عبد الخالق كيطان يكتب :أربع سيدات فى حانة

صوره أرشيفيه
صوره أرشيفيه

1
رائحة خشب الأرز الإسبانى لم تسقطها البيرة المعتقة فى دنان ضخمة ، كان على الندماء أن يستخدموا حاسة شم ثاقبة لكى يميزوا بعضهم البعض. المرء يخال نفسه فى قرن سحيق وهو يجلس على هذه الطاولة الناعمة. هنا تراكمت الآلاف من الصور. كل قادم جديد عليه أن ينحت صورته على الطاولة قبل أن يغادر. وهكذا فعلت.

2
البيت المهجور 
أقفز بخطى متوثبة قاصدا البيت المهجور.. 
رائحتها رائحة روث، ممزوجا بدخان لا نهائى
ألصق جسدى على جسدها وأذهب بعيداً إلى حقول حنطة
أرى فوجا من الأغنام فى البرية
الأرض قاحلة
والفتاة التى تطارد أغنامها ساهية على الدوام.
وأرى فلاحين كسالى
يتركون زوجاتهم تحت لهيب حارق
فيما ينعمون هم بالسجائر والسعال
ألصق جسدى على جسدها غير عابئ بعيون تتلصص
كانت صامتة مثل جدار
نزلت معها متشمما
قبل أن تدفعنى بلطف
وتركض إلى السياح.

3
الليالى الندية
خوف ورغبة يتصارعان فيّ وأنا أقطع مئات الكيلومترات لأصل إليها. كانت تنتظرنى بصمت أثير. رحلة شهرية لا تنقلنى من مدينة إلى أخرى وحسب، بل تدخلنى فى حائط. الخيانة تبدأ من حيث ينتهى الأمل. لمحت ذلك فى عينيّ الطفلة التى رأتنى ولم ترني. كانت مائدة شهية أنستنى تلك العيون. لقد كان لزاما عليّ متابعة السفر. ثوبها الأبيض المخملى وابتسامة هادئة هى ما يجذبنى هنا. كانت الليلة تصل إلى الفجر بقوة. الفجر الذى عليّ التهامه لكى أفرّ من الجنة إلى الجحيم. ليست مفارقة أن اكتشف أن المرأة هى الجنة والجحيم معا. أما الشاعر فمجرد مخبول يبحث عن اللذة. هكذا يكرران لياليهما الندية.

4
الأزهار الشتائية
هذه الشوارع الطويلة التى مشيناها معا..
المبانى الأنيقة، وسيارات الأجرة.. 
كانت الشاهد عليك
وعلى العطش الذى رأيته فى عينيك
لم تنفع معى كل دروس التمثيل التى درستها
فأنا ماهرة فى قراءة العيون.
قبلك رفعت فأساً هويت بها على أيامى
حين وصلتك ألقيتها
كنت الفأس التى ستقلع آخر جذورى، 
واليد التى ستأخذنى بعيدا وبعيدا إلى الحد الذى سأعيش بعده وحيدة إلا من ذكرى أخطها على هذه الطاولة.
كنت زهورك، كما أظن
كانت حياتك جافة ورتيبة قبلى.
وكانت حياتى فائضة.

5
جبة الوداع
لقد وصلت إلى الآخرة إذن.
الشوارع مليئة باللحى والملابس السود.
مرت السنوات فوق رأسى مثل مقص بطىء
لم يبق فيه اليوم غير خصلات فريدة.
أنزع جبتى بإصرار وأرتمى بأحضانك. 
سأمسك بك بقوة امرأة لم يبق أمامها أى خيار.
وستصمد معى.
تقول: أحبينى
تسقط بقبلة مغشيا عليك
أرى جسدك على السرير هادئا.
أعد الساعات المتبقية، فأنا أدرك هروبى الطويل.
مرت السنوات حافلة بالنقائض
وإذ أصل إلى هنا
أعرف أنك ودعت خذلاناتك السابقة فيما ودعت سوطا.
ألقيت الجبة بعيداً وجلست أدخن على هذه الطاولة.
كان ثمن الوصول إليها نساء بلا طموح
ورجل جائع.