«ديمون كوبرهيد» ..الرواية التى ولِدت كينجسلوفر لتكتبها

«ديمون كوبرهيد» ..الرواية التى ولِدت كينجسلوفر لتكتبها
«ديمون كوبرهيد» ..الرواية التى ولِدت كينجسلوفر لتكتبها

بعد قُرابة شهر من فوزها بجائزة البولتزرالأمريكية لعام 2023، مناصفة مع رواية إرنان دياث، «ثروة»، فازت رواية الكاتبة الأمريكية باربرا كينجسلوفر «ديمون كوبرهيد» بجائزة أدب المرأة الروائى لعام 2023، وهى جائزة تُمنح لأفضل رواية كتبتها مؤلفة ونُشِرت فى المملكة المتحدة خلال العام ذاته. 


«ديمون كوبرهيد» هى مُعالجة أمريكية مُحدَّثة وقوية لرائعة تشارلز ديكنز «ديفيد كوبرفيلد» وكينجسلوفر هى أول كاتبة تنال هذه الجائزة لمرتين، بعد فوز روايتها «الثغرة» بنسخة الجائزة باسمها السابق، جائزة أورانج للأدب، فى عام 2010.


ترأست المذيعة والكاتبة لويز مينشين لجنة التحكيم لهذا العام، وضمت، بالإضافة إليها، الروائية راشيل جويس والصحفية والكاتبة بيلا ماكى والروائية والقاصة إيرينوسن أوكوجى والنائبة العمالية توليب صديق. وصفت مينشين «ديمون كوبرهيد» بأنها «كتاب ضخم وقوى ومهم للغاية، يكشف أمريكا الحديثة، وأزمة المخدرات الأفيونية والإجحاف الذى تتعرض له المجتمعات المحرومة والمهمشة، ويتناول مواضيع عالمية - كالإدمان والفقر، والأسرة، والحب، وقوة الصداقة والفن». أجمعت لجنة التحكيم على فوز رواية كينجسلوفر، حيث أضافت مينشين أن اللجنة «تأثرت بشدة بديمون، وتفاؤله اللطيف، وصلابته فى مواجهة الحياة وتصميمه رغم كل ما يعوق طريقه من عقبات».


تضمنت القائمة القصيرة روايات أولى للروائيات جاكلين كروكس، ولويز كينيدى، وبريسيللا موريس، بالإضافة إلى رواية الفائزة السابقة بالجائزة ماجى أوفرايل، «صورة الزفاف»، ورواية «بود»، للالين باول، التى تم ترشيحها ضمن القائمة القصيرة للجائزة فى عام 2015 عن روايتها «النحل». بالإضافة إلى جائزة الأدب الروائي، أطلقت جائزة المرأة هذا العام جائزة للكتاب غير الروائى، ستُمنح لأول مرة فى عام 2024.


تدور أحداث الرواية فى جبال أبالاتشيا بولاية فرجينيا الأمريكية، وهى إعادة تصور لرائعة تشارلز ديكنز «ديفيد كوبرفيلد»، حيث يتبع السرد شخصية عنوان الرواية وهو يتنقل بين دار رعاية، وعمالة الاطفال، والإدمان والمزيد مما تحمله ثقافة تُهمِل المجتمعات الريفية.


تُعيد الأمريكية باربرا كينجسولفر بشجاعة سرد رائعة ديكنز،«ديفيد كوبرفيلد»،أكثر رواياته تماسًا مع سيرته الشخصية. نقلت الكاتبة هذه الرواية السِيَرية التكوينية الإنجليزية للغاية إلى موطنها فى أبالاتشيا، ما جعل رواية «ديمون كوبرهيد» تبدو من نَواحٍ عِدة كأنها الرواية التى ولدت كينجسلوفر لكتابتها.


وجدت نظرة كينجسلوفر المثالية للعالم واهتمامها بالعدالة الاجتماعية نظيرهما الطبيعى فى نقد ديكنز الاجتماعى المُتقِد. ورُغم تعقيد مهمة معالجة روايته بسبب تغيُر الأعراف بشكل جذرى منذ منتصف القرن التاسع عشر - الفجور، أو الجنس خارج نطاق الزواج؟ من يهتم؟ - إلا أن النقد الشرس للفقر المُمنهج وآثاره الوخيمة على الأطفال وثيق الصلة بواقعنا أكثر من أى وقت مضى.


ولِد دامون فيلدز، بطل رواية كينجسلوفر، لأم مراهقة عزباء تتعاطى المخدرات فى مقطورة بمقاطعة لى، فيرجينيا، ثم يشتهر باسم ديمون – أى شيطان ويُلقب بكوبرهيد لشعره الأحمر ، فى هذه المنطقة الفقيرة المحرومة، يعيشون شبه معدمين، بين معسكرٍ للفحم «ومستوطنة يسميها الناس رايت بور». نظرًا لتردد والدته على مركز إعادة تأهيل المدمنين عدة مرات، تربى ديمون على يد عشيرة بيجوت الكريمة ذات الفروع الممتدة. كل عناصر رواية ديكنز: الأم الضعيفة اليافعة، النشأة المدمِرة؛ الأب الميت وخليل الأم الصارم الذى يصير زوج أم لا يرحم؛ الظروف المُعاكسة فى مواجهة طفلٍ لا يحظى بأى فرصة للنجاة منها، وكذلك الغرباء، بعضهم محب والبعض الآخر ليس كذلك، من يُقدمون شكلاً محدودًا من المساعدة.


