نتانياهو يرفض التداوى بالعلاج المربعد عودة الرئيس الإسرائيلى

رسام هاآرتس يصور نتانياهو يكذب فى بيانه بأن مكالمته مع بايدن كانت مميزة والأخير يستعين بفريدمان
رسام هاآرتس يصور نتانياهو يكذب فى بيانه بأن مكالمته مع بايدن كانت مميزة والأخير يستعين بفريدمان

أهدر رئيس الوزراء، عدة فرص لإنهاء، أو على الأقل، التخفيف من آثار أسوأ أزمة تشهدها إسرائيل؛ «الإصلاحات القضائية». فمع تكالب الضغوط عليه داخليًا وخارجيًا، تمادى فى العناد وبات يتصرف باندفاع قطار فقد مكابحه. 


فمن ناحية تفاقمت الاحتجاجات فى الشوارع، إلى معدلات غير مسبوقة بسبب المضى فى تعديل «بند المعقولية» وهو أحد بنود قانون الهيئات القضائية، سيؤدى تعديله إلى تقليص دور القضاء تمامًا، كما تفاقم تأثير احتجاجات الشوارع بعد الزلزال الذى أحدثه خطاب موقع من أكثر من ألف جندى احتياط فى سلاح الجو يعلنون فيه امتناعهم عن التطوع بالخدمة لو تم تمرير التشريع هذا الأسبوع. المعنى العملى لهذا التحذير إذا تحقق، هو أن القوات الجوية ستخرج من الخدمة. وبعد أن كان حديث «الانقلاب العسكرى» يدور همسًا، صار صاخبًا يصم الآذان. لذلك يسعى وزير الدفاع يوآڤ جالانت لتأجيل التصويت على إلغاء سبب المعقولية فى الكنيست غدًا، خوفاً من الإضرار بكفاءة الجيش فى ظل الاحتجاج. وقد رفض الالتزام بدعم القانون إذا لم يتم رفض التصويت. وصرح بأنه «يعمل بشتى السبل للتوصل إلى اتفاق واسع، لمنع الإضرار بأمن إسرائيل وإبعاد الجيش الإسرائيلى عن الجدل السياسى».


من ناحية أخرى، لم يفهم نتانياهو الرسالة الواضحة التى جلبها الرئيس هرتسوج من واشنطن، وهى أن الولايات المتحدة قوة عظمى عالمية تعمل فقط من أجل مصالحها الخاصة. وأن أهمية إسرائيل ستبقى ذات صلة فقط ما دامت إسرائيل ملتزمة «بالقيم المشتركة» التى أشار لها بايدن وكل رجال إدارته، ويقصد بها قيم الديمقراطية، ولم يفهم تحذير الرئيس الأمريكى بأن عليه وقف التعديلات القضائية التى يعتزمها إلى أن تحظى بإجماع شعبى واسع. اكتفى نتانياهو بالمحادثة الهاتفية التى كان يتلهف عليها مع بايدن قبل سفر الرئيس الإسرائيلى لواشنطن، ويبدو أن فرحته بمجرد الوعد بلقائه، دون تحديد موعد لذلك، أصمته عن الاستماع والتقاط الإشارات فى حديث الرئيس الأمريكى، فأصدر مكتبه بيانًا صوّر المحادثة على غير ما ورد فيها، مما اضطر الرئيس الأمريكى لضبط المفاهيم فى ذهن نتانياهو وتوصيل رسالته بدقة له ولشعبه عن طريق الكاتب الأمريكى اليهودى الشهير توماس فريدمان، وحتى لا يُتهم فريدمان بتحوير الكلام يخرج بيان من البيت الأبيض يؤكد أن كل ما جاء فى مقال فريدمان يعبر تمامًا عن موقف الإدارة الأمريكية.


لم يتصور نتانياهو أن الإصلاح القضائى بمعناه الضيق هو ما يزعج الأمريكيين فحسب، بل التحول الهائل الكامل فى النفس الإسرائيلية، أو «الفجوات الآخذة فى الاتساع فى تصور الديمقراطية»، هى التى تعرض العلاقات الخاصة بين واشنطن وتل أبيب للخطر حاليًا. وأنها المرة الأولى فى تاريخ العلاقات بين البلدين، تشعر الولايات المتحدة بالقلق من أن إسرائيل لن تكون ديمقراطية بعد الآن، بسبب سياستها فى الضفة الغربية، وموقفها من الصين، والسياسات المتعلقة بالحرب الروسية الأوكرانية، وازدياد النفوذ الدينى فى إسرائيل، والخلاف مع الجالية اليهودية الأمريكية.


نتانياهو لا يرغب فى تناول الدواء المُر، فلو أرضى أمريكا والمعارضين والجيش، سيخسر ائتلافه، ومقعده أهم من انقسام البلاد.