أبواب مطابخ الخير مفتوحة دائمًا في مصر

صورة موضوعية
صورة موضوعية

■ كتبت: مروة أنور

كانت مصر وطوال تاريخها الملجأ لمن يحتاجها، خصوصا فى فترات الحروب والمجاعات عندما لم يجد العالم كله إلا مصر المليئة بالخير والبركة، وهو ما قاله ملك مصر العظيم أمنمحات الثاني: «لا تحرموا جائعًا من خير كيمت»، ولا يزال الخير وفعل الخير موجودا فى مصر حتى الآن، وهو ما تجده فى كل حى وشارع وزقاق بشوارع المحروسة.

أردنا أن نرصد نشاط فعل الخير في مصر، فتجولنا بعدسة «آخرساعة» فى عدد من الأماكن، والبداية كانت من داخل «مطبخ الخير» لصاحبته «الست رجاء» الذى يعمل طوال العام لإطعام المحتاجين والمرضى، فلا تغلق أبوابها أمام من يقصدها سواء كان لطلب الطعام أو مساعدة الأسر غير القادرة فى تجهيز العرائس للزواج، وكذلك الأمر بالنسبة للشباب، ففى حى الوراق بمحافظة الجيزة تقيم الست رجاء  داخل منزل العائلة وتخصص شقة لفعل الخير. وقالت: مطبخ الخير وُلد من رحم حملة «مجانين في الخير»، التى أطلقها مجموعة من طلاب المدارس الإعدادى والثانوي، وكانت تقودها ابنتى نور، إلى أن تطورت الفكرة لمساعدة المحتاجين عن طريق مطبخ الخير اليومى الذى يقدم وجبات جاهزة للمحتاجين والمرضى والأيتام، بواقع 500 وجبة يتم توزيعها يوميا.

◄ مطبخ رجاء
وتروى رجاء حكايتها: أنا من وراق العرب بمحافظة الجيزة، تزوجت فى حى وراق الحضر، ومنذ طفولتى أنا وأشقائى نقوم بجمع الأموال من الأهل والأصدقاء ونحضر بعض الأطعمة والملابس فى الأعياد والمناسبات ونجمعها فى شنط ونوزعها فى المدارس وبين الجيران في سرية تامة، وعندما تزوجت كنت أمارس العمل التطوعى فى تحضير الوجبات داخل مطبخ الوراق الرئيسى بمحافظة الجيزة، وكنت أصطحب معى ابنتى نور التى ورثت عنى حب العمل التطوعى، ثم أصابنى المرض وأصبحت غير قادرة على الذهاب يومياً إلى الخدمة فى المطبخ، واقتصر مجهودى على مساعدة طلبة المدارس فى حملة «مجانين فى الخير»، وكانت تقودها ابنتى، وقامت بتخصيص شقة فى منزل العائلة لإعداد الطعام وتحضير الشنط بها وأطلقوا عليها «شقة الخير»، وعندما توقفت هذه الحملة لانشغال بعض القائمين عليها، هنا جاءت الفكرة وتحولت شقة الخير إلى «مطبخ رجاء  الخيرى».

وتوضح أنها تحصل على الدعم المالى من أهل الخير، فرغم الظروف الاقتصادية التى تمر بها البلاد فإن مساعدات أهل الخير لم تتوقف، هناك من يتبرع بخروف وآخر بعجل، وهناك مساعدات تأتى من أصحاب محلات الجزارة والدجاج، وأحيانا تقتصر المساعدات على ما يتم الحصول عليه من الأقارب والجيران والأهل فقط.

وتضيف: لدينا جدول أسبوعى لسُفرة أهل الخير، وأطهو الأكل للناس بالسمن البلدى، فهناك يوم للطبيخ ويوم للمشاوى والكفتة والأرز البسمتى، ويوم للدجاج المشوى، ويوم للكبدة والمكرونة، ويوم محشى وملوخية، ويوم ممبار وفتة، ونقدم مع الوجبة عصائر، وعمومًا أقوم بتحضير الخضراوات واللحوم من اليوم الذى يسبقه، وأبدأ بإعداد الطعام فى الساعة التاسعة صباحاً برفقة بناتى الأربع فهن فريق عمل «الست رجاء». 

وتلتقط منها طرف الحديث ابنتها نور: حملة «مجانين فى الخير» كانت تضم طلاب المدارس الإعدادية والثانوية، ثم استمر العمل بالفكرة إلى أن ذهبنا إلى الجامعة، وكان مقر العمل فى شقة صغيرة بمنزل والدى، وفى البداية اقتصر الدعم المادى على الأسرة بحيث يقوم كل عضو فى الحملة بجمع ما يستطيع من تبرعات بداية من الأسرة ثم الأقارب، وعندما توسعت الفكرة بدأ الدعم المادى يأتى إلينا بدلاً من أن نذهب إليه من خلال الجيران والمعارف وأصحاب المحلات وغيرهم من فاعلى الخير. 

