«مَبْعُوثٌ أَخِير» قصة قصيرة للكاتبة ملك ياسر جميل

الكاتبة ملك ياسر جميل
الكاتبة ملك ياسر جميل

قبطاني العزيز، ومنقذي الأوحد، ومؤنس وحشتي في غيبته، منّي إليك بعد إنقطاع أخبارك عنّي: مضى يا عزيزي علي فراقك قرابة الحول، مرّ عليّ دهرًا كاملاً دهس بكل أثقاله فُتَات روحي فأفنى ما بقى فيّ من هشيم الأمل ... أمل لقياك.

حولٌ مضى منذ هجرتك وسفينتك أو لأصدقك القول منذ ذبحت نفسي بسكينٍ صدئة فلم تَقْوى على قتلي أو أن تهب نفسي خلاصها. حولٌ لعنني فيه المحيط بعد إسلامي آخر رسائلك ... قذفني إلي مكانٍ ما لا أستطيع فيه أن أميز شيءً عن سواه، ليس كجزر اليأس التي سبق وقطنتها؛ صحراءٌ لا تشبه صحراء عينيك المُبْتَلَّة ... بل قفراء حُصِرت بين شاطئين؛ بحرٌ لا يمتُّ بصلةٍ لمحيطنا المعهود ... بل حَلْكٌ يمتد لما لا نهاية. أمواج رمالٍ تتلاطم، تتلاشى وتعود، تثور وتهدأ سجيتها غريبة؛ كثبان مياه تأتي وتذهب من العدم، تتغير مواضعها بين عشيّةٍ وضحاها مائة مرّة.

خِلْتُ يا عزيزي أنني قد ولجت بحور الظلام وأنّ تاورت ستأتيني في أيّة لحظة تحمل شعلتها لتبدد كل ما أراه وتنجيني من الضياع في عواصف سِتْ. خِلْتُ نفسي هالكًا قد بُعِث وفق أساطيرٍ فِرعونية، لكن أين هي ماعتٌ وريشَتُها؟ تُرى إن أَتَتْ سيرْجَح قلبي أم يصحبني حورس إلى نعيم أوزوريس لأحيا به أَبَدَ الآبدين؟ وماذا إذا رَجَح أحقًا ينتهي بي المطاف طعامًا لأمِّت؟ أيجوز الفناء بعد الفناء؟

 

كلها افكارٌ عصفت بِفِكري لتُشْغِلَني عنك، وأَنَّى لها تفعل وقد ذكرتك كُلّما أغفلت عَيْني. أفقْتُ يا عزيزي بين براثن أمت، أفقْتُ قبل أن ألقى خلاصي منك، حَكَمْتَ عليّ بالهلاك في رِيِّ صحرائك، وحَكَم المحيط أن يحُول دون هلاكي، وها أنا ذا بين حُكمَيْكما أَتجرّع العذاب.

خِتام القول يا عزيزي: لا تشغل بالك بحثًا عنّي.. فَلَنْ يُجْمَع شَمْلنا، ستُؤْنِسني وحدتي في غيابك حتى ألقى حتفي، لكن أرجو منك أن تَأنس بغيرى، صُن عَهْدًا قَطَعْته عليك بالإبحارِ دوني، علَّك تتعَثّر في غريقٍ أهوج وتنجيه صحراءُ عينيك.

ألقاك في حياتنا الأُخرى

اقرأ أيضًا|  «كلاكيت .. أول مرة».. قصيدة للشاعر عادل محمد علي