حقائق لا يراها المخدوعون

إيهاب فتحى
إيهاب فتحى

‭..‬فى‭ ‬زمن‭ ‬السوشيال‭ ‬ميديا‭ ‬واللجان‭ ‬الإلكترونية‭ ‬والديب‭ ‬فيك‭ ‬وبوستات‭ ‬وتويتات‭ ‬السداح‭ ‬مداح‭ ‬والمعلومات‭ ‬الزائفة‭ ‬يصبح‭ ‬المخادعون‭ ‬والمخدوعون‭ ‬ولامانع‭ ‬أيضا‭ ‬من‭ ‬انضمام‭ ‬الجهلاء‭ ‬كمتلقين‭ ‬صناع‭ ‬لتاريخ‭ ‬ملفق‭ ‬بكل‭ ‬سهولة‭ ‬وهم‭ ‬جالسين‭ ‬فى‭ ‬غرف‭ ‬مغلقة‭ ‬مع‭ ‬أنفسهم‭ ‬أو‭ ‬أمام‭ ‬الطاولات‭ ‬فى‭ ‬الكافيهات‭.‬

يتحول‭ ‬التاريخ‭ ‬وحقائقه‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ "‬بوستات‭ " ‬أو‭"‬تويتات‭ " ‬تختلق‭ ‬حدثًا‭ ‬لم‭ ‬يقع‭ ‬أو‭ ‬تحذف‭ ‬حدثًا‭ ‬وقع‭ ‬بالفعل،‭ ‬وفى‭ ‬استخفاف‭ ‬يولده‭ ‬الجهل‭ ‬يتحول‭ ‬كفاح‭ ‬البشر‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬العدالة‭ ‬ونضالهم‭ ‬الوطنى‭ ‬ضد‭ ‬الطغيان‭ ‬إلى‭ ‬كومكس‭ ‬أومادة‭ ‬للسخرية‭ ‬يعرضها‭ ‬فيديو‭ ‬قصير‭ ‬على‭ ‬يوتيوب‭.‬

يرحل‭ ‬المناضلون‭ ‬من‭ ‬ساحة‭ ‬التاريخ‭ ‬وتتوارى‭ ‬سير‭ ‬الزعماء‭ ‬الوطنيين‭ ‬فى‭ ‬حزن‭ ‬داخل‭ ‬أوراق‭ ‬قديمة‭ ‬ليحتل‭ ‬مكانهم‭ ‬صناع‭ ‬المحتوى‭ ‬واليوتيوبر‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬يملك‭ "‬سمارت‭ ‬فون‭ " ‬وبدلا‭ ‬من‭ ‬المعارك‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الوطن‭ ‬ودفاعًا‭ ‬عن‭ ‬تاريخه‭ ‬وتأكيد‭ ‬التضحيات‭ ‬التى‭ ‬قدمها‭ ‬الملايين‭ ‬لبناء‭ ‬أمتهم،‭ ‬تصبح‭ ‬المعارك‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬اللايك‭ ‬و‭ ‬الاسكرايب‭ ‬والشير‭ ‬وجمع‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬الفلورز‭ ‬أو‭ ‬المتابعين‭ ‬لتتحول‭ ‬دقائق‭ ‬المشاهدات‭ ‬وضغطات‭ ‬الأصبع‭ ‬على‭ ‬الموبايلات‭ ‬إلى‭ ‬دولارات‭ ‬لأنها‭ ‬الغرض‭ ‬الأول‭ ‬والأخير‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬هذا‭ ‬الخداع‭ . ‬

