..فى زمن السوشيال ميديا واللجان الإلكترونية والديب فيك وبوستات وتويتات السداح مداح والمعلومات الزائفة يصبح المخادعون والمخدوعون ولامانع أيضا من انضمام الجهلاء كمتلقين صناع لتاريخ ملفق بكل سهولة وهم جالسين فى غرف مغلقة مع أنفسهم أو أمام الطاولات فى الكافيهات.
يتحول التاريخ وحقائقه إلى مجرد "بوستات " أو"تويتات " تختلق حدثًا لم يقع أو تحذف حدثًا وقع بالفعل، وفى استخفاف يولده الجهل يتحول كفاح البشر من أجل العدالة ونضالهم الوطنى ضد الطغيان إلى كومكس أومادة للسخرية يعرضها فيديو قصير على يوتيوب.
يرحل المناضلون من ساحة التاريخ وتتوارى سير الزعماء الوطنيين فى حزن داخل أوراق قديمة ليحتل مكانهم صناع المحتوى واليوتيوبر وكل من يملك "سمارت فون " وبدلا من المعارك من أجل الوطن ودفاعًا عن تاريخه وتأكيد التضحيات التى قدمها الملايين لبناء أمتهم، تصبح المعارك من أجل اللايك و الاسكرايب والشير وجمع الملايين من الفلورز أو المتابعين لتتحول دقائق المشاهدات وضغطات الأصبع على الموبايلات إلى دولارات لأنها الغرض الأول والأخير من وراء هذا الخداع .
تظن أن هذا العبث السوشيالى سيمر وتبقى الحقيقة لكن الحقيقة الأخرى أن وراء هذا العبث والسيرك المعلوماتى الزائف تنظيم دقيق يحمى ويساعد المخادعين والمخدوعين ليستمروا فى صناعة الزيف بوعى أو عن غير وعى ودائمًا ما يحدد مديرو التنظيم للمخادعين ومن ورائهم المخدوعين أجندة العمل لايشترط هنا أن يتولى المديرون فى كل صباح الاتصال بالمخادعين وإعطائهم تعليمات اليوم أو الأسبوع والشهر ليسيطروا على المخدوعين.
اللعبة أبسط من هذا وتستخدم منذ آلاف السنين ورغم كل ثورات التكنولوجيا فالفضل فى وضع قواعد اللعبة وابتكارها يعود إلى عالم الحيوان أنها سياسة القطيع، يكفى إشارة من مخادع واحد بعد تلقى الأمر وعن طريق كذبة، شائعة، بوست ساخن، تويتة ملتوية، فيديو ملفق يندفع القطيع السوشيالى وراء الأكاذيب والزيف دون إعمال اى درجة من درجات العقل.
بالتأكيد هناك عشرات من الأهداف على أجندة المنظمين والتنظيم ويعمل المخادعون على تنفيذها لكن تبقى هناك أهداف ثابتة لا يحيدون عنها لأنها تمثل لهذه العصابة خطرًا رئيسيًا على وجودهم وفى كل ساعة ويوم تحاك الأكاذيب والتلفيقات فى عمل إجرامى دقيق وللأسف يبتلع المخدوعون هذه السموم فى بلاهة محدقين فى شاشات الموبايلات ببلادة قصوى دون أى بحث أو تدقيق فيما يتسلل إلى عقولهم.
قبل أن تسأل عن أهداف العصابة يجب أن تعرف من هم عناصر العصابة التى يعمل فى خدمتها المخادعون ؟إنهم عملاء الاستعمار والاستعمار نفسه، السماسرة، كارهى هذا البلد الطيب، الفاشيست الاخوانجية، من تظنهم أصدقاء لهذا الوطن و يتحدثون معه بالعربية صباحًا وفى المساء هم سدنة وحماة العبرية، من يرون فى عراقة وتاريخ وحضارة الأمة المصرية عقدة نفسية تسيطر عليهم وتمنع عنهم النوم .
أما أهداف العصابة فهى متعددة ولكن هناك هدفًا رئيسيًا لا تحيد عنه هذه العصابة أنه ثورة 23 يوليو وزعيمها جمال عبد الناصر، هذه الثورة التى من يومها الأول أرقت كل العصابات والمستعمرين والمستغلين والمتاجرين فى دماء الشعوب، أما عبد الناصر فهو العدو الأول لعصابة الافك ، لأنه المواطن المصرى المعتز بكرامة بلده الرافض بشراسة أن تكون مقدرات هذا الوطن فى يد غريب مستغل ،لايخشى أن يخوض المعارك ويقاتل لأجل استعادة حقوق البسطاء من أيدى الطغاة ،لأنه عرى وفضح الفاشيست المتاجرين بالدين وكشف عمالتهم للاستعمار الذى صنعهم، بالتأكيد سيكرهه مستغلو الداخل ومستغلو الخارج الذين يريدون استنزاف موارد البشر المستضعفين ،لأن عبد الناصر حرر الفلاح والعامل والمرأة من الإقطاع والسخرة والرجعية داخليًا وانطلق خارجيًا بثورة يوليو ليحرر الجنوب وكل المستضعفين من استغلال الاستعمار وهيمنة الامبراطوريات .
