قضية ورأى

الأقلام والأوراق .. ما أحلى الرجوع إليها

د.أحمد عفيفى
د.أحمد عفيفى

استهدف السويديون الريادة في «التعليم اﻹلكتروني» وسلموا كل طفل»آي باد» من مرحلة الحضانة في سن الخامسة ليحرروا المحتوى ويعدوا الفيديوهات ويقوموا بالتصوير والبرمجة.

وبعد مرور السنوات، وجه الخبراء والمتخصصون أصابع اﻻتهام إلى الشاشات اﻹلكترونية في التهام وقت الطالب وانخفاض مستواه الدراسي بشكل ﻻفت..

وبرغم مقومات الصدارة السويدية، إﻻ أن وزيرة التعليم»لونا أدهولم» ووزيرة الثقافة»باريسا ليليستراند» أعلنتا الثورة ضد «التعليم اﻹلكتروني» و»العودة القهقرى» إلى أدوات التعليم التقليدية (القلم-الورق-الدفتر) التي تم التخلص منها سابقا والتخلي عن «شاشات الحواسيب» و»اللاب توب» واﻷجهزة اللوحية»و»الهواتف المحمولة»، وبالتالي قطع الطريق على «تكنولوجيا التعليم» التي مافتأت أن تتنفس الصعداء ويتشدق الكل»بنظام الرقمنة» وهيمنته على العملية التعليمية والتفاخر في أركان الدنيا بأن البحث الدؤوب عن الكنز المفقود قد صادف ضالته أخيرا في تلك»الرقمنة» والتعامل التكنولوجي داخل أروقة التعليم ومؤسساته.. «ما أحلى الرجوع إليها» ..اﻷقلام.. اﻷوراق.. الدفاتر بعد أن تردت مستويات «القراءة» و»الكتابة» واضمحلت.

وعجزت أنامل التلاميذ عن صياغة الجمل واستحال على أصابعهم تدوين السطور، وزاغت أعينهم بعيدا عن»الكلمات المطبوعة» و»الصفحات المكتوبة» وانشغلت بمواقع وروابط إلكترونية خارج السيطرة لا تمت بصلة للتعليم الجاد. هكذا، باتت مطالعة الكتاب وقراءته (معدل القراءة للطالب 40 كتابا في السنة) رابعة المستحيلات مرافقة لـ»الغول»و»العنقاء»و»الخل الوفي» وساد اﻻنبطاح واﻻنسحاق التام لـ»نظم الرقمنة»واﻻستسلام الكامل لـ»تكنولوجيا التعليم».. رصدت السلطات السويدية موازنة قدرها 60 مليون دوﻻر للبدء في مشروع «العود أحمد»

وضخ رمق الحياة من جديد في القلم والورق والدفتر بعد أن لفظت أنفاسها اﻷخيرة أو كادت، في محاولة رشيدة عاقلة ﻻستعادة رونق مهارات التعليم اﻷساسية (القراءة والكتابة). لقد سبقت «السويد» الجميع وطرحت الحل الذي يخشاه الجميع بجرأة وشجاعة وإقدام واعترفت صراحة بمساوئ «الرقمنة» التي وقفت حائلا أمام تطور «مهارات التعليم».. إن المغزى واضح والمعنى ليس في بطن الشاعر والرسائل التي نتلقاها من الموقف السويدي مدوية..

أيها»الرقمنيون»..ياعشاق»التحول الرقمي»..أفيقوا..تنبهوا..فقد جاءنا الخطر من أرقى الدول في أوروبا اﻻسكندنافية حيث تقبع السويد»صاحبة السيادة» في التعليم و»صاحبة السعادة» في الحياة.. إنهم يضربون المثل في مصارحة النفس ومكاشفة الذات..

ارتفعت أصواتهم عاليا..»ﻻ لرقمنة التعليم»، فهل نملك نحن رفاهية قراراستمرارها؟ أم نحذو حذوهم ونعترف بالخطأ ونقوم بإجراء دراسات «التغذية الراجعة» للتأكد من جانبنا أن»القراءة» و»الكتابة» قد»ذهبت ولن تعود»في ظل اﻹصرار على أن «تطوير التعليم» يرتبط فقط بتغيير «الوسائل» وتبديل «اﻷدوات»دونما الغوص في بحار»المعارف» و»القيم» و»المهارات» التي من شأن»التعليم» أن ينقلها جيلاً بعد جيل.

أستاذ بكلية العلوم - جامعة القاهرة