روسيا وأفريقيا.. تعاون «اقتصـادي ـ إنساني»

30 جلسة نقاشية وفعاليات حول أهم قضايا التعاون بقمة سانت بطرسبورج

السيسى وبوتين فى قمة سابقة
السيسى وبوتين فى قمة سابقة

تنطلق فى الفترة من 27 إلى 28 يوليو الجارى، بمدينة سانت بطرسبورج الروسية، فعاليات القمة الثانية بين روسيا وأفريقيا، تحت عنوان «التعاون الاقتصادى والإنسانى بين روسيا وأفريقيا»، ذلك بعد أن عُقدت القمة السابقة فى الفترة من 23 إلى 24 أكتوبر 2019 تحت عنوان «من أجل السلام والأمن والتنمية»، وتأتى الدورة الثانية من القمة فى ظل ظروف صعبة للغاية للجانبين «روسيا وأفريقيا»، وأيضًا العالم أجمع.

برنامج القمة يتضمن أكثر من 30 جلسة نقاشية وفعاليات حول أهم قضايا التعاون بين روسيا والدول الأفريقية والتى ترتكز على محاور رئيسية وهى محور الاقتصاد العالمى الجديد والذى يتناول مجالات الاقتصاد والتجارة والزراعة والعلوم والتكنولوجيا والطاقة النووية والفضاء، والمحور الاجتماعى والإنسانى لحياة أفضل والذى يتناول التعاون فى مجال التعليم العالى ونقل أفضل الخبرات التعليمية فى مجال التعليم عن بعد والتعليم المهنى ودور المرأة فى التنمية المستدامة والتقدم الاجتماعى ودور الرياضة فى الصداقة بين روسيا وأفريقيا.

■ جانب من قمة روسيا وأفريقيا الأولى

◄ التعاون الإنساني
كما تتضمن الفعاليات، عقد المنتدى الإعلامى ومؤتمر عمداء الجامعات ومائدة مستديرة وفعاليات فى إطار برنامج الشباب وجلسات من منتدى الأعمال الإبداعية ومنتدى المجتمع الصحي، وأن جلسات القمة الثانية للمنتدى ستتطرق لتأثير التهديدات التى يتعرض لها الأمن العالمى على القارة الأفريقية من النزاعات العسكرية التقليدية ونقص الغذاء وأزمات الطاقة والهجرة غير المنظمة إلى النشاط الإرهابى الإجرامي، ويناقش محور الاقتصاد العالمى الجديد آفاق تعزيز الأعمال التجارية فى أفريقيا لرجال الأعمال الروس ودراسة مخاطر وظروف السوق والفرص المتاحة فى ضوء النمو السريع لأفريقيا، التى تبرز كمنطقة تحمل الآمال لحدوث انتعاش اقتصادى عالمي، وأن الشركات الروسية تنفذ بالفعل عددا كبيرا من المشروعات الرائدة التى تسهم فى التنمية المستدامة للمنطقة الأفريقية.

ويبلغ نصيب روسيا فى التجارة الخارجية مع الدول الأفريقية ما يزيد قليلا عن 2% مما لا يعكس الإمكانيات الكاملة للتعاون الثنائي، حيث إن القمة ستبحث آفاق زيادة التجارة الثنائية فى ضوء التحديات الجديدة التى ظهرت فى أعقاب وباء كورونا، حيث إن المنتدى سيناقش المعايير الجديدة للشراكة بين الشركات الصغيرة الروسية والأفريقية والتعاون متبادل المنفعة التى يمكن أن تصبح مصدرا للدخل وأسواقا جديدة للسلع والخدمات، فضلا عن المساهمة فى تنمية الاقتصاد الأفريقى وخلق فرص عمل جديدة وتحسين مستوى المعيشة لسكان القارة.

◄ اقرأ أيضًا | بوتين يؤكد أهمية تعزيز التعاون مع الدول الافريقية في كافة المجالات

محور التعاون الإنسانى سيناقش تعزيز التعاون فى مجال التعليم العالى بين روسيا والدول الأفريقية ومشاركة الجامعات الروسية الرائدة فى مشروعات تعليمية مشتركة، وكذلك الاهتمام بدعم التعليم المهنى وتنفيذ مبادرات فى مجال التعليم وجذب الطلاب للدراسة فى الجامعات الروسية فضلا عن فرص التعاون فى مجالى الثقافة والفنون ودعم الروابط الثقافية بين روسيا والدول الأفريقية، ودور الصناعات الإبداعية كمحرك مهم للنمو، كما سيسلط المنتدى الضوء على دور المرأة فى روسيا وأفريقيا من أجل التنمية المستدامة والتقدم الاجتماعى وتنفيذ الرؤية الحالية للتنمية فى أفريقيا وأجندة 2063 للاتحاد الأفريقي، خاصة أن التنمية فى أفريقيا ستعتمد فى الخمسين عاما المقبلة على تمكين المرأة وأن المرأة فى روسيا وأفريقيا تلعب دورا نشطا فى مجال الأعمال. 