لكل هذه الأسباب أصبحت مبادئ يوليو والروح الوطنية لجمال عبد الناصر خطرًا وجوديًا على هذه العصابات لأن السير على طريق يوليو وفعل عبد الناصر يعنى الوعى بالحقوق والقتال من أجلها، تفضيل الكرامة على لقمة عيش مغموسة فى الذل والإهانة، الحياة فى وطن حر لايعرف إملاءات الخارج أو انتظار أوامر عواصم الغرب والشرق، ألاتعنى الهزيمة فى معركة الاستسلام لشروط الواقع الصعب بل هى لحظة ترتيب أوراق وإعادة مراجعة التجربة والاعتراف بالخطأ دون غرور ثم تحقيق الانتصار بأيدى أبناء هذا الوطن المؤمنين بجدارة هذه الأمة وحتمية دورها الحضارى المؤثر فى الإنسانية .
تشن هذه العصابات فى كل دقيقة وساعة ويوم حربًا لا تنتهى وممولة بملايين الدولارات على يوليو وعبد الناصر الذى تؤرقهم سيرته فى نومهم ويقظتهم ، يدركون أنه رحل جسدًا ولكن فى كل لحظة فارقة ومواجهة تخوضها هذه الأمة يجدون الملايين من البسطاء الذين عاش من أجلهم تلتف حول روحه وصورته تلك الصورة التى تحفظ ملامح وجهه المصرى الأصيل ونظرات عينيه المتحدية للظلم المشحونة بكبرياء الوطن.
رغم كل تلك الملايين التى تنفق والحروب التى تشن على يوليو وعبد الناصر تأتى دائمًا رياح التاريخ بما لاتشتهيه سفن العصابات وبوارجهم لأن التاريخ يحمل الحقائق والاعترافات حتى من ألد الأعداء ومن وثائق زعماء العصابات الذى مازال عبد الناصر عدوهم الأول وهو حى وبعد الرحيل، لو أردنا ملاحقة كل هذه الوثائق والاعترافات سنحتاج إلى مجلدات ولكن يمكن المرور السريع والتنقل بين الاعترافات والوثائق.
يأتى هذا الاعتراف من رجل ولد بعد رحيل عبد الناصر بإحدى عشر عامًا أنه جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكى السابق ترامب وكبير مستشاريه ومهندس ماسمى بالاتفاقيات الإبراهيمية ، يكتب كوشنر مذكراته بعنوان breaking History أو كسر التاريخ ويتحدث كوشنر عن ذكرياته فى البيت الأبيض وإبداعاته فى تحقيق ماسمى بالاتفاقيات الإبراهيمية ويأتى إلى ملابسات توقيع اتفاق التطبيع بين إسرائيل و السودان ويقدم مبررات إجراء هذا الاتفاق وإصرار الولايات المتحدة على توقيعه ولم يتحمل كوشنر كثيرًا وقرر الاعتراف بالسبب الجوهرى لهذا الإصرار أو كما يطلق عليه هو الرمزى والمهم ففى أغسطس1967 عقدت القمة العربية فى الخرطوم بقيادة عبد الناصر وأصدرت وثيقة اللاءات الثلاث لاسلام ،لا اعتراف ،لا مفاوضات مع إسرائيل.
هنا ينفجر كوشنر غضبًا فى مذكراته واصفًا هذه الوثيقة بالبغيضة، رغم أن كوشنر لم يعاصر عبد الناصر إلا أنه محمل بالإرث الأمريكى فى العداء تجاه يوليو وعبد الناصر هذا الإرث أو الصراع الذى ظن فى 67 أنه أنهى يوليو ومعها عبد الناصر فلم يمر إلا شهر وخرج ليتحداهم رافضًا الهزيمة من الخرطوم وسط تأييد شعبى جارف ويأتى كوشنر باعترافه فى مذكراته ليؤكد بأن الحرب ضد يوليو وعبد الناصر مازالت مستمرة.