تظن‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬العبث‭ ‬السوشيالى‭ ‬سيمر‭ ‬وتبقى‭ ‬الحقيقة‭ ‬لكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬الأخرى‭ ‬أن‭ ‬وراء‭ ‬هذا‭ ‬العبث‭ ‬والسيرك‭ ‬المعلوماتى‭ ‬الزائف‭ ‬تنظيم‭ ‬دقيق‭ ‬يحمى‭ ‬ويساعد‭ ‬المخادعين‭ ‬والمخدوعين‭ ‬ليستمروا‭ ‬فى‭ ‬صناعة‭ ‬الزيف‭ ‬بوعى‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬غير‭ ‬وعى‭ ‬ودائمًا‭ ‬ما‭ ‬يحدد‭ ‬مديرو‭ ‬التنظيم‭ ‬للمخادعين‭ ‬ومن‭ ‬ورائهم‭ ‬المخدوعين‭ ‬أجندة‭ ‬العمل‭ ‬لايشترط‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬يتولى‭ ‬المديرون‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬صباح‭ ‬الاتصال‭ ‬بالمخادعين‭ ‬وإعطائهم‭ ‬تعليمات‭ ‬اليوم‭ ‬أو‭ ‬الأسبوع‭ ‬والشهر‭ ‬ليسيطروا‭ ‬على‭  ‬المخدوعين‭.‬

اللعبة‭ ‬أبسط‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬وتستخدم‭ ‬منذ‭ ‬آلاف‭ ‬السنين‭ ‬ورغم‭ ‬كل‭ ‬ثورات‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬فالفضل‭ ‬فى‭ ‬وضع‭ ‬قواعد‭ ‬اللعبة‭ ‬وابتكارها‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬الحيوان‭ ‬أنها‭ ‬سياسة‭ ‬القطيع،‭ ‬يكفى‭ ‬إشارة‭ ‬من‭  ‬مخادع‭ ‬واحد‭ ‬بعد‭ ‬تلقى‭ ‬الأمر‭ ‬وعن‭ ‬طريق‭ ‬كذبة،‭ ‬شائعة،‭ ‬بوست‭ ‬ساخن،‭ ‬تويتة‭ ‬ملتوية،‭ ‬فيديو‭ ‬ملفق‭ ‬يندفع‭ ‬القطيع‭ ‬السوشيالى‭ ‬وراء‭ ‬الأكاذيب‭ ‬والزيف‭ ‬دون‭ ‬إعمال‭ ‬اى‭ ‬درجة‭ ‬من‭ ‬درجات‭ ‬العقل‭.‬

بالتأكيد‭ ‬هناك‭ ‬عشرات‭ ‬من‭ ‬الأهداف‭ ‬على‭ ‬أجندة‭ ‬المنظمين‭ ‬والتنظيم‭ ‬ويعمل‭ ‬المخادعون‭ ‬على‭ ‬تنفيذها‭ ‬لكن‭ ‬تبقى‭ ‬هناك‭ ‬أهداف‭ ‬ثابتة‭ ‬لا‭ ‬يحيدون‭ ‬عنها‭ ‬لأنها‭ ‬تمثل‭ ‬لهذه‭ ‬العصابة‭ ‬خطرًا‭ ‬رئيسيًا‭ ‬على‭ ‬وجودهم‭ ‬وفى‭ ‬كل‭ ‬ساعة‭ ‬ويوم‭ ‬تحاك‭ ‬الأكاذيب‭ ‬والتلفيقات‭ ‬فى‭ ‬عمل‭ ‬إجرامى‭ ‬دقيق‭ ‬وللأسف‭ ‬يبتلع‭ ‬المخدوعون‭ ‬هذه‭ ‬السموم‭ ‬فى‭ ‬بلاهة‭ ‬محدقين‭ ‬فى‭ ‬شاشات‭ ‬الموبايلات‭ ‬ببلادة‭ ‬قصوى‭ ‬دون‭ ‬أى‭ ‬بحث‭ ‬أو‭ ‬تدقيق‭ ‬فيما‭ ‬يتسلل‭ ‬إلى‭ ‬عقولهم‭.‬

