الأديبة التى وظفت التلصص: شارع شريف ألهمنى فكرة روايتى

الروائية إنجى همام
الروائية إنجى همام

تدخلنا الروائية إنجى همام فى ثالث تجاربها الإبداعية «فى الليل على فراشي»، الصادرة عن دار بدائل، إلى صراع بين عالم الأبطال «الطوباوى» والواقع المعاش، بطلتها «ودود» التى تضع مسافة بينها وبين الحياة من حولها، وتعيش فى خيال دائم تمارس لعبة التلصص، سواء من نافذة بيت صديقتها المطلة على شارع شريف، أو بالتجول فى شوارع وسط البلد، لتبدو الأماكن هى الأقرب إليها من البشر، وعبر التلصص تدخل إلى عالم «رشيد» الذى اتهمه أهله بالجنون لإنغلاقه داخل عالمه الخاص، وارتباطه، وهو ابن الطبقة الوسطى، بحياة المهمشين، للأديبة روايتان سابقتان.. «موت الجدة مليكة» و»بالقرب من الحياة»،لكنها فى روايتها الأخيرة تقطع خطوة جديدة أكثرارتباطا بجوانب وجودية عبر لعبة التلصص على العالم، ترسم «إنجي» شخصيات لها صراعاتها الخاصة مع الحياة من أجل حماية عالمها المثالي، وفرضه على الواقع البائس، وفى حوارنا معها نسألها عن «التلصص» كأداة أساسية لرؤية العالم لدى البطلة فتقول: لم يخطر ببالى استخدام التلصص كتقنية للكتابة، كانت لحظة تحول لحياة البطلة، تلك المختبئة من العالم، المنكفئة على ذاتها، عندما رأت الدنيا بعيون أخرى فى لحظة ما، تكشف لها ما توارى عنها طيلة العمر، لم يسعها الاندماج دائما، فكانت المراقبة بديلا عنه.


رغم ذلك فإن بداية الرواية مع لعبة «التلصص» و»البحث» تحيل القارئ إلى «طابع بوليسي» يطغى عليه الحس الاجتماعي.. كيف ترين ذلك؟
تدهشنى بشدة فكرة الكتابة البوليسية، أو بمعنى أدق كون هذه الرواية تعطى هذا الانطباع فى البدء، ربما لبعد ذلك عن تكوينى وتفكيرى الأدبي، لم أشعر بذلك أثناء الكتابة، لكنها ملاحظة سمعتها أكثر من مرة، بالطبع الرواية اجتماعية، وهو ما كان يسيطر على تفكيرى طيلة مدة كتابتها، حتى عوالم التلصص التى اخترعتها «ودود» ما هى إلا بداية خيط لتشتبك فيما بعد بحيوات الأبطال الآخرين تباعا، كانت حركة ثورية من شخصية انطوائية تخاف الآخرين، وتبتعد قدر إمكانها عن العالم، لحظة تمرد على حالها، ولكن بشروطها الخاصة، نعم سأنزل إلى معترك الحياة، لكن دعونى أراقبها عن بعد أولا، هذا من جانب البطلة، أضيفى إلى ذلك غموض البطل، تحركاته التى كان يرغب فى إخفائها، كل ذلك جعل الأمور ملتبسة فى بدايات النص، ففكرة التلصص والإيحاء «البوليسي» سببها تركيبات الأبطال بحيواتهم البعيدة عن المألوف.


تصدرين روايتكِ بإهداء إلى شارع شريف.. هل يمكن اعتبار «وسط البلد» ليس مجرد مكان تدور داخله أحداث الرواية بل محرك أساسى فى اللعبة؟
منطقة وسط المدينة ذات حضور طاغ فى عقلى وقلبى وتجربتى الحياتية والعملية، لذا فهو أمر طبيعى أن تأتى بهذه الصفات أيضا هنا، وفى كتابات أخرى من كتاباتي، شارع شريف كان أحد أكبر الملهمين لى فى هذا النص، فقد كنتُ مثل بطلتي، أقطع هذا الشارع عشرات المرات أحيانا فى يوم وليلة، كل تفصيلة به كان لها حضور كبير فى نفسي، وانعكس كل ذلك على النص، عندما قررتُ الكتابة عن عالم المهمشين لم أجد مكانا أفضل من وسط المدينة ليحمل هذا المشروع، فهو يحوى المئات منهم، أعرف أماكنهم فيها جيدا، معظم من حضروا فى الرواية حاضرون فى الواقع بنفس البقع المكانية تماما، لهذا كله كانت وسط المدينة خيارى الأمثل فى هذا النص. 


انشغلتِ فى أعمالكِ السابقة بطبيعة العلاقات داخل الطبقة الوسطى، وانسحاق من ينتمى إليها فى دورة الحياة، فهل يمكن اعتبار روايتكِ الأخيرة متماسة مع طبيعة علاقة تلك الطبقة المقاومة بعالم المهمشين؟
الفكرة بالأساس تتعلق بأنماط الشخصيات التى أعمل عليها، فالشخصية الفنية تعبر عن نفسها قبل أى شيء، «ودود ورشيد» ليسا تعبيرا عن طبقة، هما حالات منفردة، حتى إن الناس حولهما يصمونهما بالجنون أحيانا، لم أقصد التعبير عن طبقة بكاملها، أما عن أبطالي، فقد انصهروا من طبقتهم الوسطى بأصدقائهم من المهمشين، الدراويش والمريدين من الفقراء والصعاليك، لم تعد لهم حياة أخرى خارج إطار ذلك العالم «الطوباوي» الذى كانا يحلمان بتأسيسه، حتى عندما تسرب البطل من دائرة الرؤية، حلت محله البطلة دون تفكير طويل.