يوميات الأخبار

العلماء.. ليسوا دائما أذكياء؟!

السيد النجار
السيد النجار

يبدو أن قصة نوبل مخترع الديناميت.. كانت عظة لعلماء وخبراء الذكاء الاصطناعى.. وجاءت صحوة ضمير قبل أن يشاركوا فى كارثة هى الأسوأ فى تاريخ البشرية

مات.. تاجر الموت.. خبر نشرته إحدى الصحف عام ١٨٨٨ عن وفاة الفريد نوبل مخترع الديناميت.. أحدث الخبر دويا فى العالم لخسارة عالم كبير.. اتضح أن الخبر لم يكن صحيحا.. وقرأه نوبل مثل الآلاف غيره.. ولكن الدوى الأكبر كان فى نفسه.. كثيرا ما قالوا إن أصدق ما فى الصحف أخبار الموت.. ولكن هكذا كان خطأ الصحيفة.. الكذبة.. التى أيقظت جمال ونبل لحظات الصدق فى حياة نوبل.. حدث نفسه.. هل هذا ما يذكرنى به التاريخ.. تاجر الموت!.. ما كان هذا هدف اختراعى.. وما خطر ذلك على بالى.. لابد من التكفير عن هذه الخطيئة.. وقرر التبرع بنصف ثروته لدعم الأبحاث والاختراعات والأفكار التى تخدم الانسانية.. وفى نفس الوقت كتب وصية سرية.. التبرع بكل أمواله وممتلكاته عند وفاته لإنشاء جائزة لنفس الغرض.. مات بعدها بست سنوات تاركا ثروة طائلة و٧٠ مصنعا للمتفجرات فى ٢٠ دولة.. أصيبت عائلته بصدمة ورفضت تنفيذ الوصية، ولكنها أرغمت على ذلك بعد ٣ سنوت. وكانت جائزة نوبل الأكبر والأشهر والأهم حتى اليوم على مستوى العالم منذ عام ١٩٠١.. وأصبح تاجر الموت هو صانع السلام ورفاهية الانسان.. ولمن نسى من شبابنا كان إسهام مصر العالمى بفوز ثلاثة من أبنائها بالجائزة.. الراحلون العظام، أنور السادات فى السلام ونجيب محفوظ فى الأدب والدكتور أحمد زويل فى العلوم باختراعه النانو تكنولوجى.

مثلما كانت صدمة العائلة بالحرمان من الثروة.. كانت قبلها صدمة نوبل نفسه بانحراف الساسة وتجار الحروب بمسار اختراعه.. هذا الشاب العبقرى اجتهد للوصول إلى اختراع لهدف نبيل.. يسهم فى البناء والتشييد وتفجير الصخور وشق الطرق والأنفاق. هدفه التنمية وراحة الانسان، وليس للقتل والدمار ورعب البشر.. عانى كثيرا للوصول الى اختراعه الديناميت وعمره ٣٤ عاما. أبحاث وتجارب سنوات.. كثيرا منها كان سرا عن أسرته.. وفى إحداها.. انفجر مصنع والده وقتل شقيقه الأصغر فى الحادث. ولكن معاناته الأصعب كانت سنوات عمره وهو يرى اختراعه وقد أصبح أقوى سلاح فتاك فى الحروب والصراعات التى غيرت وجه العالم للأسوأ.

يبدو أن قصة نوبل كانت عظة وعبرة لعلماء وخبراء الذكاء الاصطناعى.. وجاءت صحوة ضمير قبل أن يشاركوا فى كارثة هى الأسوأ فى تاريخ البشرية. بالطبع.. كان الهدف فى البداية علميا نبيلا لاختراع يساعد فى الاستخدامات التكنولوجية والإلكترونية بما ينعكس على تطور حياة الانسان، وراحة البشرية فى أبحاث الطب والهندسة والبرمجة وغيرها كثير.. وفى مقدمتها العمليات الحسابية.. يستطيع إنسان آلى واحد باستخدام الذكاء الاصطناعى أن يقوم بعملية حسابية ١٠٠ ألف ضعف سرعة تنفيذها من البشر مهما كانت مهارته.. وتسابقت المؤسسات والشركات والدول.. سرا وعلنا فى تحقيق تطور مذهل للذكاء الاصطناعى.

