حديث الأسبوع

حينما نقبل بالأزمة وضعا طبيعيا جديدا

عبدالله البقالى
عبدالله البقالى

بينما يراكم المجتمع الدولي، بمنظماته الأممية وغيرها من باقى تشكيلات التنظيمات العالمية، القرارات والتوصيات المتعلقة بالتصدى لأسباب التغير المناخى، والحد من تداعياته السلبية الكثيرة والمتعددة على الأرض وعلى الغذاء وعلى المياه وعلى الإنسان نفسه.

وبينما تتكاثر المؤتمرات الدولية والملتقيات العالمية التى تخصص لبحث سبل التوصل إلى سياسة فعالة لكبح جماح هذه الظاهرة الخطيرة، ويعلن عن برامج كبرى وعظمى فى هذا الشأن، ويتم الكشف عن مبالغ مالية هائلة لتحقيق ذلك الهدف، فى نفس الوقت الذى تزداد الآثار السلبية لهذا التغير خطورة وتهديدا لمستقبل البشرية جمعاء.

بما يعنى وجود فجوة كبيرة جدا بين الأهداف المعلنة والمتوخى تحقيقها من وراء هذا الركام الهائل من القرارات والتوصيات، وبين واقع الحال، الذى يؤكد أن تداعيات التغير المناخى تزداد استفحالا. والأخطر من ذلك أن مؤشر وتيرة هذه الزيادة يتجه نحو الصعود وإلى السرعة أكثر .

ولنا أن نستدل فى شأن هذا التفاوت بين ما هو معلن من شعارات و ما هو سائد وواقع من استفحال وتعاظم الأخطار المترتبة عن التغير المناخى.

وهكذا يمكن أن نشير إلى أنه فى هذه السنة ما إن بدأ موسم الصيف فى أكثر من نصف الكرة الأرضية، حتى دخلت قضية التغير المناخى إحدى أهم و أخطر مراحلها، وشرعت تجلياته فى الظهور، حيث تواجه العديد من مناطق المعمورة موجة حرارة تكاد تكون غير مسبوقة فى تاريخ الكون، برأى الخبراء المتخصصين .

وهكذا تفيد المعطيات المرتبطة بأحوال المناخ فى مساحات شاسعة من المعمور، أنه فى الولايات المتحدة الأمريكية وحدها هناك 100 مليون شخص يواجهون خطر الارتفاع المهول فى درجة الحرارة، والتى يرجح الخبراء أن تصل إلى 54 درجة فى صحراء كاليفورنيا.

وأنه فى كندا التى عرفت وتميزت بالجو البارد والمعتدل وبقربها من المناطق المتجمدة، أن النيران التهمت لحد الآن عشرة ملايين هكتار من النباتات، و أن 571 هكتارا منها فتكت بها حرائق لم يعد متحكما فيها .فى حين تجاوزت الحرارة فى شمال المكسيك 50 درجة، و أن درجات الحرارة فى إيرلندا و بريطانيا وصلت إلى مستويات غير مسبوقة.

وكشفت صحيفة (لوموند) الفرنسية فى عددها ليوم 17 يوليو الجارى عن مضمون دراسة، أكدت أن ارتفاع درجات الحرارة كان سببا مباشرا وغير مباشر فى وفاة 62 ألف شخص فى القارة الأوروبية لوحدها خلال سنة 2022 .

وحسب الوكالة الفضائية الأوروبية فإن درجات الحرارة المرتفعة المسجلة هذه السنة فى القارة العجوز لم يسبق أن سجلت فى السابق، فى حين كشفت وكالات أوروبية متخصصة فى المناخ ووكالة (ناسا) الأمريكية حديثا أن شهر يونيو الماضى، كان الأكثر سخونة مقارنة مع نفس الشهر من السنوات الماضية. ومن جهتها قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، إن موجة الحرارة التى تجتاح العديد من مناطق العالم ستستمر لأسابيع أخرى .

فى ضوء هذه المعطيات المستجدة التى تؤكد أن قضية التغير المناخى دخلت منعرجا حاسما وخطيرا لم يعد ممكنا مواجهتها بالشعارات وبالمزايدات وبالمغالطات، ولم يعد الخبراء فى المناخ يخفون قلقهم من انتقال أزمة المناخ إلى مرحلة الانفلات من السيطرة، ولم تتردد المنظمة العالمية للأرصاد الجوية فى القول إن «الارتفاع المهول فى درجات الحرارة أصبح وضعا طبيعيا جديدا .» 

فى مقابل هذه التطورات المخيفة التى تؤكد أن قضية التغير المناخى وصلت مرحلة الأزمة التى ستخلف تداعيات خطيرة جدا على حياة ملايير البشر فوق الكرة الأرضية. فالارتفاع المسجل فى درجات الحرارة سيلقى بظلاله على المحاصيل الزراعية، بما يعنى انخفاضا كبيرا فى الإنتاج الغذائى فى العالم، كما ستتضرر الأراضى الفلاحية والرعوية من التصحر.

كما سيتسبب هذا الارتفاع فى تقلص كبير جدا فى منسوب المياه الجوفية والسطحية، وسيقود كل ذلك وغيره كثير إلى ارتفاع معدلات الهجرة من القرى والأرياف نحو هوامش المدن، مما ستكون له تداعيات إضافية حيث سيتعاظم الضغط على الخدمات الاجتماعية، التى تعرف نقصا فادحا فى الكثير من مناطق العالم. مقابل كل هذا الذى يحدث تبقى القرارات والتوصيات التى قيل فى السابق إن المجتمع الدولى اتفق عليها ، فى الرفوف لا ينتبه اليها أحد.

وتبقى الشعارات الكبيرة والرنانة التى أثقلت كثير من الأوساط مسامعنا بها مجرد كلمات وجمل خطت بحبر جف بسرعة فائقة، وتبقى الوعود التى التزمت القوى العظمى بتنفيذها، وأعلنت فى سبيل ذلك عن التطوع بملايين الدولارات مجرد كلام ليل محاه الصباح .

لذلك فإن أزمة التغير المناخى المتسم حاليا بارتفاع مهمول فى درجات الحرارة فوق الكرة الأرضية، بقدر ما هى أزمة إنسانية ناتجة عن عوامل تسببت فيها الأنشطة التجارية والصناعية للقوى الاقتصادية العظمى، فإنها أزمة أخلاقية أيضا تفضح نفاق الدول العظمى وتكشف عن توارى القيم الجماعية المشتركة فى التضامن فى مواجهة التحديات و الأزمات.

> نقيب الصحافيين المغاربة