حكاية العجوز الذى استولى على آلاف الجنيهات من شاب نظير وظيفة بمنجم ذهب

المحتالون الجدد.. والنصب باسم الوظيفة

المتهم
المتهم

محمود صالح

  بعد التخرج؛ تتجه أحلام كل شاب وفتاة إلى العمل، لا يتوقفون عن البحث أملا في الحصول على الوظيفة المناسبة، وعلى الجهة الأخرى، هناك من اتخذ هذه الأحلام المشروعة سبيلاً للنصب، وجعلها سببًا مباشرًا لكسب الأموال بغير حق، طمعًا من جهة وغياب ضمير من جهة أخرى، وهذا ما يظهر جليًا في مئات الإعلانات الوهمية التي تعج بها وسائل التواصل الاجتماعي، والتي يكون الهدف الأول منها النصب باسم التوظيف. عشرات الشباب وربما المئات وقعوا ضحايا لهؤلاء المحتالين. والآن كيف يستدرجون ضحاياهم?!، هذا ما سنعرفه الآن.

يكفيك أن تبحث في محرك البحث الشهير «Google» عن وظيفة، وستجد آلاف الوظائف الشاغرة، بالمتطلبات والشروط، أيضًا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، سيظهر لك مئات الإعلانات الممولة، والتي أنشئت خصيصًا لاستقطاب الشباب والشابات تحت حلم التوظيف.

مثلا، يتم استخدام هذه الإعلانات الممولة في استقطاب الفتيات لأغراض غير مشروعة، أو استقطاب الشباب مقابل دفع مبالغ مالية، أو حتى على سبيل التوسيط للتوظيف في شركات معروفة مقابل مبالغ مالية كبيرة، وهذا كله كوم وأولئك الذين يأخذون أموالا للتوظيف في أهم المناصب كوم آخر.

قد تظن أن الأمر وليد اللحظة، وأن مواقع التواصل الاجتماعي السبب في انتشار هذا النوع من النصب. لكن الحقيقة عكس ذلك فإن السوشيال ميديا وضعت أعيننا عليه، بعدما كان يدار في الغرف المغلقة، الآن يدار على المواقع والحسابات الشخصية علنًا.

بيع الوهم

شركة من أكبر شركات التسويق الإلكتروني، ورائدة في هذا المجال منذ إنشائها تقريبًا، وهو ما جعلها من أكثر الشركات الموجودة على السوشيال ميديا التي زُج اسمها في المئات من إعلانات التوظيف، والشركة نفسها لا تعرف عن هذه الإعلانات شيئًا.

هذه الإعلانات تعددت أغراضها، لكن لعل أبرز هذه الأغراض هو الأموال، وهذا ما ظهر في الطريقة التي أنشئ من خلالها الإعلان وكيفية كتابته، مثلا مكتوب في الإعلان أنه للتوظيف في الشركة لابد من دفع مبلغ مالي يخص الاستمارة الإلكترونية.

وعلى الرغم من أن الكثير من الشباب لا يعرف أصلا معنى الاستمارة الإلكترونية إلا أن عشرات من خدعهم هذا الإعلان؛ دفعوا المبالغ ظنًا منهم أن هذا يقربهم خطوة من التعيين في الشركة، لكن سرعان ما اكتشفوا أنهم وقعوا ضحايا لعملية نصب، قام بها أشخاص تخصصوا في بيع الوهم.

منجم دهب

ليست وقائع النصب باسم التوظيف حكرًا على مواقع التواصل الاجتماعي وحدها، بل أن أصل هذه الوقائع بدأت في الشارع، ودون سبب، أو بالأحرى صدفة، حتى أنه من الممكن أن تقود صدفة نصاب لأن يرتكب جريمته، ومن الممكن أن تقوده الصدفة إلى كشفه مبكرًا قبل أن يرتكب جريمته.

من ضمن هذه الوقائع، ما تعرض له "رمضان. ر"، صاحب الـ٤٢ عامًا، والذي أوضح أن أحدًا من الرجال أثناء سفره إلى الشرقية، وتحديدًا إلى مركز الزقازيق، عبر طريق مصر إسكندرية الصحراوي، استقل معه السيارة، ويبدو من مظهره أن عمره تجاوز الـ70 عامًا.

حكى "رمضان" أنه والرجل تبادلا أطراف الحديث، وعرف منه أن الرجل يعمل في منجم السكري، حينها حكى له الرجل عن عدة صعوبات تواجهه، ومشكلات يتعرض لها، وديون عليه سدادها.