انقلب السحر على الساحر.. ويكاد الذكاء الاصطناعى أن يصل إلى حافة الهاوية والقضاء على البشرية.. غريب هذا الإنسان.. يجتهد ويتسارع فى اختراع ما يقضى به على نفسه وقد يكون دمارا شاملا لكوكب الأرض.. هذه ليست خرافة ولكنها الحقيقة. التطور العلمى المذهل جعلنا نتصور الحقائق وكأنها خرافات.. لا نصدق ما نرى ونسمع.. ولا نتوقع حدوثه فى زمن قريب.. مثلما كان حالنا فى عشرات السنين مع أحلام الخيال العلمى.

لماذا الأمر جد خطير.. لأن من يقول هذا أهم وأكبر شخصيات فى عالم الذكاء الاصطناعى.. جيفرى هنتون الأب الروحى لهذا الاختراع وإيلون ماسك صاحب أكبر مؤسسة دولية فى هذا المجال.. ويشاركهما الرأى الكثير من كبار الخبراء والعلماء وفى مقدمتهم الفيلسوف بوفال هرارى أكبر مؤرخى العصر الحديث.. ماذا يقولون.. هو ليس بقول.. وإنما نداء تحذير.. صرخة مدوية.. قالوا.. إنه يعمل حاليا اعتمادا على الإنسان الذى يغذيه بالمعلومات التى يستخدمها. ولكن قريبا سوف يستقل بذاته.. سيفقد الانسان السيطرة عليه.. سيضع البرامج.. ويتخذ القرارات..وينفذها.. آلة سيكون لها الكلمة العليا على البشر.. سيكون أقوى من الأسلحة النووية.. سوف يشل الحياة، ويشعل حروبا.. سيدمر الحضارة الانسانية ستكون لديه القدرة على كسب القلوب والعقول.. وتغيير مفاهيم ومعتقدات.. لن يكون هناك سر فى الحياة.. سيخترق أى شيء.. أكثر المتفائلين قالوا.. إنها حالة من الفوضى.. لا نعرف إلى ماذا تؤدى بنا.. وطالبوا بوقف أبحاث تطوير الذكاء الاجتماعى على الأقل لمدة ٦ شهور.. حتى يفيق العالم ويضع ضوابطه لعملية التطوير بحيث لا تصل إلى مستوى فقدان السيطرة عليه.. مجلة التايم الأمريكية أعدت ملفا خاصا جسدت فيه كل هذه المخاوف القائمة على أسس علمية. واتخذت له عنوانا أكثر رعبا «نهاية البشرية».. حالة الجدل والتحذيرات لاقت صدى لدى قادة العالم.. فقروا عقد قمة فى لندن قبل نهاية العام.. هدفهم وضع حد لذكاء علماء الذكاء الاصطناعى. العلماء أحيانا يخونهم ذكاؤهم.. وكأن مهمتهم الاختراع فقط.. حتى لو كان مدمرا للانسان.. إبداع منهم ان يستخدموا عبقريتهم فى اختراعات لراحة البشر وتطور الحياة.. ولكن ما زاد عن حده انقلب الى ضده.. حتى فى العلم.. مع الذكاء الاصطناعي هم اخترعوا عملاً عظيماً فلماذا لا يتوقفون عند هذا الحد ويحاولون تطويره الى مستوى الخطر على الانسان.. هنا.. هم اخترعوا مشكلة كارثية، ليقف العالم حائرا فى البحث عن حل لها.. ألا ترى أن العلماء ليسوا دائما أذكياء.. نتمنى أن يستوعبوا الدرس من قرار جيفرى هربرت مخترع الذكاء الاصطناعى الذى قدم استقالته من جوجل اعتراضا على تطويره إلى مستوى فقدان السيطرة عليه؟!
خبيئة صحفية

