منى ياسين تكتب : زقزقة العصافير

صوره أرشيفيه
صوره أرشيفيه

أستيقظ يوميا على صوت زقزقة العصافير، أصبحت تغنينى عن استخدام المنبه، فتوقيتها دوما مضبوطا، بت أشعر معها بالونس بعد أن كنت أتذمر من إزعاجها غير المبرر لى قبل شروق الشمس.


أفتح عينى وأنا أتخيل حوارها معا، أسرة نشيطة تستريح على سور شرفتى من مشقة الترحال، أتوقع أن اليوم تناقش خطة العمل ووجهة السفر أو لعل الزوجة تسأل زوجها عما يريده على الغداء، أظن أنها مشاجرة بين الأبناء جميعا فكل واحد يريد وجبة بعينها ويصر عليها والأم المسكينة تحاول تهدئة الموقف قدر المستطاع بحال أن الأب ينهرها لأنها لم تحسن تهذيبهم.


أو لعل الزوج يقرر أن تكون وجبة اليوم من مسؤوليته فيصيح الأبناء معترضين لكونه لا يجلب كميات كافية.
أو لعلها دردشة عابرة يتخللها بعض من المزاح.
يمر فى مخيلتى مشهد الخرس الزوجى الذى أحيا فيه منذ سنوات، وأتذكر أول شهور زواجى كم كانت تغمرنى طاقة إيجابية وروح مرحة ورغبة فى الثرثرة لا تتوقف.. كنت أؤثره على نفسى فى كل شىء، إن أصابتنى وعكة مفاجئة أتحامل على نفسى لأقوم بشئون المنزل دون نقصان وإذا تأخرت حينها عن وضع الطعام يغضب كالأطفال رافضا تناوله.
حوَّل احتياجاتى البديهية لهدايا يمن علىَّ بها، وعلىَّ الامتنان والتقدير حينها.
إذا مرضت تقاعس عن جلب الأدوية متذرعا بأنه لا فائدة، فالجسم يستطيع التأقلم. وحين تسوء حالتى لا يأتى به كاملا؛ فقط شريط من كل نوع، وإن سمح الصيدلى فقرص واحد يؤدى الغرض! أو يبدله بنوع أرخص.
بالتدريج سكب فوقى طاقته السلبية، فانسحبت روحى وصرت أشعر أنى أحيا مع جثة متحركة. 
من أفهمه أن خدمتى له مبعث سعادتى على أى حال حتى يطلبها كتعبير عن أنه راض عنى!
معاملتى الإنسانية معه وقت غضبى كان يفسرها أننى راضية، فإيقاظى له أو تحضيرى للطعام يتطلب منى الحديث معه، ومن ثم فهو غير مجبر على مصالحتى؛ فلو كنت غاضبة ما تحدثت معه!


إذن فليكن له المعاملة التى يستحقها حقا، عله يفهم ويعى أنى لست هنا لخدمته أو الترفيه عنه نحن شركاء حياة له مالى وعليه ما علىَّ. 
مع الوقت فتر حماسى تجاهه وبت أبادله الصمت بصمت مماثل وعدم الاهتمام بى بلامبالاة منى.
صار يتعبد فور دخوله المنزل سواء بقراءة القرآن أو بالصلاة والغريب أنه لا يلقى تحية الإسلام إذا ما عاد وإذا قالها فهى تعنى أنه يحاول فتح كلام! وحين أقابلها بعدم تعليق يأخذ الوضع الصامت مجددا.


لا يتذكر الاستغفار وذكر الشهادة جهرا إلا فور جلوسى قبالته لتناول الطعام، مع كل قضمة يسمى ومع كل تنهيدة يستغفر كأن رؤيتى تذكره بذكر الله! 
معه تعلمت فن الاستغناء، صار كل شىء معه ثقيلا على نفسى حتى حضرت منهج تعليمى عن التحكم فى الانفعالات السلبية ونصيحتهم أن علىَّ توسيع دائرة معارفى، ومع الوقت قررت أن تكون لى غرفة مستقلة، فبعشرتى له علمت كونه بخيلا فى كل شىء ماديا ومعنويا.. يستمتع بالأخذ ولا يفكر بالعطاء.
صرت أستمتع بالأكل منفردة، لم أعد أستعجل، بل أستطعم كل مذاق وأثنى على أدائى بمحبة.
أنفض رأسى رافضة أن أبدأ يومى بهذه التفاصيل، أقوم بالتنفس الصحى كما تعلمته ثم أقوم من مرقدى، أفتح الشرفة على مصراعيها لأكتشف أن هذه الضجة كانت على قطع خرطوم التكييف من قبل العصافير.