لتنمية الثروة الحيوانية وزيادة الدخل القومي| مطالب بعودة تكليف الأطباء البيطريين

صورة موضوعية
صورة موضوعية

فى إطار ارتفاع الأسعار عالميًا، تتزايد أسعار اللحوم والدواجن بالأسواق المصرية، ويؤكد الخبراء أن السبب الرئيسي هو زيادة أسعار الأعلاف التى يتم استيرادها، ما يستلزم إيجاد حلول بديلة، مثل إجراء الأطباء البيطريين أبحاثا ودراسات وتطبيقها على أرض الواقع لزيادة إنتاجية الثروة الحيوانية وخفض الأسعار وتوفير منتج صحى للمستهلك، وكذلك توفير العملة الصعبة المستنزفة فى استيراد المنتجات الحيوانية.. ناقشنا هذه القضية مع عدد من الأطباء البيطريين فى سياق هذا التحقيق.


أهم المطالب التى اتفق عليها الجميع هى ضرورة عودة تكليفات الأطباء البيطريين بعد إلغائها منذ سنوات طويلة ليستطيع الطبيب من خلالها ممارسة عمله التخصصى بالشكل المطلوب منه، خاصة أن أعداد الخريجين يزيد سنويا وأغلبهم لا يستطيع العمل فى مجال تخصصه.

◄ البيطريون: غياب التكليف أدى لكارثة «دخلاء المهنة»

الطبيبة البيطرية دينا أحمد، تقول إن الطب البيطرى من أهم المهن المعنية بصحة الإنسان، حيث إن الدراسة بالكلية طوال خمس سنوات تشمل العديد من التخصصات التى يصب جميعها فى كيفية تحقيق سلامة الغذاء الذى يحقق الصحة للمواطنين، فيتم دراسة كل ما يتعلق بالكيمياء العضوية وعلم الأنسجة والخلايا، وكذلك دراسة كل ما يخص الحيوان من أمراض وعلاج وجراحة وتخدير، وأيضا علم التغذية بما فيه طريقة صنع العلائق والأعلاف الجيدة سواء كان ذلك للثروة الحيوانية أو الداجنة أو السمكية، من خلال تنفيذ مسائل بنسب محددة لكنها للأسف تعد دراسة ورقية فقط دون تطبيق عملى نتيجة لإلغاء التكليف.

◄ عودة التكليف
وأوضحت أنها تخرجت فى كلية الطب البيطري عام 2016 وكان لديها طاقة قوية للعمل فى مجالها وتحقيق ما تعلمته، لكنها صُدمت بالواقع لعدم وجود أمل فى التعيين، وكان الحل البديل هو العمل فى شركات الدواء كمندوب مبيعات أو فى معامل التحاليل الطبية، لذا فهى ترى أن الحل هو إعادة تكليف وتعيين الأطباء البيطريين وتهيئة الفرص المناسبة لهم للقيام بالأبحاث العلمية التى تساعدهم على صنع أعلاف وعلائق من مواد طبيعية مهدرة مثل التبن والذرة، ما يوفر المزيد من العملة الصعبة.

كما يعمل ذلك على عودة الطبيب البيطري إلى عمله بالوحدات البيطرية بدلا من غلقها أو عملها لمدة يوم أو اثنين فقط أسبوعيا لإجراء مراقبة على اللحوم دون الكشف على الحيوانات الحية أو متابعة حالتها الصحية، كما كان يحدث من قبل نتيجة عدم توافر عدد كافٍ من الأطباء يغطى هذه الوحدات فى مختلف المحافظات. الأمر الذى دعا لظهور فئة دخيلة على المهنة وانتشارها بقوة فى القرى والمحافظات وعرفت باسم «البارميديكال» ليقوموا بزيارة مُربى المواشى والدواجن ونصحهم بالدواء عند إصابة الحيوان دون معرفة السبب الحقيقى من الإصابة بالمرض، أو التنجيم بالمرض حسب مواسم السنة، فمن المعروف أن هناك أمراضا بعينها تظهر فى أوقات محددة كالحمى القلاعية التى تصيب المواشى مع بداية فصل الصيف، الأمر الذى قد يحدث كوارث حقيقية يفقد فيها المربى ثروته الحيوانية فى أيام معدودة، أو قد يُذبح الحيوان قبل أن يستكمل علاجه مما يشكل ضررا على صحة الإنسان عندما يتناوله فى صورة وجبة غذائية فيما بعد.