قبل‭ ‬أن‭ ‬تسأل‭ ‬عن‭ ‬أهداف‭ ‬العصابة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تعرف‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬عناصر‭ ‬العصابة‭  ‬التى‭ ‬يعمل‭ ‬فى‭ ‬خدمتها‭ ‬المخادعون‭ ‬؟إنهم‭ ‬عملاء‭ ‬الاستعمار‭ ‬والاستعمار‭ ‬نفسه،‭ ‬السماسرة،‭ ‬كارهى‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬الطيب،‭ ‬الفاشيست‭ ‬الاخوانجية،‭ ‬من‭ ‬تظنهم‭ ‬أصدقاء‭ ‬لهذا‭ ‬الوطن‭ ‬و‭ ‬يتحدثون‭ ‬معه‭ ‬بالعربية‭ ‬صباحًا‭ ‬وفى‭ ‬المساء‭ ‬هم‭ ‬سدنة‭ ‬وحماة‭ ‬العبرية،‭ ‬من‭ ‬يرون‭ ‬فى‭ ‬عراقة‭ ‬وتاريخ‭ ‬وحضارة‭ ‬الأمة‭ ‬المصرية‭ ‬عقدة‭ ‬نفسية‭ ‬تسيطر‭ ‬عليهم‭ ‬وتمنع‭ ‬عنهم‭ ‬النوم‭ .‬

أما‭ ‬أهداف‭ ‬العصابة‭ ‬فهى‭ ‬متعددة‭ ‬ولكن‭ ‬هناك‭ ‬هدفًا‭ ‬رئيسيًا‭ ‬لا‭ ‬تحيد‭ ‬عنه‭ ‬هذه‭ ‬العصابة‭ ‬أنه‭ ‬ثورة‭ ‬23‭ ‬يوليو‭ ‬وزعيمها‭ ‬جمال‭ ‬عبد‭ ‬الناصر،‭ ‬هذه‭ ‬الثورة‭ ‬التى‭ ‬من‭ ‬يومها‭ ‬الأول‭ ‬أرقت‭ ‬كل‭ ‬العصابات‭ ‬والمستعمرين‭  ‬والمستغلين‭ ‬والمتاجرين‭ ‬فى‭ ‬دماء‭ ‬الشعوب،‭ ‬أما‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬فهو‭ ‬العدو‭ ‬الأول‭ ‬لعصابة‭ ‬الافك‭ ‬،‭ ‬لأنه‭ ‬المواطن‭ ‬المصرى‭ ‬المعتز‭ ‬بكرامة‭ ‬بلده‭ ‬الرافض‭ ‬بشراسة‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مقدرات‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬فى‭ ‬يد‭ ‬غريب‭ ‬مستغل‭ ‬،لايخشى‭ ‬أن‭ ‬يخوض‭ ‬المعارك‭ ‬ويقاتل‭ ‬لأجل‭ ‬استعادة‭ ‬حقوق‭ ‬البسطاء‭ ‬من‭ ‬أيدى‭ ‬الطغاة‭ ‬،لأنه‭ ‬عرى‭ ‬وفضح‭ ‬الفاشيست‭ ‬المتاجرين‭ ‬بالدين‭ ‬وكشف‭ ‬عمالتهم‭ ‬للاستعمار‭ ‬الذى‭ ‬صنعهم،‭ ‬بالتأكيد‭ ‬سيكرهه‭ ‬مستغلو‭ ‬الداخل‭ ‬ومستغلو‭ ‬الخارج‭ ‬الذين‭ ‬يريدون‭ ‬استنزاف‭ ‬موارد‭ ‬البشر‭ ‬المستضعفين‭ ‬،لأن‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬حرر‭ ‬الفلاح‭ ‬والعامل‭ ‬والمرأة‭ ‬من‭ ‬الإقطاع‭ ‬والسخرة‭ ‬والرجعية‭ ‬داخليًا‭ ‬وانطلق‭ ‬خارجيًا‭ ‬بثورة‭ ‬يوليو‭ ‬ليحرر‭ ‬الجنوب‭ ‬وكل‭ ‬المستضعفين‭ ‬من‭ ‬استغلال‭ ‬الاستعمار‭ ‬وهيمنة‭ ‬الامبراطوريات‭ . ‬