كان ديكنز سيتفق تمامًا مع حكم ديمون بأن «من الفظيع أن تكون طفلًا، عاجزًا عن فعل أى شىء». لو أنك تعرف ديفيد كوبرفيلد، سيحمل لك تسلسل أحداث ديمون كوبرهيد بعض المفاجآت. يصبح ديمون ضحية أخرى لـ «مسيرة شاحنات الوحل لخدمات رعاية الأطفال»؛ أخصائيو دراسة الحالة الذين لم يقرءوا ملفه، والعائلات البديلة المهتمة بتلقى شيكات التأمين فحسب. يُنقل ديفيد إلى منزل سالم الكئيب، الذى يديره السيد كريكل السادى، بينما ينشأ ديمون فى «هذا المنزل القديم ذات المظهر الرمادى، كالبيت فى سلسلة أفلام Amityville»، مملوك لمزارع تبغ يُدعى كريكسون. أثناء وجوده هناك، تنشأ صداقة بين ديمون وصبيين آخرين، ديكنسيان تومى وادلز - الذى تكتمل شخصيته بهواية أولية متمثلة فى رسم الهياكل العظمية - وستيرلينج فورد لاعب الظهير الربعى الجذاب بفريق المدرسة لكرة القدم، المعروف باسم فاست فوروود لبراعته فى الميدان، ومدمن حبوب المخدرات. فى «حفلات الحبوب» التى ينظمها ومكانته كلاعب كرة القدم، فإن سترلينج هو إعادة تشكيل مغرية لدور «الرجل النبيل» الخطِر بطبعه، جيمس ستيرفورث، فى رواية ديكنز.


بعد تحمّله تجربة الرعاية البديلة من قِبل ماكوبس المتعثر ماليًا، يُنقَل ديمون لمنزل المدرب وينفيلد حيث يعيش مع ابنته المسترجلة أجنيس، التى ينادونها «أنجوس». تحت وصاية وينفيلد، أصبح ديمون نجمًا مدرسيًا صاعدًا فى كرة قدم، حتى أعادته إصابة ما لعادته القديمة بتعاطى المخدرات ما أوصله إلى إدمان كامل للمواد الأفيونية. نضال ديفيد لإيجاد توازن عاطفى وهدف فى الحياة يصبح معركة ديمون لتحقيق الاتزان وتجاوز عجز من حوله عن «رؤية قيمة الأولاد أمثالى بعيدًا عن العمل الذى يعتصرونا لإنهائه بنهاية الأسبوع، فى المزرعة، ساحة المعركة، أو ملعب كرة القدم».


تعرف كينجسلوفر، كما يذكُر ديمون، أن «القصة الجيدة لا تستنسخ الحياة فحسب، بل تتمرد عليها»، ويكمن جزء كبير من المتعة فى رؤية ما تفعله من خلال مصدرها المادي. كراوٍ، يبدو ديمون محبوب وفريد تمامًا كديفيد، وتدعم لهجة جنوبية عامية روح الدعابة والنزعة العاطفية فى صوته. تبدو النسخة الأحدث أقل نجاحًا فى مواضعٍ أخرى. إن عائلة ميكاوبرس فى رواية ديكنز عاجزة ولكنها حسنة النية؛ بينما ماكوبس فى رواية كنجسلوفر مجرد استغلاليين: فى فترة الاستراحة، يجعلون ديمون ينام فى المغسلة، ويتركونه فى مكب القمامة، بل ويسرقون أجره. أرى نجاح كنجسلوفر الحقيقى هو رسم موازٍ لـ «قوة الجاذبية الفطرية» التى يتمتع بها المتفوقون اجتماعيًا المؤذين كستيرفورث لديفيد، والحلول الآنية السريعة التى تقدمها الحبوب لديمون وكل شخص آخر تقريبًا فى عالمه المُحكم، بما فى ذلك خليلته شبه المشردة المدمنة دورى وحفيدة السيدة بيجوت، إيمى، التى يغويها سحر فاست فوروورد.


فى ديفيد كوبرفيلد ، تعتبر أجنيس ويكفيلد - «الملاك الصالح» والزوجة الثانية لديفيد - رصينة للغاية، وهى كلمة لها دلالة مختلفة تمامًا هنا. «أنجوس» وينفيلد لا تتمتع فقط بالرصانة بالمعنى الحديث (إنها مُحصنة ضد المخدرات من أى نوع)، لكنها تمتلك أيضًا الصفات الإنسانية التى تفتقر إليها أجنيس، الملاك الفيكتوري. أنجوس هى مُقابل حى وجذاب، لدوريس وإيمى بطريقة لن تُحققها أجنيس - ديكنز أبدًا.


يتساءل ديفيد كوبرفيلد «ما إذا كنت سأصبح بطل حياتى». يطرح ديمون كوبرهيد سؤالًا مختلفًا: ما هى البطولة على أى حال؟ حين تولد كطفل فى حياة بدون خيارات، فإن وصفك بطلاً يحتاج لتجديدٍ قوى ليتضمن قدرتك على النجاة رغم الصعاب.