تتابع بلاهات المخدوعين الذين يقودهم المخادعون على السوشيال ميديا وهم يقدمون تحليلاتهم البائسة حول واحد من أخطر قرارات التاريخ القرار الذى أصدره جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس والذى أعطى الشجاعة لكل الشعوب المستضعفة لكى تسترد حقوقها من الاستعمار البغيض، يحدثك البلهاء بأنه قرار خاطئ وعرض مصر للعدوان الثلاثى وحسب مستنقع الخداع الغارقين فيه يرون أن الاستعمار أو بريطانيا كانت ستعيد القناة إلى مصر عقب نهاية مدة الامتياز الخاص بشركة قناة السويس والتى تديرها بريطانيا وفرنسا حسب اتفاقية القسطنطينية . لكن تأتى الوثائق البريطانية التى نشرت قبل شهور بعد رفع السرية عنها لترد على البلهاء المخدوعين فكل هذه الوثائق تؤكد أن بريطانيا لم تكن تسلم القناة لمصر حتى بعد نهاية الامتياز فى عام 1968،وضمن هذه الوثائق تقرير رفعه لورد موريس هانكى مدير الشئون التجارية بشركة قناة السويس إلى الخارجية البريطانية يؤكد فيه استحالة تسليم القناة لمصر حتى بعد نهاية مدة الامتياز فى عام 68.
تكشف هذه الوثائق أيضًا ماكان يدبر من بريطانيا تجاه مصر والقناة حتى بعد توقيع اتفاقية الجلاء، فكانت تريد فصل منطقة القناة عن مصر وتخضعها لإشراف دولى أو تحت إدارة حلف الناتو والدول الغريبة المستفيدة من القناة ولا يتم تسليمها لمصر، للأسف لا يقرأ المخدوعون الحقائق لأنهم يسيرون وراء عصابات المخادعين التى تقودهم كما تشاء مثل القطيع.
يبقى عرض السيرك الرئيسى الذى تقدمه العصابات ويفرح به المخدوعون أثناء لهوهم على السوشيال ميديا وصدعوا رؤوسنا به حول جنة الملكية وأجمل المدن وبيوت الأزياء العالمية التى تعرض منتجاتها فى القاهرة قبل باريس والحلاق اليونانى والشوفير الفرنسى وهذه السذاجات، أما حقيقة جنة الملكية أن مصر كانت تسجل أعلى نسبة فى العالم لوفيات الأطفال نتيجة لنقص الغذاء وهذا من كتاب الطبيب الانجليزى سيسيل البورت (ساعة عدل واحدة ) الذى عمل فى مصر بالأربعينيات من القرن الماضى ومن أراد أن يتطهرمن الخداع فليطالع كتاب د.سيسيل ليكتشف حجم مأساة المصريين قبل يوليو.
وللأسف لم يستمتع المصريون بالتجوال فى مدنهم لأنه كانوا فى أغلبهم شعب من الحفاة وفى كل عام يجتمع جلالته مع حكومته الرشيدة لأجل وضع مشروع عظيم لإنتاج الأحذية و" الشباشب " حتى ينعم المصريون بمدنهم الجميلة المنافسة للعواصم الأوروبية كما يزعمون وهم يرتدون الأحذية ولكن حتى اليوم الذى طرد فيه جلالته من الإسكندرية لم تتحقق مشروعاته العظيمة فى تصنيع الأحذية.
هناك فقرة أخرى فى سيرك المخدوعين على السوشيال ميديا تتغنى بوطنية فاروق الذى تنازل عن الحكم حتى لايصاب المصريون بأى أذى لكن الحقيقة كانت غير هذا تمامًا ففاروق الجشع النهم للملك طلب من البريطانيين احتلال القاهرة وقصف الإسكندرية فى يوم الثورة كما فعل جده الخائن الخديوى توفيق مع عرابى ورفاقه.
يقدم الباحث الأمريكى جيفرى أرونسن فى كتابه (واشنطن تخرج من الظل ) معتمدًا على الوثائق الأمريكية هذه الحقيقة " ظل القصر على اتصال مباشر بكافرى ـ السفير الأمريكى ـ لإقناع البريطانيين بالتدخل لإنقاذ عرش فاروق وفى نداء مباشر إلى البريطانيين طلب فاروق من الجنرال سليم قائد القوات البريطانية فى مصر احتلال القاهرة وقصف الإسكندرية " هذا هو الملك المحب لشعبه الحريص على بلده إنها نفس طبائع الجد توفيق.
رغم من سقطوا فى مستنقع الخداع واتبعوا المخادعين فى عالمهم الافتراضى إلا أن هناك الملايين على أرض الواقع ثابتين على الحقيقة يهتدون ببوصلة يوليو ولم تغب عن أعينهم صورة عبد الناصر.