الحديث عن الفريد نوبل، أثار ذكريات مشاركتى فى تغطية الاحتفال السنوى بتوزيع جوائز نوبل عام ٨٨ بالعاصمة السويدية استوكهولم.. شارك وفد صحفى مصرى كبير بمناسبة فوز أديبنا العالمى نجيب محفوظ بجائزة الأدب.. عند الوصول سلمت مؤسسة الجائزة حقيبة لجميع المشاركين من مصر وغيرها.. اعتدنا فى مصر توزيع هذه الحقائب فى المؤتمرات.. خاصة الدولية منها.. وعادة لا تجد فيها سوى «بلوك نوت وقلم».. وأحيانا بعض الكتيبات السياحية.. إذن فالحقيقة وجودها من عدمه.. فى استوكهولم.. تعامل جميع أعضاء الوفد الصحفى بهذا المنطق مع الحقيبة التى استلمناها.. كل حدث نفسه تقريبا.. لا شيء فيها قد يفيد.. وكان هذا من حسن حظى.. تطفلى الصحفى لا يتعامل مع شيء  وكأنه أمر معتاد.. فتحت الحقيبة.. وكانت المفاجأة.. هى خبيئة «بلغة الأثريين»، صحفية.. كنز صحفى.. بها ملفات كاملة بجميع المعلومات وفعاليات وأخبار الحدث وتوزيع الجوائز.. منذ نشأة الجائزة.. وقصتها.. ومن فازوا بها، حتى جميع الكلمات للفائزين وكلمة ملك السويد فى الحفل الرئيسى.. وعلى كل ملف وبيان ملاحظة بالتوقيت المسموح به للنشر.. التزمت بأخلاق المهنة للتوقيتات المحددة.. وأصبح لدى رؤية كاملة لمهمة العمل، وتميز توفر المعلومات لإعداد الرسائل الصحفية وإرسالها لجريدة الأخبار فى الوقت المبكر.. عكفت بغرفة الفندق أنهل من الكنز.. وأذهب لمقر مؤسسة نوبل فى توقيت كل حدث والشغل جاهز على «الفاكس» أولا بأول.. عيون الزملاء حولى تتساءل.. بعضهم سألنى مباشرة.. ماذا ترسل ومتى أعددت هذا الشغل..التزم الصمت مع الابتسامة.. حتى اليوم الأخير كشفت عن سر الكنز الذى تسلمه كل منهم.. بدا الاندهاش عليهم بشوية الاستنكار «منى بالطبع» والاستغراب أنهم لم يتوقعوا أبدا أى معلومات مفيدة بالحقيبة.

 تميزت الأخبار بالتغطية الشاملة والانفرادات الصحفية.. نحن نتحدث عن عام١٩٨٨.. لا نت.. ولا جوجل.. ولا أى مواقع لأى جهة.. محظوظ كل زميل شاب يعيش عصر المعلومة بين أصابعه بضغطة زر.. توفرت المعلومات..رغم ذلك ندرت الهمة والحرص على الجودة.. وسادت ظاهرة مرعبة، بالنقل من المواقع الالكترونية.. بما فيها من معلومة غير صحيحة أو أخبار كاذبة.

الغريب أننا بعد مضى ٣٥ عاما.. لازلنا نوزع حقيبة البلوك نوت والقلم.. وكأن الصحفى يذهب للمؤتمر بدون سلاحه..؟!

أتولدت من جديد

منظمة الصحة العالمية.. أصدرت منذ عامين تصنيفاً جديداً لمراحل عمر الانسان.. من سنة الى سن ٢٤ فترة مراهقة ومن ٢٥ الى ٦٥ شباب.. ومن ٦٦الى ٧٩ متوسط العمر.. ومن ٨٠ الي٩٠ كبار السن.. قرأته بابتسامة ساخرة.. وماذا سيفيد هذا.. ما علاقة تصنيفات المنظمة بواقع حياة كل انسان.. هل سيترتب عليه قوانين عمل.. هل وهل.. تساؤلات كلها لا محل لها.. لأن الخبر نفسه فى غير محله.. لن يقدم ولن يؤخر.. قلت ماشى.. قد يكون التصنيف الجديد باعثا للأمل والتفاؤل بالحياة للعواجيز مثلى.. وإن كان التصنيف يلجأ الى توصيف اكثر لياقة كبار السن.. ظل الخبر لفترة مثار تندر بين الاصدقاء.. لف ودار على وسائل التواصل الاجتماعى، حتى جاءنى على الواتس بعد عامين.. وما استدعى التعليق عليه هو تعقيب كتبه أحد من قرأوا الخبر.. كتب يقول «بصراحة أحسن ما قرأت. وقمت من سريرى بكل نشاط وحيوية واتجهت الى المرآة وابتسمت.. ولم أعد أحس بكسل ولا دوخة.. والحمدلله.. أين كانت منظمة الصحة من زمان».. هنا.. ضحكت.. أخينا كان ينتظر شهادة رسمية دولية أن صحته بمب ومزاجه زى الفل.

ليس المهم توصيف الأعمار.. ولكن الأهم الاحساس بالسعادة فى الحياة.. انسى عمرك.. وبصراحة كان لدى كلام كثير لأخينا صاحب البوست، ولكنى خشيت أن أسرق فرحته بعمره الجديد؟!

همس النفس

علاقتى مع الناس كأوراق الشجر.. من يبقى يثمر ومن يسقط لا يعود.

برغبته رحل.. وبرغبتى لن يعود

غالبا النصيحة التى تكره سماعها.. هى النصيحة التى تحتاجها.

«برنارد شو»