أصل الحكاية ..أسرار "دير الوادى" أقدم أديرة سيناء

دير الوادى أقدم أديرة سيناء
دير الوادى أقدم أديرة سيناء

الطور كانت تعرف قديمًا باسم "رايثو" حتى القرن الخامس عشر الميلادى وبها آثار مسيحية تشمل قلالى بوادى الأعوج لجأ إليها المتوحدين الأوائل بسيناء فى القرن الرابع الميلادى كما تشمل دير الوادى بقرية الوادى 5 كم شمال الطور من عصر الإمبراطور جستنيان فى القرن السادس الميلادى حيث قام نفس المهندس اسطفانوس ببناء كنيسة فى موقع مدينة السويس حاليًا .

وبنى دير الوادى وبعدها  بنى دير طور سيناء الذى تحول اسمه إلى دير سانت كاترين فى القرن التاسع الميلادى، كما أكده الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار .

 وأشار الدكتور ريحان الي أن دير الوادى هو الدير الوحيد بسيناء الذى يحتفظ بكل عناصره المعمارية من القرن السادس الميلادى حتى الآن حيث أن دير سانت كاترين أضيفت عليه عدة تجديدات، وتخطيطه مستطيل92 م طولًا، 53م عرضًا، وبه أربعة كنائس ومعصرة زيتون، وعدد 59 حجرة بالطابق الأول بالإضافة إلى 37 حجرة بالطابق الثانى تهدمت ولكن كشف عن بقايا الدرج الذى يؤدى إليها، وهذه الحجرات بعضها قلايا للرهبان والأخرى حجرات للحجاج الوافدين للدير للإقامة فترة بالدير وزيارة الأماكن المقدسة بالطور قبل التوجه إلى دير سانت كاترين ثم إلى القدس .

وأضاف الدكتور ريحان بأن الدير يضم مطعمة ومعصرة زيتون ومنطقة خدمات تشمل فرن للخبز وفرن صغير لعمل القربانة ورحى وبئر ودورة مياه، وقد توافد الحجاج المسيحيون على سيناء من كل بقاع العالم وهم آمنون مطمئنون فى ظل احترام المسلمون للمقدسات المسيحية وحمايتها وهو ما حرصت عليه الحكومات الإسلامية عبر عصورها التاريخية والتى ساهمت فى ازدهار الآثار المسيحية وكل الحضارات السابقة على الإسلام
مواد البناء من الحجر الرملى المشذّب والحجر الطفلى وكتل الطوب المربعة التى أضيفت فى العصر الإسلامى والطوب اللبن الذى استخدم أساسًا فى الأسقف والأفران والمصارف الصحية، أمّا الأسوار والأبراج والدعامات والعقود فمن كتل كبيرة من الحجر، واستخدمت الكتل الصغيرة من الحجر والأحجار المكسورة والطوب فى بناء الجدران الفاصلة والمنشئات الأخرى.

ونوه الدكتور عبد الرحيم ريحان إلى قصة غير حقيقية عن قتل 40 راهبًا بمنطقة رايثو "الطور" فى القرن الرابع الميلادى ذكرها نعوم بك شقير فى كتابه "تاريخ سيناء القديم والحديث وجغرافيتها " والذى يتداولها أهالى المنطقة حتى الآن باعتبارها حقيقة، وقد نقل نعوم شقير قصته عن الأحاديث المتواترة حين زيارته لسيناء عام 1905 دون التحقق من صحتها .

وقد قامت بعثة مشتركة مصرية - يابانية من منطقة آثار جنوب سيناء للآثار الإسلامية والقبطية ومركز آثار مركز ثقافة الشرق الأوسط باليابان بدراسات أنثروبولوجية بصالة الكنيسة الوسطى من الكنائس الفرعية بدير الوادى تهدف إلى إثبات صحة أو كذب رواية الراهب المصرى أمونيوس عن غزو البجاة، وهى قبائل من أفريقيا لرهبان دير راية "رايثو" وقتل أربعين راهبًا، وتمت الدراسات الأنثروبولوجية فى موسمى حفائر صيف 2001 – 2002 ، وقد قام بالدراسة الدكتور محمد فوزى جاب الله ، والدكتورة زيزفون حسين بدوى الأساتذة بكلية الطب جامعة القاهرة.

