بدأت فى مصر بفترة الثمانينيات على يد علماء مركز البحوث الزراعية

«الأزولا».. رحلة البحث عن بديل العلف

الأزولا
الأزولا

■ كتب: ياسين صبري

رحلة البحث عن بديل مناسب للعلف المُصنَّع، لم تبدأ فى السنوات الأخيرة التى شهدت ارتفاعًا ملحوظًا فى أسعار العلف الذى تستورده مصر من الخارج بالعملة الصعبة، لكنها بدأت فى حقبة الثمانينيات من القرن الماضى، من خلال مهمة علمية فى جنوب شرق آسيا، قام بها العلماء الأوائل فى معهد بحوث الأراضى والمياه والبيئة، التابع لمركز البحوث الزراعية، حيث تم جلب نبات الأزولا، الذى يعد أفضل بديل للعلف، بل إنه يصلح كعلف للدواجن والأسماك والماشية.. أصل الحكاية وجذورها نتعرف عليها فى السطور التالية:

◄ خبراؤنا جلبوه من جنوب شرق آسيا أثناء مهمة علمية

◄ يصلح للدواجن والأسماك والماشية ويوفر العملة الصعبة

يكشف لنا الدكتور رضا الشحات، أستاذ الميكروبيولجيا الزراعية بمعهد بحوث الأراضى والمياه والبيئة، تاريخا بحثيا طويلا قضاه العلماء المصريون فى دراسة نبات الأزولا: علماؤنا وأستاذتنا الأوائل فى معهد بحوث الأراضي والمياه والبيئة لهم الفضل فى إدخال هذا النبات لمصر، بعد ذهابهم لجنوب شرق آسيا فى مهمة علمية بمزارع الأرز هناك، وعند وصولهم للمزارع ومعاينتها شاهدوا نبات الأزولا للمرة الأولى الذى كان يُستخدم فى تثبيت الأزوت الجوى، أى أنه يقوم باستخلاص وتثبيت عنصر النيتروجين الموجود فى الهواء، ويحوله لصورة أمونيا ونترات وأحماض أمينية، تتحوّل فى النهاية لسماد حيوى بديل لاستخدام كيماويات، بعد ذلك تم جلب هذا النبات إلى مصر فى ثمانينيات القرن الماضى وبدأت التجارب عليه.

قبل ذلك التوقيت عرفت مصر استخدام نوع آخر من نبات الأزولا يعرف بنولوديكا فى العهد الملكى فى أعالى النيل بالسودان .

وأضاف: بعد جلب الأزولا من الخارج تم تنميته فى البيئة المصرية وعمل تجارب عليه، واستخدم فى البداية على محاصيل القمح لفوائده فى تغذية النبات كسمادٍ عضوى، وبعدها استُخدم كعلف متعدد الاستخدام، وهناك رسائل علمية بهذا الصدد تم تقديمها بالفعل على مدار 30 عامًا.

◄ اقرأ أيضًا | الزراعة: تحليل حوالي 1650 عينة أعلاف خلال شهر

◄ أبحاث برسيلوت
أما قصة الأزولا تاريخيًا فهى أبعد من ذلك بكثير، ففى أوئل القرن التاسع عشر، أجرى عالم النباتات الفرنسي جان برسيلوت، دراساتٍ مكثفة حول عدد من النباتات فى منطقة الأمازون، بهدف البحث عن نباتات يمكن استخدامها فى الأغراض الطبية .وكان من بين النباتات التى تم اكتشافها «الأزولا»، الذي يعد واحدا من أهم النباتات لقيمته الغذائية وفوائده الطبية المنشطة، حيث تمكن برسيلوت فى إحدى رحلاته من الحصول على هذا النبات وإعادته معه إلى وطنه الأم .