لكل‭ ‬هذه‭ ‬الأسباب‭ ‬أصبحت‭ ‬مبادئ‭ ‬يوليو‭ ‬والروح‭ ‬الوطنية‭ ‬لجمال‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬خطرًا‭ ‬وجوديًا‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬العصابات‭ ‬لأن‭ ‬السير‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬يوليو‭ ‬وفعل‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬يعنى‭ ‬الوعى‭ ‬بالحقوق‭ ‬والقتال‭ ‬من‭ ‬أجلها،‭ ‬تفضيل‭ ‬الكرامة‭ ‬على‭ ‬لقمة‭ ‬عيش‭ ‬مغموسة‭ ‬فى‭ ‬الذل‭ ‬والإهانة،‭ ‬الحياة‭ ‬فى‭ ‬وطن‭ ‬حر‭ ‬لايعرف‭ ‬إملاءات‭ ‬الخارج‭ ‬أو‭ ‬انتظار‭ ‬أوامر‭ ‬عواصم‭ ‬الغرب‭ ‬والشرق،‭ ‬ألاتعنى‭ ‬الهزيمة‭ ‬فى‭ ‬معركة‭ ‬الاستسلام‭ ‬لشروط‭ ‬الواقع‭ ‬الصعب‭ ‬بل‭ ‬هى‭ ‬لحظة‭ ‬ترتيب‭ ‬أوراق‭ ‬وإعادة‭ ‬مراجعة‭ ‬التجربة‭ ‬والاعتراف‭ ‬بالخطأ‭ ‬دون‭ ‬غرور‭ ‬ثم‭ ‬تحقيق‭ ‬الانتصار‭ ‬بأيدى‭ ‬أبناء‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬المؤمنين‭ ‬بجدارة‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭ ‬وحتمية‭ ‬دورها‭ ‬الحضارى‭  ‬المؤثر‭ ‬فى‭ ‬الإنسانية‭ .‬

تشن‭ ‬هذه‭ ‬العصابات‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬دقيقة‭ ‬وساعة‭ ‬ويوم‭ ‬حربًا‭ ‬لا‭ ‬تنتهى‭ ‬وممولة‭ ‬بملايين‭ ‬الدولارات‭ ‬على‭ ‬يوليو‭ ‬وعبد‭ ‬الناصر‭ ‬الذى‭ ‬تؤرقهم‭ ‬سيرته‭ ‬فى‭ ‬نومهم‭ ‬ويقظتهم‭ ‬،‭ ‬يدركون‭ ‬أنه‭ ‬رحل‭ ‬جسدًا‭ ‬ولكن‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬لحظة‭ ‬فارقة‭ ‬ومواجهة‭ ‬تخوضها‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭ ‬يجدون‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬البسطاء‭ ‬الذين‭ ‬عاش‭ ‬من‭ ‬أجلهم‭ ‬تلتف‭ ‬حول‭ ‬روحه‭ ‬وصورته‭  ‬تلك‭ ‬الصورة‭ ‬التى‭ ‬تحفظ‭ ‬ملامح‭ ‬وجهه‭ ‬المصرى‭ ‬الأصيل‭ ‬ونظرات‭ ‬عينيه‭ ‬المتحدية‭ ‬للظلم‭ ‬المشحونة‭ ‬بكبرياء‭ ‬الوطن‭.‬