وقطع الأساتذة شوطًا كبيرًا فى دراسة معظم الدفنات القديمة داخل الدير، وأثبتوا أن أقدم الدفنات التى عثروا عليها تعود إلى العصور الوسطى وأنها دفنات لأشخاص عاديين وليس لرهبان بل إن نسبة مئوية من العظام المعثور عليها فى هذه الدفنات لنساء وأطفال وأجنة فى بطون أمهاتهم وهى النسبة الأكبر، مما ينفى علميًا رواية نعوم بك شقير، وقد تمت الدراسة على عدد 65 من هذه الرفات من جملة 35 مقبرة داخل الدير، وطريقة الدفن كانت بوضع الرفات فى صناديق خشبية واتجاه الرأس ناحية الغرب وهى دفنات لأشخاص كبار السن ونساء وأطفال ومعظم الرفات تمت لها إعادة دفن ومعظمها كانت مفتولة العضلات ربما كان لهم صلة بأحد المراكز الرياضية وأسنانهم فى حالة جيدة .

كما أثبتوا أن المقبرة الواحدة من هذه المقابر تحوى أكثر من طبقة دفن وأدخلت واحدة فوق الأخرى، ونسبة الأطفال 50% من الرفات التى تم دراستها، ومعظم النساء ماتت فى سن صغيرة ولا يوجد أى آثار لحالات قتل نهائيًا فى هذه الرفات وهى جثث لأشخاص عاديين من الذين سكنوا المنطقة القريبة من الدير، وتم إعادة دفن كل الرفات فى أماكنها بعد دراستها فى الموقع نفسه.

وأشار الدكتور ريحان إلى عثوره على جثامين راهب عام 1994 عند الجدار الجنوبى لدير الوادى بطور سيناء من الخارج على عمق نصف متر من مستوى أرضية الموقع، وهذا الراهب يرتدى بدلة لم تبلى أيضًا مكتوب عليها إنتاج المحلة 1906 وشبشب يحتفظ بلمعانه لدرجة أن عمّال الحفائر بالموقع تخيلوه شخصًا حقيقيًا وتم تسليم الجثامين إلى دير القديس جاورجيوس بتل الكيلانى بطور سيناء والمحفوظ فى كنيسة الدير حتى الآن.


وكان تفسير الدكتور ريحان لذلك أن العثور على جثامين الراهب كان وسط رمال حفظت الجثامين أو أن أجساد القديسين لا تبلى، وأشار إلى أن دير الوادى بطور سيناء أنشىء فى القرن السادس الميلادى بواسطة الإمبراطور جستنيان نفس تاريخ إنشاء دير سانت كاترين ولنفس الأسباب وهى نشر المبادىء الأرثوذكسية وحماية سيناء ضد غارات الفرس للمنافسة على تجارة الحرير فى ذلك الوقت وللحرير أهمية كبرى فى استخدامه بالكنائس وتكفين الموتى.

وأوضح الدكتور ريحان أن الدير نفسه تحول بعد أن ردمته عوامل الزمن بعد إهماله إلى مقبرة للروم الأرثوذكس القاطنين بالطور وتم العثور به على عشرات الرفات لكن كلها داخل الدير أمّا جثامين هذا الراهب فعثر عليها خارج أسوار الدير .

وأن جثمان الراهب المكتشفة بدير الوادى بطور سيناء هى جثمان الراهب جاورجيوس الذى كان يعمل فى رتبة إدارية ورهبانية داخل دير سانت كاترين (حافظ الأمانات)، وكان قد أقام فى روسيا لسنوات ثم قرر أن يأتى لديره الروحى وهو ديرسانت كاترين، ونظرًا لظروفه الصحية وعدم تحمل البرد القارس بنى قلاّية فى وادى الأربعين بسانت كاترين وعاش بها ثم جاء إلى دير الطور بالكيلانى وبدأ فى بناء كنيسة جديدة ما بين عامى (1304- 1305هـ/1886-1887م).

وتابع الدكتور ريحان أن الدير أنشئ كحصن روماني أعيد استخدامه كدير محصّن فى عهد الإمبراطور جستنيان فى القرن السادس الميلادي متوافقًا مع خططه الحربية لإنشاء حصون لحماية حدود الإمبراطورية الشرقية ضد غزوات الفرس كما أعيد استخدامه كأحد الحصون الطورية فى العصر الفاطمي كما ورد فى عهود الأمان من الخلفاء المسلمين المحفوظة بدير سانت كاترين كما عثر به على تحف منقولة هامة من العصر الفاطمي.

كشفت عنه بعثة آثار منطقة جنوب سيناء للآثار الإسلامية والقبطية في أعمال حفائر منذ عام 1985 وحتى 1993 ثم قامت بعثة مصرية - يابانية برئاسة الدكتور مؤتسو كاواتوكو بالعمل فى غربلة الرديم الناتج عن الحفائر وأعمال ترميم وحماية لعقود الدير ودراسة علمية للدير عام 1994.