ولم يتوّقع برسيلوت في البداية أن ينمو هذا النبات مع طبيعة المناخ فى بلاده، لكنه تفاجأ بأنه ينمو بسرعة كبيرة بعد أن تأقلم مع طبيعة التربة والمناخ الفرنسى، بعدها تم تسويقه على أنه نبات فعّال فى محاربة التوتر والقلق والإرهاق، واستُخدِم أيضًا كمكملٍ غذائى، ثم استُخدِم فى مزارع دول آسيا كسمادٍ طبيعى يمتص الأزوت الجوى ويمد المحاصيل بالمغذيات الطبيعية، قبل أن يُستخدم لاحقًا كعلفٍ متعدد الأغراض .

ويتم تربية نبات الأزولا على سطح الماء فى أحواض مخصّصة، ويحتاج فقط إلى الشمس وبعض العناصر المغذية لينمو بشكل جيد، ويمكن استخدامه بعد ذلك بشكل مباشر كعلف، أو يُجفف ويُضاف مباشرة للأعلاف كمكملٍ غذائى .

◄ الأزولا والحرب الأوكرانية
ومؤخرًا اتجهت الأنظار إلى نبات الأزولا مجددًا، فمن المعروف أن مصر تعانى نقصًا كبيرًا فى إنتاج محاصيل الأعلاف على اختلاف أنواعها لا سيما الذرة الصفراء وفول الصويا، لذا تلجأ للاستيراد من الخارج بالعملة الصعبة لسد احتياجات السوق المحلى. ومع نشوب الحرب الروسية الأوكرانية، تراجعت واردات الأعلاف عالميا وارتفعت تكلفة شحنها، ما أدى لارتفاع أسعارها بصورة قياسية فى مصر جراء نقص الكميات الواردة التى عادة ما تكون فى حدود 4.5 مليون طن من فول الصويا، و8 ملايين طن من الذرة الصفراء سنويًا. 

هذه الأزمة دفعت إلى التفكير فى بدائل محلية يمكنها المساهمة فى سد الفجوة الإنتاجية ووقف الضغط على العملة الصعبة لدى مصر التى تعتبر من أكبر مستوردى الأعلاف بمنطقة الشرق الأوسط، وهنا برزت فكرة التوسع فى زراعة الأزولا الذى يعتبر من الزراعات العلفية الحديثة والواعدة، حيث ينفرد بمزايا اقتصادية وغذائية تؤهله لأن يكون البديل المستقبلى لبعض أنواع الأعلاف الأساسية .

■ د. إيمان أبوالرخا

◄ طرق الزراعة 
الدكتورة إيمان أبوالرخا، الباحثة بقسم الميكروبيولوچي، بمعهد بحوث المياه والأراضى والبيئة توضح طرق زراعة الأزولا التى تتم على أحواض مصممة وفق مقاييس محددة حسب الاحتياجات الخاصة بكل مزرعة، فيمكن أن تكون المساحة مترًا فى متر ويكون ارتفاع الحوض 40 سم، بحيث يوضع 10 سم من التربة و20 سم من المياه، ثم يتم فرش بادئات الأزولا على سطح المياه وتغذيتها بالمحاليل المغذية إلى أن يتم حصادها بعد فترة تتراوح من 3 إلى 5 أيام على حسب درجة الحرارة ومستوى الضوء الذى يصل إلى النبات 

وتابعت: فى حالة الأرض شديدة الملوحة نقوم بعمل حوض مياه بارتفاع 20 سم مع وضع ربع ملعقة مع المحلول المغذى، وبعدها يتم فرش الأزولا على سطح الماء ويُحصد بعد نموه ثم يحلل معمليًا لقياس جودته واحتوائه على العناصر الغذائية الملائمة لاستخدامه كعلف .

يتم جمع الأزولا يدويا أو بمصفاة خاصة عند حصادها ويتم تجهيزها بعد ذلك حسب الاستخدام، ففى حالة إطعامها للطيور المائية مثل البط أو الأسماك يمكن أن تقدم بصورتها الرطبة بنسبة تصل إلى 100٪. أما إذا كانت ستسخدم كعلف للدواجن فيتم تجفيفها لمدة يوم بنسبة مكوِّن يصل لـ60٪، وإذا كانت ستقدم كعلف للأرانب والطيور فتجفف بصورة كاملة.