وقتها لان قلب رمضان رق له، وأعطاه مبلغ ٤٠٠ جنيه، وقتها حاول الرجل أن يلح على رمضان لمعرفة مكانه وبالتالي يستطيع أن يسد له دينه، لكن رمضان أبلغه بأنه لا يريد المبلغ، وأنه أعطاه له بطيب خاطر.

حينها قال له الرجل؛ بأن منجم السكري أعلن عن وجود وظائف شاغرة، وأنه من الممكن أن يساعده لو كان لديه أحد يريد أن يعمل في المنجم، وأنه سوف يساعده على ذلك، ردًا لهذا الجميل.

ولأن رمضان له ابن خالة خريج كلية العلوم وخالي وظيفة، سمع كلام الرجل وصدقه، وبالفعل اتصل به الرجل في اليوم التالي وطلب منه تحويل مبلغ ١٢٠٠ جنيه مقابل بعض الأوراق التي سيحررها لتعيين ابن خالته في المنجم.

حينها أرسل له رمضان الأموال بصفاء نية، ولم يدخل إلى قلبه الشك، وقبل أن يمر يومان آخران اتصل به الرجل وقال له بأنه موجود في القاهرة، وتحديدًا في الإدارة التي يتبع لها منجم السكري، وأن الموظف يريد 5 آلاف جنيه لقبول الأوراق، وأن عليه أن يرسل له هذه الأموال حتى ينهي كافة الأوراق.

من هنا بدأ الشك يدخل إلى قلب رمضان، وامتنع تمامًا عن إرسال الأموال إلى الرجل، وقال له بأن صديقا له سوف يأتي إليه ومعه المبلغ، وأنه سوف يعطيه للموظف يدًا بيد.

وبمجرد ما أن أدرك الرجل أن رمضان لن يرسل له المبلغ، أغلق هاتفه، واختفى كأن لم يوجد ولم يقابله من الأساس، واكتفى بـ1600  جنيه أخذها منه علاوة على400 جنيه اخذها منه بداعي تعرضه لضائقة مالية أثناء استقلاله السيارة معه في المرة الأولى، و1200 جنيها التي قام بتحويلها له.

وظائف مرموقة

أيضًا من ضمن الأمور التي يتم فيها ارتكاب العديد من عمليات النصب، والبعيدة عن مواقع التواصل الاجتماعي، هو ما يراود كل شاب عند اجتيازه مرحلة الثانوية العامة والاستعداد للبحث عن الكلية التي سوف يلتحق بها، وقتها يصبح كل تفكير الغالبية العظمى من الطلاب التقديم في كليات بعينها.

ولأن هذه الكليات لها طبيعة خاصة، ولا تقبل أي طالب، ولها اشتراطات صعبة، والتقديم إليها يحتاج الكثير من العمل الذهني؛ فقد تجد من يلعب على هذا الوتر ويحاول أن يرتكب جريمة بأن يوهم أهل الطالب بأنه قادر على إدخاله كلية بعينها مقابل مبلغ من المال، ويتفاجئون بعد أن تظهر النتيجة أن ابنهم ليس من ضمن الطلاب المقبولين في الكلية، وإن النصاب "فص ملح وداب".

كثيرون ينتبهون قبل الوقوع في هذه المصيدة، لكن أيضًا في المقابل كثيرون هم من وقعوا، وبقت علامة النصب دلالة واضحة على أن أمل التوظيف، والبحث عن الوظيفة، ملعبًا لارتكاب العديد والعديد من جرائم النصب، فاحذر. 

د‭.‬مصطفى‭ ‬سعداوى‭: ‬جرائم‭ ‬الاحتيال‭ ‬تصدى‭ ‬لها‭ ‬المشرع‭ ‬المصرى

‭ ‬اعتبر‭ ‬القانون‭ ‬هذه‭ ‬الوقائع‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬وقائع‭ ‬الاحتيال،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أكده‭ ‬أستاذ‭ ‬القانون‭ ‬الجنائي‭ ‬بكلية‭ ‬الحقوق‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬المنيا،‭ ‬الدكتور‭ ‬مصطفى‭ ‬سعداوي،‭ ‬حيث‭ ‬أوضح‭ ‬قائلا‭: ‬‮«‬تصدى‭ ‬المشرع‭ ‬المصري‭ ‬لجرائم‭ ‬الاحتيال،‭ ‬بكافة‭ ‬أنواعها‭ ‬وتفاصيلها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬المادة‭ ‬‮٣٣٦‬‭ ‬من‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات،‭ ‬والتي‭ ‬جرمت‭ ‬جرائم‭ ‬الاحتيال،‭ ‬وفرض‭ ‬لها‭ ‬عقوبة‭ ‬الحبس،‭ ‬من‭ ‬يوم‭ ‬وحتى‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‮»‬‭.‬