رغم‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الملايين‭ ‬التى‭ ‬تنفق‭ ‬والحروب‭ ‬التى‭ ‬تشن‭ ‬على‭ ‬يوليو‭ ‬وعبد‭ ‬الناصر‭ ‬تأتى‭ ‬دائمًا‭ ‬رياح‭ ‬التاريخ‭ ‬بما‭ ‬لاتشتهيه‭ ‬سفن‭ ‬العصابات‭ ‬وبوارجهم‭ ‬لأن‭ ‬التاريخ‭ ‬يحمل‭ ‬الحقائق‭ ‬والاعترافات‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬ألد‭ ‬الأعداء‭ ‬ومن‭ ‬وثائق‭ ‬زعماء‭ ‬العصابات‭ ‬الذى‭ ‬مازال‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬عدوهم‭ ‬الأول‭ ‬وهو‭ ‬حى‭ ‬وبعد‭ ‬الرحيل،‭ ‬لو‭ ‬أردنا‭ ‬ملاحقة‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الوثائق‭ ‬والاعترافات‭ ‬سنحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مجلدات‭ ‬ولكن‭ ‬يمكن‭ ‬المرور‭ ‬السريع‭ ‬والتنقل‭ ‬بين‭ ‬الاعترافات‭ ‬والوثائق‭.‬

يأتى‭ ‬هذا‭ ‬الاعتراف‭ ‬من‭ ‬رجل‭ ‬ولد‭ ‬بعد‭ ‬رحيل‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬بإحدى‭ ‬عشر‭ ‬عامًا‭ ‬أنه‭ ‬جاريد‭ ‬كوشنر‭ ‬صهر‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكى‭ ‬السابق‭ ‬ترامب‭ ‬وكبير‭ ‬مستشاريه‭ ‬ومهندس‭ ‬ماسمى‭ ‬بالاتفاقيات‭ ‬الإبراهيمية‭ ‬،‭ ‬يكتب‭ ‬كوشنر‭ ‬مذكراته‭ ‬بعنوان‭  ‬breaking History‭ ‬أو‭ ‬كسر‭ ‬التاريخ‭ ‬ويتحدث‭ ‬كوشنر‭ ‬عن‭ ‬ذكرياته‭ ‬فى‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬وإبداعاته‭ ‬فى‭ ‬تحقيق‭ ‬ماسمى‭ ‬بالاتفاقيات‭ ‬الإبراهيمية‭ ‬ويأتى‭ ‬إلى‭ ‬ملابسات‭ ‬توقيع‭ ‬اتفاق‭ ‬التطبيع‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬و‭ ‬السودان‭ ‬ويقدم‭ ‬مبررات‭  ‬إجراء‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق‭ ‬وإصرار‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬توقيعه‭ ‬ولم‭ ‬يتحمل‭ ‬كوشنر‭ ‬كثيرًا‭ ‬وقرر‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالسبب‭ ‬الجوهرى‭ ‬لهذا‭ ‬الإصرار‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬هو‭ ‬الرمزى‭ ‬والمهم‭ ‬ففى‭ ‬أغسطس1967‭ ‬عقدت‭ ‬القمة‭ ‬العربية‭ ‬فى‭ ‬الخرطوم‭ ‬بقيادة‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬وأصدرت‭ ‬وثيقة‭ ‬اللاءات‭ ‬الثلاث‭ ‬لاسلام‭ ‬،لا‭ ‬اعتراف‭ ‬،لا‭ ‬مفاوضات‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭.‬