◄ تنمية الثروة الحيوانية
فيما ترى الدكتورة سارة الشرقاوى، الحاصلة على ماجستير فى الطب البيطرى، أن دور الطب البيطرى لا يقتصر على تنمية الثروة الحيوانية، لكنه يشمل أمورًا أخرى أهمها اكتشاف الأمراض المشتركة أو المنقولة من الحيوانات إلى الإنسان التى يمكن أن تسبب تأثيرات صحية خطيرة على البشر والحيوانات وتهدد السلامة العامة، هذا بالإضافة لدوره فى وقاية الثروة الحيوانية من الإصابة بالأمراض عن طريق فرض حجر صحى على جميع الحيوانات المستوردة الحية وأيضا منتجات اللحوم والألبان والبيض لحين التأكد من خلوها من الأمراض، وكذلك فحص اللحوم والدواجن المستوردة المجمدة والتأكد من صلاحيته للاستخدام الآدمى والتعرف على طريقة الذبح ومراقبتها والتأكد من منظومة التبريد وتحليل العينات اللازمة التى تدل على سلامة المنتج. مشيرة إلى أن غياب دور الطبيب البيطرى فى القيام بعمله أدى لوجود أمراض كثيرة تصيب الحيوان من حين لآخر.

◄ الأمن الغذائي
وتوضح: من الأمور التى تقع على عاتق الطبيب البيطرى أيضا زيادة الإنتاجية من خلال التغذية والإدارة السليمة أثناء التربية للمواشى والدواجن، ووفقا لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO)، شكلت لحوم الدواجن 62.7٪ من استهلاك اللحوم العالمى فى عام 2019، مما يوضح أهمية صناعة الدواجن بشكل عام، واعتماد كثير من الأسر عليها كمصدر رئيسى للبروتين، كما أن هناك بعض الأسر التى تعتمد عليها فى زيادة الدخل من خلال التربية والبيع، ولكن بعد ارتفاع أسعار الأعلاف عزف كثير من الأسر عن هذا الأمر. مما جعل هناك حالة من الحرمان لا سيما الأطفال الأقل من خمس سنوات هم الأكثر حرمانا فى الحصول على حاجتهم من البروتين مما أثر سلبا على نموهم وازدادت نسبة التقزم بينهم بشكل ملحوظ. ما سبق يدل على أن عمل الطبيب البيطرى لا يؤثر فقط على مستوى الطب البيطرى، لكن يؤثر أيضا على المستوى الاقتصادى والصحى والأمن الغذائى، لذا من الهام عودة مهام عمل الطبيب البيطرى ثانية فى المجازر والحجر الصحى وصناعة الأعلاف المحلية بدلا من استيرادها.

◄ نظام متكامل
وفى السياق، يؤكد الدكتور أحمد صالح، طبيب بيطرى بمديرية الطب البيطرى بالمنوفية، أن إلغاء التكليف لما يقرب من 30 عاما أدى إلى تهميش دور الطبيب البيطرى بشكل كبير وأصبح يقتصر فقط على كونه خط الدفاع الأول فى التفتيش والرقابة على جودة اللحوم والألبان والتصدى للأمراض المميتة التى قد تُنقل للإنسان، ولكن من الناحية الأخرى أصبحت الإدارة العامة تفتقد نظاما متكاملا يبحث عن حلول لزيادة تنمية الثروة الحيوانية وتوفير ناتج قومى يُغنى عن الاستيراد تماما خاصة أن مصر تتوفر بها كل العوامل الطبيعية والصناعية التى تسمح بذلك، وكل ذلك لا يتم إلا بإعادة النظر فى تكليف وتعيين عدد كافٍ من الأطباء البيطريين مرة أخرى الذى يتم على أساسه زيادة الدخل القومى بنسبة لا تقل عن 20%.

