هبة جمال الدين تكتب: الأفروسنتريك بين الأمن القومي والتخطيط 

أ.د هبه جمال الدين 
أ.د هبه جمال الدين 

ما بين فيلم نتفليكس وكليوباترا الافريقية وباربي المصرية الزنجية نقف متعجبين هل هي زوبعة في فنجان تنتهي بمجرد انتاج فيلم مماثل عن كليوباترا وفقا للرواية الحقيقة ورفض باربي الزنجية ، أم أن الأمر أبعد وأخطر من هذا، هل يحتاج لجهد أكبر وتحرك لكل مؤسسات الدولة وما الذي يحدد طريقة التحرك ؟
هل اجتهاد أم بناء علي دراسة موضوعية تبني عليها استراتيجية كاملة للحركة؟، أم هي مجرد حركة عابرة جهود فردية ليس أكثر  أو أقل . وإن لم تكن كذلك لماذا ظهرت الان ولم تظهر من قبل فالحضارة الفرعونية من الاف السنوات ؟ واذا لم نضخم أو نقلل من حجمها هل لها تبعات اقتصادية واجتماعية وسياسية وأمنية؟

قد تكون التساولات أكثر من ذلك بكثير ولأكون منصفة ، الإجابة سريعا لن تحقق المرجو فهي حركة جد خطيرة ، ولا تستهدف إلا الحضارة الفرعونية كمحاولة لرد اعتبار المركزية الافريقية بسبب العنصرية الغربية ضدها خلال الحقبة الاستعمارية وعصور الاستعباد، فالأمر يحتاج لما هو أبعد ولكن دعوني اقف علي عدد من النقاط الرئيسة التي علينا الانتباه لها وبحرص شديد:
- ترفع الافروسنتريك شعارات المظلومية بسبب العبودية والقهر الذي تحمله الزنوج قديما من الرجل الأبيض فهل تتشابه مع المظلومية الصهيونية التي حملت المحرقة فوق رأسها لإقامة وطن قومي لليهود علي أرض فلسطين ودعمها العالم الغربي بسبب الشعور بالذنب. فالمظلومبة كانت مطية للحركة الصهيونية للاستيلاء علي الارض.
- تزييف التاريخ: تقوم رواية الافروسنتريك علي تزييف الوجود المصري واعتبار الحضارة الفرعونية أم الحضارات بالعالم أفريقية سوداء وأن الفراعنة أفارقة كما يدعون . نفس الرواية الصهيونية بأن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا ارض وأنهم الشعب صاحب الارض وأن دولتهم قامت منذ الاف السنوات معتمدين علي ادلة زائفة غير واقعية . 