السفير محمد عبد الغفار، رئيس المجلس الاقتصادى الأفريقى، أشار إلى أن أهمية القمة تنبع من أنها ثانى قمة على الإطلاق تجمع روسيا بالقارة الأفريقية بعد فترة جمود فى العلاقات وتراجع بين روسيا وأفريقيا منذ انهيار الاتحاد السوفيتى، مُضيفًا أن هناك أرضية موروثة منذ الاتحاد السوفيتى سواء من صناعات أقامها الاتحاد السوفيتى أو كوادر تخرجت من جامعاته أو الناطقين باللغة الروسية فى هذه الدول، كما أشار إلى أن هذه القمة هى محاولة لاستعادة التواصل على أسس تحقق المنفعة المتبادلة للطرفين المتفق عليها، فى القمة الأولى سواء على المستوى الاقتصادى، وهو ملف رئيسى ضمن محاور محاولة تفعيل العلاقات بجانب التعليم والثقافة والبحث العلمى، متابعا أن القمة، حدث فريد، فحجم المشاركة يعكس حجم الاهتمام من الجانبين، وأن ضمن هذه الرؤية تفعيل الدور المحورى للتجمعات الاقتصادية الأفريقية، وهى 8 تجمعات، معترف بها فى الاتحاد الأفريقى فى أنحاء القارة شرقها وغربها وجنوبها وشمالها، ووسط القارة أيضا.

◄ دور قريب
وأوضح أن هذه التجمعات، تلعب دورا قريبا للمواطنين فى القارة الأفريقية، ولها دور اقتصادى وفى بعض الحالات دور أمنى كما نجد فى منطقة غرب أفريقيا، موضحاً أن القمة ستشمل اهتماماً وتركيزا على الاستفادة من الطاقات الكامنة فى القارة الأفريقية خلال الفترة المقبلة، كما أشار إلى أهمية النظر لهذه الشراكات، انطلاقا من حيث أصبحت هناك رؤية إقليمية ودولية للدور المصرى لقارة أفريقيا، وروسيا تتحدث بشكل صريح حول أن مصر هى بوابة أفريقيا لهذه الدول، وهو ما يؤكد أن السياسة الخارجية لمصر، نجحت بشكل كبير فى استثمار علاقات مصر الإقليمية والدولية لصالح هذا الأمر، وكان واضحا عند رئاسة لمصر للاتحاد الأفريقى فى المشاركة فى العديد من المنتديات الإقليمية الكبرى، مثل مشاركة مصر، ممثلة عن أفريقيا فى مجموعة الدول الـ7 بباريس، واجتماعات التيكاد فى اليابان وقمة أوروبا - أفريقيا فى ألمانيا، وقمة الصين وأفريقيا.

وذكر تقرير لنادى «فالداي» عن التعاون بين روسيا وأفريقيا، أن موسكو بحاجة «لاستراتيجية ذكية فى أفريقيا» مع خارطة طريق فعالة، نظرًا لتزايد المنافسة على النفوذ فى هذه القارة، وأشار مؤلفو التقرير إلى أن المستوى الفعلى للمنافسة العالمية حول أفريقيا بات ملحوظا فى الوقت الحالى لدرجة أنه من المستحيل عدم أخذ ذلك فى الاعتبار، وشددوا على أن خصوم روسيا الجيوسياسيين وضعوا عقبات أمام التعاون الروسي الأفريقي.

أضاف خبراء النادي، أنه فى ضوء ما يشهده العالم، تحتاج روسيا إلى استراتيجية أفريقية ذكية وتنافسية فضلا عن خارطة طريق عملية لتنفيذها، وحذر الخبراء من التصريحات الصاخبة غير المدعومة ودعوا إلى استخدام تدابير مستهدفة، يجب تنفيذ العمل على المسار الروسى الأفريقى بطريقة شاملة، والحاجة إلى مثل هذه المشروعات والأدوات التى من شأنها أن توفر مكاسب جدية للسمعة وتسمح بتحديد المجالات التى يمكن لروسيا أن توفر فيها أقصى قدر من المساعدة لتنمية أفريقيا، وفى نفس الوقت تتحقق كشريك كامل الأهلية وعالى الكفاءة، وأوضحوا أن روسيا تاريخيا لم يكن لديها عداء أو مواجهة مع الدول الأفريقية، كما أن التجربة الناجحة فى النضال من أجل إنهاء الاستعمار فى القارة والمساعدة فى استقلال الدول الأفريقية تمنح روسيا الثقة الكبيرة، ويمكن ذلك أن تصبح أساسا لمزيد من العمل والتعاون بين روسيا والدول الأفريقية.