◄ إيجاد بدائل للأعلاف هو الحل لتقليل وإيقاف الاستيرد

◄ الحلول
وأشار صالح إلى أن ذلك يتم من خلال حفاظ الطبيب البيطرى على صحة الثروة الحيوانية عن طريق صنع الأمصال التى تقى الحيوان من الإصابة واتباع طرق العزل السليمة لمنع العدوى والأمراض التى قد تقضى على 10 - 15% من الثروة الحيوانية فى مصر سنويا، كما لابد تعيين طبيب بيطرى فى أماكن الخدمات العامة كالمطاعم والفنادق ومحلات الجزارة والمحلات الكبرى للمراقبة على جودة الأطعمة المقدمة للمستهلكين، فلا يصح بأى شكل من الأشكال أن تضم محافظة القاهرة عددا يقرب من 24 طبيبا بيطريا فقط للإشراف على الأماكن التى سبق ذكرها مما يثبت وجود عجز كبير فى عدد الأطباء المعينين وضعف الرقابة على المنتجات. 

◄شيرين زكي: الطبيب البيطرى جندى يحارب للحفاظ على الثروة الحيوانية

◄ البورصة الحكومية
من جانبها، توضح الدكتورة شيرين زكي، وكيلة النقابة العامة للأطباء البيطريين رئيسة لجنة سلامة الغذاء بالنقابة، أن كليات الطب البيطرى تعمل على المساهمة بالمناهج العلمية والمحاضرات والتدريب العملى على علاج الحيوان وطرق التغذية السليمة التى تساهم فى نمو القطيع وعلاجه من الأمراض، لذا لابد من التعاون مع وزارة الزراعة المنوطة بتنمية الثروة الحيوانية وقيام الخبراء والمختصصين بدورهم فى ذلك من خلال الحفاظ على السلالات البلدية الأصيلة، مشيرة إلى أن السبب الرئيسى لزيادة أسعار اللحوم هو الاعتماد الكلى على استيراد الذرة الصفراء وفول الصويا كأعلاف للمواشى بأسعار ترتفع يوميا، بعد رفض المربين استخدام الذرة المحلية لوجود نسبة رطوبة عالية بها تتسبب فى إصابة القطيع بالطفيليات، الأمر الذى يستدعى إيجاد طرق أخرى لتخزين الذرة بحيث إنها لا تصيبها سموم فطرية تؤثر على القطيع، وبالتالى تؤثر على الإنسان عند تناول اللحوم، فضلا عن وجود العديد من الأبحاث الحديثة التى يمكن من خلال توافر أعلاف بديلة للذرة وفويا الصويا وتحتوى على بروتين يعادلهما تماما وبأسعار زهيدة جدا ومناسبة للزراعة فى البيئة المصرية والمدن الصحراوية.

وترى أن الطبيب البيطرى مجند فى سبيل الثروة الحيوانية والحفاظ عليها وكذلك الحفاظ على صحة غذاء الإنسان، لذا يجب أن يكون تكليف الطبيب البيطرى إلزاميًا ويُعاد النظر فى إعادة تعيينه، مع وضع قانون لمعاقبة وتجريم الدخلاء على المهنة وتغليظ العقوبات عليهم بمدد تصل للحبس لما يحدثونه من ضرر يؤذى الحيوان وبالتالى يعود بالسلب على الإنسان.

وتؤكد الدكتورة شيرين أهمية تفعيل البورصة الحكومية سواء كانت بورصة الدواجن أو اللحوم وأيضا البيض لتكون بورصة استرشادية لأسعار البيع وينشط على أساسها الجهات المعنية من حماية مستهلك ومباحث التموين للرقابة على الأسواق ومنع جشع التجار.