سليمان محمد تهراست يكتب : كلُّ النّبُوءَات تحمِلُ سِكّينًا

صوره أرشيفيه
صوره أرشيفيه

قدمتُ إلى الوُجود بألم فى الظَّهر، 
وثُقب فى الذّاكرهْ
كلّما رأيتُ الضّحكة فى حبّة الرّمل أسودُّ
أصفرُّ كمزاج الرّيحِ
كلّما شاهدت ظلّى وحيدا كفّرتُ عن ذنبى مثل (أُودِيب) الضّريرْ
قدمتُ لأرى (كجَلجَامِش)،  
وأعلم أنّنى لن أجد ما أريدْ
هذى الرّؤى لم تكن كافية لأَكبرَ كأُسطورةٍ فى عُيون العالمْ،
ثمّ أموت دون خوفٍ  
هادئا كالنّقطة التى أصل كلّ شَيءْ
كلّما رأيت، أرتجف منَ الرُّؤى
أسقط كالنّصْل على الماءْ
أدحرجُ جسدى... فأنهضُ 
(هذهِ حياة لا يتوقُ إليها بشرْ)
أفتحُ التّلفازَ لأرى العالمْ، 
أموتُ واقفًا 
مرّة فى شارع يعانى صداعًا مزمنًا
مرّة فى بيت لا يَنامُ
أحتمِى بجدار يُلملم أحشاءهْ 
لا أرى فى العالمِ غرفةً، 
ولا بئرَا
يا (يوسفُ) لا تلتقط دلْوَ السّيارةْ
اهبِط أكثرْ 
فهذا (نِيرُونُ) يضحك كقدرٍ من ضحايَاهْ 
تشتعلُ أصابعه فى ذاكرة الأشياءِ والأمكنهْ
(نِيرُونُ) ليس ممثّلًا كما ظنّ
ولا مغنّيًا
لكنّ وهمه الرّثّ أغرَى رغباتهْ؛  
فكان خريف رُومَا ذراعًا طويلةْ 
يا ليت هُدْهُدِى يأتى بالشّعر
لآوى العالم فى قمقمْ
أغلقُ بالزّر الأحمر الحياةْ
أحمل جسدى النّحيل كصخرة يُرشدُها الصدى إلى ذَاتها 
أتفادَى وجهَ السّؤالْ،  
فلا جواب فى جيبى غير شكّ يَزفر كالعبثْ
إلى المقهى حيث يلعب البشر بأعضاء الغائبينْ، 
ويضيعون فى الورقْ
حيث يهربُ المتعبونَ من واجبات زَوجاتهم المملّةْ؛  
فيكسرونَ الأرقْ 
شيء ما يقفِزُ فى رأسى يُشبه الوخزَ بالإبرْ
 
بخطواتٍ مِلالٍ أطوى الطّريقْ
لا رفيقْ
سوى الظّلّ ينام مرّة ومرّة يستفيقْ
تنطفئ الشّوارع فى كفّي
تصرخ النّوارسُ فى قلبى 
أَمشي
بعْضى يُبارِزُ بَعضى 
لا أرض تحمِل خطَايْ
ولا سماء تمزّق مِعطف التّيه عن رُؤايْ
يا ابن مريم إنّ الرّيح تشتدّ
ألن تأتي؟ 
إلى المقبرةِ هنا أجدُ السّكينةْ
هنا أرى ما أريدْ
القبورُ سطورْ 
القبورُ جسورْ
القبورُ جذورْ
القُبورُ انكِسار الزمانِ فى نواحى العدمْ 
القبورُ عبورُ المكان إلى سرِيرِ الأبديةْ 
هنا أرى ما أريدْ
عن طواعية أداوى الموتى من صُداع الهدوءِ العميقْ
أسقى حلمهم الصّدأ فى استئنافِ الحياة - عَبثًا- قلتُ
وقالَ صوتٌ مجهولْ: 
(ليسَ فى هذا المدَى الأجوف إلا رَمَم منهوبة الاسم
وفخار عظام بَليت من شدّة القيظِ 
ما الّذى أفعله فى قلب هذا النّفق الموحش؟) 
قلتُ: وما أدراني، فنحن - الأحياءَ- لم يمسسنَا عطر الحقيقةِ
ولا جربنَا الانهزامَ أمام النّهايةِ
ولكنّنا جربنا تظاهرةَ العيونِ
ألتفتُ، أدور حولَ نفسى 
لا دليلَ على الشّكلِ 
فقط ضباب مُراهق ضلّ الدّربَ،
وليل يولدُ من ضلعِ ضوءْ 
هنا أرى ما أريدْ
(فى الطّريق إلى الفِرَاش الـمُفلس)
أكبر شيئًا فشيئَا
والطّريق تصغرُ شيئًا فشيئًا 
الهواءُ يتجمّدُ فيَّ شيئًا فشيئًا
أمسحُ السّماء بنظرة خَاطفةْ 
تُعربِدُ حيرة فوق أطلالِ ذاكرتى، 
(حيرتى أميَّ العجوزْ)
 ليتنى قبر بلا حِذاء - قُلتُ- يا ليتنى،
فالقبور نافذة للغيبِ
استحضار للضرورىّ البعيدْ .
هل يَحتاجُ البعيدُ إلى أملٍ- قُلتُ- أم إلى أغنيةٍ؟