- الشعب الاصلي: يرفع الافروسنتريك رواية جينية زائفة بأنهم بالجينات أصل الحضارة الفرعونية ويطالبون بفحص جيني لجينات المميوات الفرعونية ، الأمر الذي رفضه د زاهي حواس بجامعة فيلاديلفيا من قبل ، حيث يدعون أن سكان شمال افريقيا لم يكونوا من الشعوب الملونة ، وأن الحضارة الفرعونية هي حضارة إفريقية مصرية قديمة للدولة الممتدة من جانب الأثيوبين والنوبة . نفس الرواية يدعيها الصهاينة بأن أبحاث الجينات تؤكد أنهم الشعب الاصلي ويكذبون حول اصول الشعب الفلسطيني المرابط.
- الدعم الامريكي: تدعم الولايات المتحدة مطالب الافروسنتريك فزيارة اوباما عام ٢٠٠٩ للاهرامات وظفتها الحركة مدعية أنه نموذج للحركة وقد وجد رسومات بالاهرامات قال أنها تشبهه وروجت بأنه تجسيد لاخناتون ، وبدأت الحركة في توظيف تلك الرواية وقاموا بإنشاء جامعات ومنظمات عابرة للحدود ، ويملكون للتمويل ويدعون بوجود ايديولوجية فكرية تطرح مقولاتهم وتحثهم علي الحركة. نفس الحال تجاه الحركة الصهيونية المدعومة أمريكيا والتاريخ طويل. ورغم أن الدعم نفعي للوصول لهرمجدون،  فنفس الحال مع الافروسنتريك فالدعم نفعي كأحد ادوات التقسيم للوصول لسايكس بيكو الجديد ومحاولات تأجيج ملف النوبة ،ومطالبتهم بفك الارتباط التاريخي بينهم وبين الدولة المصرية.
- النفوذ ومصادر التأثير: هذه الحركة لا تشمل القارة الافريقية ولكنها حركة امريكية للامريكان من أصل افريقي فأعددهم ليست بالكثيرة كذلك الحال بالنسبة للصهاينة فهم قلة عددية ولكنها قلة مؤثرة وهذا هو مجال الاتفاق بينهما فالاعلام والمنظمات العابرة للحدود هي أدوات التأثير التي يمتلكونها لذلك فأصواتهم عالية.
هنا علينا التوقف والتساؤل ؛ هل كل هذا التشابه تشابه عفوي ؟ أم أنها حركة منظمة توظفها القوي العالمية المتجسدة في الولايات المتحدة التي تدعمهم كأداة لسايكس بيكو الجديد حيث توظف علم الاثار الجينية genomic archeology الذي يطالب بإعادة كتابة التاريخ والجغرافيا وفقا لنتائج الحمض النووي للوقوف علي الشعوب الاصلية وإعادة ترسيم الخرائط وفقا للجينات وهذا ما يطالب به عدد كبير من مراكز الفكر الامريكية كمركز American Enterprise Institute وجامعة هارفارد وشيكاغو وفلوريدا وبنسلفانيا لتفعيل اتفاقية الشعوب الاصلية التي تعطي حق الارض والاقتصاد للشعوب التي يثبت جينيا وتاريخيا أنها الشعوب الاصلية وهذا ما يحاول الافروسنتريك تحقيقه عبر تزييف التاريخ الان وخلق رأي عام داعم وحركة مؤيدة وقوي شبكية محركة. 
فالأمر لن يقف علي حد فيلم او عروسة او برنامج حواري وأنما الزخم أخطر وأعمق 
.
في ظل سعيهم للظهور أمام العالم كنظرية للمعرفة تتمحور حول العرق الافريقي ، وتقف ضد كل من يرفضها متهمة اياه بالعنصرية والبربرية وفقا لادعاءات موليفي أسانتي الذي اتهم العرب بتدمير الحضارة والاضرار بالقارة الافريقية. 
ومع معرفتنا بدعم ناصر لحركات التحرر الافريقية ، ولكنهم اعتبروها حقبة انتهت مع اتفاقية السلام التي جعلت مصر تتخلي عن دورها في دعم القارة الافريقية ، لذلك بدأت جذور الحركة في الظهور بقوة بعد انتهاء الحقبة الناصرية ولكن صوتها العالي الان لانها أحد أدوات تغيير الخريطة بالمنطقة موجهة ضد مصر رأس الحربة.

في الواقع التصدي لهذا المخطط يحتاج لدراسة متعددة التخصصات Interdisciplinary ما بين السياسية والجينية والجغرافية وعلماء الاثار والتاريخ والاجتماع والاعلام والتخطيط لبحث جذور الحرك ومقولاتها وتفنيدها ، وصياغة استراتيجية للتحرك، كي يتم مجابهتها بشكل علمي وهذا ما يمكن لمراكز البحثية كمعهد التخطيط القومي الاطلاع به في ظل امتلاكه لمختلف التخصصات وتوظيفه للسيناريوهات المستقبلية.

أ.د هبه جمال الدين
استاذ العلوم السياسية والدراسات المستقبلية 
بمعهد التخطيط القومي وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية