المسيح فى الصعيد.. «الأخبار» تتتبع خط سير العائلة المقدسة بجنوب مصر

تراث مثير من حكايات ومعجزات 4 شهور فـى ملوى| الأشمونين.. الآلهة الوثنية تتهاوى

تراث مثير من حكايات ومعجزات 4 شهور فــــــــى ملوى
تراث مثير من حكايات ومعجزات 4 شهور فــــــــى ملوى

 هنا التاريخ ..

هنا الحضارة والبركة.. هنا الاشمونيين كوم ماريا و دير ابو حنس.. هنا ملوى التى نالت بركة زيارة العائلة المقدسة شرقاً فى أنصنا، وغربًا فى الأشمونين، وفى أربعة مواقع تاريخية لهذه الزيارة المقدسة لأرض مصر، ملوى كانت الوجهة الثانية للسيد المسيح والعذراء فى المنيا.. الجميع يتقنون الحديث باللغة القبطية تلك اللغة الدارجة بين الآباء والأبناء، حتى أنهم خصصوا يوما سنويا للاحتفال بها..

تل وكنيسة وبئر ونخلة هى العلامات الباقية من الرحلة المقدسة فى هذه البقعة المباركة من الصعيد الجوانى ..

تل استراحت عليه السيدة العذراء من عناء الرحلة وبئر فجرها الله عز وجل لترتوى وتشرب منها وكنيسة تتم ممارسة الشعائر الدينية بها ..«الأخبار» فى مركز ملوى لزيارة تلك الأماكن المباركة.

قبل السفر إلى تلك الرحلة كنت قد بدأت فى الإعداد لاغلب المناطق والقرى والأديرة التى باركتها العائلة المقدسة خلال رحلتها فى مصر، وأكثر ما جذب انتباهى اثناء التجهيز لرحلة المنيا هو مركز ملوى ليس فقط لأنه يحتوى على 4 مواقع زارتها العائلة وإنما لاهتمام هذه المدينة بالحفاظ على هوية اللغة القبطية من الاندثار والمعروف أن اللغة القبطية هى تطور للغة المصرية القديمة، بعدها ظهرت اللغة القبطية وكانت لغة التواصل بين المسيحيين المصريين، واستخدمت للكتابة الدينية والأدبية فى العصور الوسطى..

ونظرا لاحتفاء المدينة باللغة القبطية قامت بتخصيص يوم كل عام للاحتفال بها، وفى هذا اليوم يتحدث الجميع بهذه اللغة فقط، كما تقام مسابقة رسمية داخل مطرانية ملوى للطلاب والتلاميذ لتقديم الكورال القبطى والعروض المسرحية باللغة القبطية.. حالة استثنائية يشهدها ملوى أثارت بداخلى الفضول للكشف عن مصدر واسرار الاهتمام المركز بهذه اللغة، وبعد البحث عبر موقع «جوجل» وسؤال الأصدقاء من كبار الباحثين فى الشأن القبطى علمت ان السبب يرجع إلى الأنبا ديمتريوس مطران ملوى وأنصنا والاشمونين ورئيس دير أبو فانا ودير البتول، شعرت بالدهشة عندما علمت أن الأنبا ديمتريوس حريص على التحدث  مع عائلته باللغة القبطية.

فى الساعة التاسعة صباحا انطلقت فى رحلتى من دير جبل الطير إلى مطرانية ملوى ربما قطعت المسافة حوالى ساعة ونصف الساعة كان الطريق شاقا للغاية ليس لأن الطرق غير ممهدة ولكن لأن طريقنا كان عبر المحاجر، عدت سريعا من أفكارى التى نال منها عمال المحاجر، على صوت آلة التنبيه التى تنطلق لتحذير إحدى السيارات المارة، كنت حينها استرخى على الكرسى الخلفى للسيارة اختبأ من حرارة الجو ببعض نسمة الهواء الباردة التى انطلقت من مكيف السيارة وتلطف بنا.

وصلنا مركز ملوى ومنه الى مكان الاقامة للاستراحة، بدأت ترتيب مسار اليوم. موعد إجراء الحوار مع الانبا ديمتريوس سيكون فى الثامنة مساء، امامى اذن وقت كاف لزيارة عدد من القرى المجاورة التى نالت بركة العائلة المقدسة.