◄ كفاءات عالية
وتتمتع روسيا بكفاءات عالية فى المجالات الأكثر طلبا فى أفريقيا وهى المجمع الصناعى العسكري، والدفاع والأمن، والتقنيات العالية، والاستكشاف الجيولوجي، والطاقة بما فى ذلك الطاقة النووية، ومعدات الصناعة التحويلية وغيرها، وأكد التقرير جهود روسيا لضمان الأمن الغذائى للقارة السمراء، التى تحتاج إلى روسيا كرادع فى ميزان القوى العالمى وكمصدر للتنمية وفرصة للتخلى عن الاعتماد على الغرب فى المواد الخام، وكمصدر للأمن والاستقرار فى مكافحة التهديدات الإرهابية.

وقال التقرير، إن تعاون روسيا مع أفريقيا ضرورى لحل المشكلات الاقتصادية التى نشأت نتيجة نظام العقوبات الغربية، وكذلك لتنفيذ خطط لتشكيل تحالفات بديلة كجزء من الاستراتيجية الشاملة لتشكيل عالم متعدد الأقطاب، وأشار التقرير إلى أن مجالات التعاون الواعدة بين روسيا والدول الأفريقية فى البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات، والاتصالات السلكية واللاسلكية، والتقنيات العالية، والرعاية الصحية، والزراعة، وقطاع الطاقة.

◄ الاحترام المتبادل
الدكتور أسامة الهادى، الباحث فى الشئون والعلاقات الدولية، أوضح أن روسيا أصرت على عقد القمة فى هذا التوقيت لتثبت للجميع أن عودتها لأفريقيا قرار مصيري، وأن منطلقاتها فى العودة تختلف عن بقية القوى الدولية الساعية لتعزيز تواجدها فى القارة، وهذه المنطلقات تنحصر فى توسيع وتعزيز التعاون مع كافة دول القارة على أساس الاحترام المتبادل والندية، لافتًا إلى أن القارة الأفريقية وروسيا يدخلان عهدا جديدا من التقارب والتعاون بينهما، ونجد أن مصر تقدم المثال والقدوة فى ريادة فتح الباب أمام روسيا للدخول بقوة مرة أخرى إلى أفريقيا، وذلك من خلال العديد من المشروعات العملاقة وعلى رأسها مشروع محطة الضبعة، والمنطقة الصناعية بقناة السويس، وتوطين الكثير من الصناعات والمنتجات الروسية فى مصر، وتحديث السكك الحديدية ومشروعات الفضاء والطاقة والبحث العلمي.

أضاف، أن انعقاد القمة يأتى وسط ظرف عالمى معقد ودقيق، فقد ألقت الأزمة الروسية - الأوكرانية بظلالها على الدول الأفريقية، ويتمثل التأثير الأكثر وضوحًا للأزمة على أفريقيا، فى ارتفاع أسعار الوقود والغذاء والتضخم وعدم الاستقرار المالى، مع تعرض  الملايين من الأفارقة لحالات من انعدام الأمن الغذائى الحاد، حيث كان الأفارقة الأكثر فقرًا هم الأكثر تضررًا، حيث إن المواد الغذائية تستحوذ على 42% من استهلاك الأسر الأفريقية، وتصل تلك النسبة إلى 60% فى البلدان المتضررة من النزاعات وانعدام الأمن، كما أن انعدام الأمن الغذائى سيكون له تأثير سلبى، على جميع جوانب الحياة للمواطنين الأفارقة من الدخل إلى الصحة والتعليم.

◄ تجاذبات سياسية
ويقول الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، إنه بالتأكيد هناك تجاذبات بشأن القمة الأفريقية الروسية، وهناك ضغوطات أمريكية هائلة على عدد من الدول الأفريقية لمنع حضورها ومشاركتها، مضيفًا أن ما سيتم الاتفاق عليه من مشروعات أو استثمارات ستكون محل تجاذب أمريكى فى تطبيق قانون العقوبات الاقتصادية على الدول الأفريقية، معتقدا أن أفريقيا لن تتحمل ولن تدخل فى عملية التجاذب الراهن بين الولايات المتحدة وبين روسيا من جانب والصين من جانب آخر، وسيكون هناك حضور أفريقى كبير، تأكيدا على وجود سياسات مباشرة فى هذا الإطار مع الجانب الروسي.

وأشار فهمي، إلى أن القمة الأفريقية الروسية ستنجح بلا شك، ولكن تطبيق جدول الأعمال والاتفاق على المشروعات سيكون محل تجاذب كبير، وسيطغى البعد السياسى على البعد الاقتصادى بالقمة، مضيفًا أن الأفارقة بذلوا العديد من الجهود لحل الأزمة الروسية الأوكرانية من خلال الاتصالات واللقاءات على الجانبين، ولكن الأزمة مُعقدة وهى أكبر من منظمات ودول إقليمية، وهناك بالفعل العديد من الدول العربية تدخلت لحل تلك الأزمة، وعن العلاقات المصرية الروسية، قال إنها جيدة وتمضى فى إطارها، ومصر تتجاوب مع جميع العلاقات لجميع الدول المجاورة، وعلاقات جيدة وتبنى على مصالح مشتركة وفوائد متبادلة.