وأضاف‭: ‬‮«‬تنص‭ ‬المادة‭ ‬‮٣٣٦‬‭ ‬من‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يعاقب‭ ‬بالحبس‭ ‬مدة‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬عن‭ ‬سنة‭ ‬لا‭ ‬تزيد‭ ‬عن‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات،‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬توصل‭ ‬إلى‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬نقود،‭ ‬أو‭ ‬عروض‭ ‬أو‭ ‬سندات‭ ‬دين،‭ ‬أو‭ ‬سندات‭ ‬مخالصة،‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬متاع‭ ‬منقول،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬بالاحتيال‭ ‬لسلب‭ ‬كل‭ ‬ثروة‭ ‬الغير‭ ‬أو‭ ‬بعضها،‭ ‬إما‭ ‬باستعمال‭ ‬طرق‭ ‬احتيالية‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬إيهام‭ ‬الناس‭ ‬بوجود‭ ‬مشروع‭ ‬كاذب،‭ ‬أو‭ ‬واقعة‭ ‬مزورة،‭ ‬أو‭ ‬إحداث‭ ‬الأمل‭ ‬بحدوث‭ ‬ربح‭ ‬وهمي،‭ ‬أو‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الوظيف‮»‬‭.‬

د‭. ‬إيمان‭ ‬عبد‭ ‬الله‭: ‬للأسف‭ ‬الضحايا‭ ‬شركاء‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬الجريمة

‭  ‬أوضحت‭ ‬الدكتورة‭ ‬إيمان‭ ‬عبدالله،‭ ‬أستاذة‭ ‬الطب‭ ‬النفسي‭ ‬قائلة؛‭ ‬‮«‬أحد‭ ‬الأشخاص‭ ‬أبلغني‭ ‬ذات‭ ‬مرة‭ ‬أنه‭ ‬دفع‭ ‬مبلغا‭ ‬ماليا‭ ‬لآخر‭ ‬كي‭ ‬يوظف‭ ‬ابنه‭ ‬وللأسف‭ ‬تعرض‭ ‬لعملية‭ ‬نصب،‭ ‬وعندما‭ ‬سألته‭ ‬إن‭ ‬تكرر‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬هل‭ ‬كان‭ ‬سيدفع؟،‭ ‬فكانت‭ ‬المفاجأة‭ ‬أنه‭ ‬أجابني‭ ‬بنعم،‭ ‬وقال‭ ‬إنه‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تعيين‭ ‬ابنه‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬آمن‭ ‬مستعد‭ ‬لدفع‭ ‬أي‭ ‬مبلغ،‭ ‬لذلك‭ ‬أقول‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ - ‬تحديدًا‭ - ‬هي‭ ‬التي‭ ‬مهدت‭ ‬الطريق‭ ‬لكثرة‭ ‬هذه‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬عمليات‭ ‬النصب‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬النصب‭ ‬باسم‭ ‬التوظيف‮»‬‭.‬

اضافت‭: ‬‮«‬والحل‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظري‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬الدولة‭ ‬حاليا،‭ ‬كالإعلان‭ ‬عن‭ ‬الوظائف‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬جهات‭ ‬رسمية،‭ ‬واختبارات‭ ‬محددة،‭ ‬واشتراطات‭ ‬موضوعة‭ ‬بكل‭ ‬دقة،‭ ‬مع‭ ‬الاستعانة‭ ‬بالتطور‭ ‬التكنولوجي‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬حتى‭ ‬يمنع‭ ‬التدخل‭ ‬البشري‭ ‬في‭ ‬معايير‭ ‬قبول‭ ‬الأشخاص‭ ‬في‭ ‬الوظائف‭ ‬المختلفة‭ ‬من‭ ‬عدمه،‭ ‬وذلك‭ ‬يضمن‭ ‬العدالة‭ ‬في‭ ‬الاختيار‮»‬‭.‬

اقرأ أيضًا : ضحايا شركة التسويق الشبكي: وعدونا بربح 5 آلاف جنيه أسبوعيًا


 

;