ويُستخدم الأزولا أيضًا فى معالجة المياه، فيمكن زراعته على مياه الصرف الزراعى للاستفادة من المواد الغذائية الموجودة به، ويمكن إعادة استخدام هذه المياه فى الرى أو الزراعة أو تسميد الزراعات والأشجار. ويوجد حوالى 7 أنواع من نبات الأزولا على مستوى العالم، وتم إجراء تجارب عليها جميعًا داخل المعهد، ولكن الصنف الأكثر مناسبة للظروف هو «الأزولا باناتا» الذى يُباع للمزارعين.

■ د. محمد الخولي

فيما أوضح الدكتور محمد الخولي، مدير معهد بحوث الأراضي والمياه والبيئة، أن نبات الأزولا بدأ التركيز عليه مؤخرًا من جانب القطاع الخاص نتيجة ارتفاع أسعار الأعلاف، وقال: دورنا كمركز بحثى هو إمداد كل من يريد البدء في نشاط زراعة الأزولا بالخبرة والمهارة اللازمة، علاوة على توفير بادئات النبات من المعهد التى توضع بعد ذلك فى الأحواض المائية حتى يتم حصادها وتجفيفها.

وأوضح: عند احتساب كميات المياه التى يستهلكها الأزولا وجدناها مرتفعة، فهى أربعة أضعاف النسبة التى تستهلكها محاصيل مثل البرسيم وفول الصويا، وهذا يعتبر التحدى الأصعب الذى واجهنا عند زراعته، كما أنه لا ينمو بكفاءة إلا على المياه العذبة التى تقل درجة ملوحتها عن 500 جزء فى المليون، لذا بدأنا تجارب مع القطاع الخاص بمنطقة العادلية فى بلبيس، حاولنا من خلالها خفض كمية المياه المستهلكة فى زراعة الأزولا، وتقليل عمق الأحواض المستخدمة لزراعته، إلى جانب عملية الأقلمة بحيث يتحمل النبات نسب ملوحة تتراوح بين 900 إلى 1800 جزء فى المليون. ولا تزال عملية الأقلمة لهذا النبات مستمرة لنرفع الإنتاجية على كميات أقل من المياه بها نسبة ملوحة.

◄ زراعة مربحة 
من جانبه، يقول محمد عبدالتواب (صاحب مزرعة لإنتاج الأزولا): بدأت زراعته قبل 6 سنوات، وحينها كنت أبحث عن مصدر دخل إضافى، فكان إنتاج الأزولا هو الحل الذى علمت به عن طريق المصادفة، فكنت من أوائل من قاموا بزراعة وإنتاج الأزولا من القطاع الخاص، وكان عددنا ممن اختاروا العمل بهذا المجال قليلا جدًا. والآن أصبحت المعلومات متاحة للجميع بشأن إنتاج الأزولا بعدما كانت تُمنح فى السابق بمقابل مادى وهو ما عرّضنى فى بداية الأمر لخسائر، ولكن بعد ذلك تفوقت فى إنتاجه .والأزولا يعتبر من الزراعات المربحة، فمعدل الإنتاج مرتفع والفدان يطرح حوالى 600 كيلوجرام يوميًا، أى أكثر من 15 طنا شهريًا، بمتوسط سعر بيع للطن الواحد من 2500 إلى 3500 جنيه.

ويؤكد أن نبات الأزولا يوفر حوالى 50٪ من قيمة استهلاك العلف المُصنَّع الذى يتم شراؤه، وإذا تم الاهتمام بإنتاجه عبر البحوث العلمية سنخرج بنتائج توفر حوالى 90٪ من قيمة استهلاك العلف المصنع.