هنا‭ ‬ينفجر‭  ‬كوشنر‭ ‬غضبًا‭ ‬فى‭ ‬مذكراته‭ ‬واصفًا‭ ‬هذه‭ ‬الوثيقة‭ ‬بالبغيضة،‭  ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬كوشنر‭ ‬لم‭ ‬يعاصر‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬محمل‭ ‬بالإرث‭ ‬الأمريكى‭ ‬فى‭ ‬العداء‭ ‬تجاه‭ ‬يوليو‭ ‬وعبد‭ ‬الناصر‭ ‬هذا‭ ‬الإرث‭ ‬أو‭ ‬الصراع‭ ‬الذى‭ ‬ظن‭ ‬فى‭ ‬67‭ ‬أنه‭ ‬أنهى‭ ‬يوليو‭ ‬ومعها‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬فلم‭ ‬يمر‭ ‬إلا‭ ‬شهر‭ ‬وخرج‭ ‬ليتحداهم‭ ‬رافضًا‭ ‬الهزيمة‭ ‬من‭ ‬الخرطوم‭ ‬وسط‭ ‬تأييد‭ ‬شعبى‭ ‬جارف‭ ‬ويأتى‭ ‬كوشنر‭ ‬باعترافه‭ ‬فى‭ ‬مذكراته‭ ‬ليؤكد‭  ‬بأن‭ ‬الحرب‭ ‬ضد‭ ‬يوليو‭ ‬وعبد‭ ‬الناصر‭ ‬مازالت‭ ‬مستمرة‭.‬

تتابع‭ ‬بلاهات‭ ‬المخدوعين‭ ‬الذين‭ ‬يقودهم‭ ‬المخادعون‭ ‬على‭ ‬السوشيال‭ ‬ميديا‭ ‬وهم‭ ‬يقدمون‭ ‬تحليلاتهم‭ ‬البائسة‭ ‬حول‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬أخطر‭ ‬قرارات‭ ‬التاريخ‭ ‬القرار‭ ‬الذى‭ ‬أصدره‭ ‬جمال‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬بتأميم‭ ‬قناة‭ ‬السويس‭ ‬والذى‭ ‬أعطى‭ ‬الشجاعة‭ ‬لكل‭ ‬الشعوب‭ ‬المستضعفة‭ ‬لكى‭ ‬تسترد‭ ‬حقوقها‭ ‬من‭ ‬الاستعمار‭ ‬البغيض،‭ ‬يحدثك‭ ‬البلهاء‭ ‬بأنه‭ ‬قرار‭ ‬خاطئ‭ ‬وعرض‭ ‬مصر‭ ‬للعدوان‭ ‬الثلاثى‭ ‬وحسب‭ ‬مستنقع‭ ‬الخداع‭ ‬الغارقين‭ ‬فيه‭ ‬يرون‭ ‬أن‭ ‬الاستعمار‭ ‬أو‭ ‬بريطانيا‭ ‬كانت‭ ‬ستعيد‭ ‬القناة‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬عقب‭ ‬نهاية‭ ‬مدة‭ ‬الامتياز‭ ‬الخاص‭ ‬بشركة‭ ‬قناة‭ ‬السويس‭ ‬والتى‭ ‬تديرها‭ ‬بريطانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬حسب‭ ‬اتفاقية‭ ‬القسطنطينية‭ . ‬لكن‭ ‬تأتى‭ ‬الوثائق‭ ‬البريطانية‭ ‬التى‭ ‬نشرت‭ ‬قبل‭ ‬شهور‭ ‬بعد‭ ‬رفع‭ ‬السرية‭ ‬عنها‭ ‬لترد‭ ‬على‭ ‬البلهاء‭ ‬المخدوعين‭ ‬فكل‭ ‬هذه‭ ‬الوثائق‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬بريطانيا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭  ‬تسلم‭ ‬القناة‭ ‬لمصر‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬نهاية‭ ‬الامتياز‭ ‬فى‭ ‬عام‭ ‬1968،وضمن‭ ‬هذه‭ ‬الوثائق‭ ‬تقرير‭ ‬رفعه‭ ‬لورد‭ ‬موريس‭ ‬هانكى‭ ‬مدير‭ ‬الشئون‭ ‬التجارية‭ ‬بشركة‭ ‬قناة‭ ‬السويس‭ ‬إلى‭ ‬الخارجية‭ ‬البريطانية‭ ‬يؤكد‭ ‬فيه‭ ‬استحالة‭ ‬تسليم‭ ‬القناة‭ ‬لمصر‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬نهاية‭ ‬مدة‭ ‬الامتياز‭ ‬فى‭ ‬عام‭ ‬68‭. ‬