وتشير نور إلى أن إعداد شنط الخير لا يتم بشكل عشوائى، بل إنه قائم على البحث والدراسة للحالات التى تستحق وتجهيز قوائم بها، وأخيراً تجهيز المواد الغذائية والمشروبات وتجهيز شنط الوجبات وإرسالها فى سرية تامة ودون علمهم عن طريق وضعها أمام المنزل ودق جرس الباب لعدم جرح مشاعرهم، بالإضافة إلى تجهيز قائمة بالطلاب الذين لا يستطيعون سداد المصروفات المدرسية والتسديد لهم فى سرية تامة، وبالنهاية تناشد نور طلبة المدارس والجامعات بجميع محافظات مصر محاكاة فكرة «مجانين فى الخير» وتقديم المساعدات لهم. 

◄ شيف الغلابة
وأمام مطبخ «الست رجاء» تلاحظ دراجات نارية تحمل لافتات شيف الغلابة هادى، حيث تتوقف أمام محلاته  بشارع عشرة بمنطقة الوراق، وعندما التقينا به قال: جئت من محافظة الفيوم وأقيم فى الوراق منذ 25 عاما، وبدأت العمل فى الخير منذ 2016 وأطلق علىّ الناس «شيف الغلابة»، وكل من معه 10 جنيهات يمكن أن يتناول الطعام عندنا، وحتى إذا لم يكن لديه أى شيء سيأكل. وأعتمد فى تجهيز الوجبات للأسر المحتاجه على الدعم الذاتى، وأحيانا يقدم بعض ميسوري الحال دعما، والسنوات السابقة كان صندوق تحيا مصر يدعم جميع مطابخ الحى، وهناك حوالى 200 وجبة مشويات تخرج يوميا للغلابة، من كبار السن والمحتاجين، وإذا دخل شخص المطعم وأراد أن يدفع مقابل نأخذ منه 15 جنيها فقط، والوجبة تشمل ربع كيلو كفتة وأرز بسمتى وطحينة وخبزًا.

◄ اقرأ أيضًا | خواطر الإمام الشعراوي .. واذكروا الله فى أيام معدودات

◄ عابدين باب رزق
وما إن تنتقل إلى حى عابدين حتى تجد أهل الخير متواجدين بكل شارع هناك ليعلنوا توفير المساعدات للأهالى، وليس على مستوى الطعام فقط بل يمتد الأمر إلى ما هو أكثر من ذلك. يقول عمرو متولى صاحب فكرة مشروع «عابدين باب رزق»: الفكرة جاءتنى من وحى فكرة «ثلاجة الخير» التى كانت تقوم على وضع ثلاجة فى كل منطقة ويكون هناك شخص مسئول عنها لتوفير الطعام للأسر المحتاجة، وتقوم فكرتى على التبرع بالطعام والشراب من العائلات الكبيرة بحى عابدين.

ويتابع عمرو: بمرور الوقت تطورت الفكرة لتشمل جميع المساعدات الأخرى مثل تجهيز العرائس وتوفير الملابس فى الأعياد للأسر المحتاجة من أهالى الحى، بخلاف توفير العمل لكبار السن والشباب، وتوصيل المياه للبيوت المحتاجة وإعمار أسقف عابدين المتضررة من مياه الأمطار، وفى فصل الشتاء الماضى قمنا بإعمار 40 سطحا وتوفير الأدوات المكتبية لطلبة المدارس بالمجان، ويتم توزيع هذه المساعدات على أساس بحث اجتماعى قامت به مجموعة من الشباب القائمين على الحملة وتم عمل قوائم بالأسماء التى تستحق الدعم.

ورصدنا فكرة مماثلة لتقديم الطعام بالمجان للمحتاجين عند الباب الخلفى لمسجد الفتح بمنطقة رمسيس، وهذا المكان يتبع إحدى المؤسسات الخيرية التى تقدم سفرة طوال العام للمحتاجين والمغتربين، خاصة أن المسجد يقع قرب محطة السكك الحديدية ويقصده العديد من المسافرين. 

رفعت محمد أحد القائمين على الخدمة بالمطبخ قال: إعداد الطعام داخل مطبخ الخير مستمر طوال العام ويتم تجهيز 3500 وجبة يوميا، وفى شهر رمضان يتضاعف عدد الوجبات، كما أن المطبخ يقدم وجبتين طوال العام (إفطار وغداء)، وينتهى عمله فى الأيام العادية الساعة الخامسة مساءً.