامة، التى تُحقِّق مصالح شعوبها أولًا.. أكد أن مصر كانت دومًا سبَّاقة فى انتهاج مسار سلام الأقوياء القائم على الحق والعدل والتوازن، وكان هذا هو خيارها الاستراتيجى الذى حَملت لواء نشر ثقافته؛ إيمانًا منها بقوة المنطق لا منطق القوة، وبأن العالم يتسع للجميع.


الرئيس طالب بصياغة حلولٍ مُستدامة للصراعات القائمة فى عالمنا تعتمد على التسوية السِّلميَّة للنزاعات، والحفاظ على سيادة الدول ووحدة أراضيها، والتعامل مع جذور ومُسببات الأزمات، خاصةً المُتعلقة بالأمن القومى والامتناع عن إذكاء الصراع وتعميق حالة الاستقطاب، والأخذ فى الاعتبار احتياجات الدول النامية، وعلى رأسها دول القارة الأفريقيَّة فيما يتعلَّق بالتداعيات شديدة الوطأة على اقتصاداتها.
البعض وصف قمة بطرسبرج بأنها قمة «المصالح والرسائل»؛ المصالح مع دول القارة الأفريقيَّة الثريَّة بثرواتها وكنوزها، والرسائل العديدة التى تُريد روسيا إرسالها إلى أمريكا وحلفائها، بأنهم لن ينجحوا فى عزل روسيا عن العالم وعن أفريقيا؛ لأن هناك أسبابًا عديدة تجعل دول أفريقيا مُطمئنةً للتعامل والتعاون مع روسيا، فالأفارقة لن ينسوا أن الغرب يُمثِّل لهم قوى استعمارية قامت فى السابق بنهب الثروات واستغلال الشعوب، بينما لم يكشف تاريخ الروس أطماعًا استعماريَّة، وإنما يستهدفون التكامل الاقتصادى وتبادل المنفعة على أساسٍ من الندِّية والاحترام المُتبادل.