تكشف‭ ‬هذه‭ ‬الوثائق‭ ‬أيضًا‭ ‬ماكان‭ ‬يدبر‭ ‬من‭ ‬بريطانيا‭ ‬تجاه‭ ‬مصر‭ ‬والقناة‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬توقيع‭ ‬اتفاقية‭ ‬الجلاء،‭ ‬فكانت‭ ‬تريد‭ ‬فصل‭ ‬منطقة‭ ‬القناة‭ ‬عن‭ ‬مصر‭ ‬وتخضعها‭ ‬لإشراف‭ ‬دولى‭ ‬أو‭ ‬تحت‭ ‬إدارة‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬والدول‭ ‬الغريبة‭ ‬المستفيدة‭ ‬من‭ ‬القناة‭ ‬ولا‭ ‬يتم‭ ‬تسليمها‭ ‬لمصر،‭ ‬للأسف‭ ‬لا‭ ‬يقرأ‭ ‬المخدوعون‭ ‬الحقائق‭ ‬لأنهم‭ ‬يسيرون‭ ‬وراء‭ ‬عصابات‭ ‬المخادعين‭ ‬التى‭ ‬تقودهم‭ ‬كما‭ ‬تشاء‭ ‬مثل‭ ‬القطيع‭.‬

يبقى‭ ‬عرض‭ ‬السيرك‭ ‬الرئيسى‭ ‬الذى‭ ‬تقدمه‭ ‬العصابات‭ ‬ويفرح‭ ‬به‭ ‬المخدوعون‭ ‬أثناء‭ ‬لهوهم‭ ‬على‭ ‬السوشيال‭ ‬ميديا‭ ‬وصدعوا‭ ‬رؤوسنا‭ ‬به‭ ‬حول‭ ‬جنة‭ ‬الملكية‭ ‬وأجمل‭ ‬المدن‭ ‬وبيوت‭ ‬الأزياء‭ ‬العالمية‭ ‬التى‭ ‬تعرض‭ ‬منتجاتها‭ ‬فى‭ ‬القاهرة‭ ‬قبل‭ ‬باريس‭ ‬والحلاق‭ ‬اليونانى‭ ‬والشوفير‭ ‬الفرنسى‭ ‬وهذه‭ ‬السذاجات،‭ ‬أما‭ ‬حقيقة‭ ‬جنة‭ ‬الملكية‭ ‬أن‭ ‬مصر‭ ‬كانت‭ ‬تسجل‭ ‬أعلى‭ ‬نسبة‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬لوفيات‭ ‬الأطفال‭ ‬نتيجة‭ ‬لنقص‭ ‬الغذاء‭ ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬كتاب‭ ‬الطبيب‭ ‬الانجليزى‭ ‬سيسيل‭ ‬البورت‭ (‬ساعة‭ ‬عدل‭ ‬واحدة‭ ) ‬الذى‭ ‬عمل‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬بالأربعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضى‭ ‬ومن‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يتطهرمن‭ ‬الخداع‭  ‬فليطالع‭ ‬كتاب‭ ‬د‭.‬سيسيل‭ ‬ليكتشف‭ ‬حجم‭ ‬مأساة‭ ‬المصريين‭ ‬قبل‭ ‬يوليو‭. ‬