خلال الزيارة سمعت العديد من الروايات والحكايات التى شهدتها كل قرية ووثقها التراث المسيحى بعد ان توارثها الأبناء جيلا بعد جيل.

فى الطريق إلى قرية الاشمونين تشعر وكأنك تدخل كتاب تاريخ قديم مليء بالمعجزات والأسرار والحكايات، فقد كانت عاصمة الإقليم الخامس عشر من أقاليم مصر العليا، والذى يعرف بإقليم الأرنبة، بين أحضان تلك القرية تجد نفسك تشعر وكأنك فى إحدى مدن مصر القديمة، كان اسمها باللغة المصرية القديمة «خمنو» التى تعنى ثمانية لأن أهلها كانوا يعبدون ثمانية آلهة وكان أكبرهم تحوت المرموز إليه بطائر اللقلق «أبو منجل»، وقد تطورت الكلمة فصارت تكتب باللغة القبطية، وقد اندثرت هذه المدينة وحلت محلها مدينة أخرى باسم الأشمونيين، وتعنى الأسماء القبطية الجديدة «الثمانية الثانية» أو «أشمون الثانية»، والمدينة تجاور أطلال مدينة خمون الفرعونية، وقد كانت مقرًا لعبادة «الإله تحوت»، إله الحكمة.

التقينا الاب باسيليوس كاهن كنيسة السيدة العذراء بالقرية الذى تحدث عن الأشمونين قائلا إنها تعد محطة رئيسية فى رحلة العائلة لأنها كانت شاهدة على معجزاتها فى مصر، بعد أن جاءت من جبل الطير بمركز سمالوط، وعند دخولها الأشمونين ارتجفت الأوثان وسقطت على وجهها، وهو ما أغضب ما يعبدونها، كما كان أهل هذه القرية يعبدون حصانًا من النحاس يضعونه أمام مدخل المدينة لحراستها فسقط أيضا، وقد أقام السيد المسيح فيها 4 أشهر، صنع خلالها معجزات وعجائب كثيرة، منها شفاء المرضى وإخراج الشياطين.. أثناء الحديث كنا نصعد عدد من درجات السلم الاسمنتى حتى وصلنا إلى الكنيسة الأثرية والمعروفة باسم «كنيسة العذراء مريم والشهيد ودامون الارمنتى» وأضاف الأب باسيليوس أن هذه الكنيسة ترجع إلى القرن الخامس وتقف بين أطلال دير قديم على تبة (تل) ترابى يرتفع ١٣ مترا عن سطح الأرض، ويطلق عليها أهل القرية «الكوم» وهى كنيسة صغيرة لا تتعدى مساحتها 70 مترا مربعا، وقريبا تم ترميمها ودعم الكوم (التل) الترابى الذى ترتكز عليه دون هدم التراب الأصلى لها، وأضاف أن التاريخ القبطى يذكر أن "الأشمونين" ترتبط بـ"القديس وَدامون الارمنتى" وكان شابا من مدينة أرمنت، وعندما سمِع عن معجزات الطفل يسوع بالأشمونين، قرر الذهاب إليه، وبالفعل التقاه هناك وقد باركه السيد المسيح وتنبأ له بالاستشهاد، وعندما عاد «ودامون» إلى بلده، سمِع كهنة الأوثان بأمره واغتاظوا بشدة وقتلوه، ولذلك سميت الكنيسة باسمه.
وأضاف الأب باسيليوس أن الأشمونين ذات تاريخ قديم وهى صاحبة قيمة أثرية وتاريخية هامة، حيث ظلت مزدهرة على طول التاريخ الفرعونى والعصر اليونانى الرومانى، ويوجد بها بقايا مدينة أسسها الإمبراطور هادريان وبها 4 تماثيل ضخمة للإله "تحوت" على شكل قطه.. كما انها تحتوى على العديد من المعابد الاثرية.

غادرنا الكنيسة الأثرية وعدنا إلى مطرانية ملوى الساعة السادسة مساء شاهدنا شوارع هذه المدينة المزدحمة ببقايا الآثار والمعابد وحكايات وأسرار التاريخ، جلست أستعد لحوار الانبا ديمتريوس مطران ملوى، وأحاول استرجاع ما قرأته عنه قبل الزيارة.