وللأسف‭ ‬لم‭ ‬يستمتع‭ ‬المصريون‭ ‬بالتجوال‭ ‬فى‭ ‬مدنهم‭ ‬لأنه‭  ‬كانوا‭ ‬فى‭ ‬أغلبهم‭ ‬شعب‭ ‬من‭ ‬الحفاة‭ ‬وفى‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬يجتمع‭ ‬جلالته‭ ‬مع‭ ‬حكومته‭ ‬الرشيدة‭ ‬لأجل‭ ‬وضع‭ ‬مشروع‭ ‬عظيم‭ ‬لإنتاج‭ ‬الأحذية‭ ‬و‭" ‬الشباشب‭ " ‬حتى‭ ‬ينعم‭ ‬المصريون‭ ‬بمدنهم‭ ‬الجميلة‭ ‬المنافسة‭ ‬للعواصم‭ ‬الأوروبية‭ ‬كما‭ ‬يزعمون‭  ‬وهم‭ ‬يرتدون‭ ‬الأحذية‭ ‬ولكن‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬الذى‭ ‬طرد‭ ‬فيه‭ ‬جلالته‭ ‬من‭ ‬الإسكندرية‭ ‬لم‭ ‬تتحقق‭ ‬مشروعاته‭ ‬العظيمة‭ ‬فى‭ ‬تصنيع‭ ‬الأحذية‭.‬

هناك‭ ‬فقرة‭ ‬أخرى‭ ‬فى‭ ‬سيرك‭ ‬المخدوعين‭ ‬على‭ ‬السوشيال‭ ‬ميديا‭ ‬تتغنى‭ ‬بوطنية‭ ‬فاروق‭ ‬الذى‭ ‬تنازل‭ ‬عن‭ ‬الحكم‭ ‬حتى‭ ‬لايصاب‭ ‬المصريون‭ ‬بأى‭ ‬أذى‭ ‬لكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬كانت‭ ‬غير‭ ‬هذا‭ ‬تمامًا‭ ‬ففاروق‭ ‬الجشع‭ ‬النهم‭ ‬للملك‭ ‬طلب‭ ‬من‭ ‬البريطانيين‭ ‬احتلال‭ ‬القاهرة‭ ‬وقصف‭ ‬الإسكندرية‭ ‬فى‭ ‬يوم‭ ‬الثورة‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬جده‭ ‬الخائن‭ ‬الخديوى‭ ‬توفيق‭ ‬مع‭ ‬عرابى‭ ‬ورفاقه‭.‬

يقدم‭  ‬الباحث‭ ‬الأمريكى‭ ‬جيفرى‭ ‬أرونسن‭ ‬فى‭ ‬كتابه‭ (‬واشنطن‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬الظل‭ ) ‬معتمدًا‭ ‬على‭ ‬الوثائق‭ ‬الأمريكية‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ " ‬ظل‭ ‬القصر‭ ‬على‭ ‬اتصال‭ ‬مباشر‭ ‬بكافرى‭ ‬ـ‭ ‬السفير‭ ‬الأمريكى‭ ‬ـ‭ ‬لإقناع‭ ‬البريطانيين‭ ‬بالتدخل‭ ‬لإنقاذ‭ ‬عرش‭ ‬فاروق‭ ‬وفى‭ ‬نداء‭ ‬مباشر‭ ‬إلى‭ ‬البريطانيين‭ ‬طلب‭ ‬فاروق‭ ‬من‭ ‬الجنرال‭ ‬سليم‭ ‬قائد‭ ‬القوات‭ ‬البريطانية‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬احتلال‭ ‬القاهرة‭ ‬وقصف‭ ‬الإسكندرية‭ " ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الملك‭ ‬المحب‭ ‬لشعبه‭ ‬الحريص‭ ‬على‭ ‬بلده‭ ‬إنها‭ ‬نفس‭ ‬طبائع‭ ‬الجد‭ ‬توفيق‭.‬

رغم‭ ‬من‭ ‬سقطوا‭ ‬فى‭ ‬مستنقع‭ ‬الخداع‭ ‬واتبعوا‭ ‬المخادعين‭ ‬فى‭ ‬عالمهم‭ ‬الافتراضى‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬الملايين‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬ثابتين‭ ‬على‭ ‬الحقيقة‭  ‬يهتدون‭ ‬ببوصلة‭ ‬يوليو‭ ‬ولم‭ ‬تغب‭ ‬عن‭ ‬أعينهم‭ ‬صورة‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭.‬


 

;