« فانز » النجوم .. موجهين ولا متطوعين ؟

فانز النجوم
فانز النجوم

ريزان العرباوي

خلف الشاشات الإلكترونية، هناك جنود مجهولة وظيفتهم دعم الفنان والترويج لأعماله والدفاع عنه إذا لزم الأمر، فلكل فنان جمهوره الخاص أو ما يعرف على صفحات التواصل الاجتماعى بالفانز، وبعد أن أزالت السوشيال ميديا كل الحواجز وفتحت اتصالا مباشرا بين جميع الأطراف أصبح الفانز هو الناطق الرسمي باسم نجومهم، فهم في نظرهم لا يخطئون وعلى أتم الإستعداد للتحول إلى أسود شرسة تكشر عن أنيابها للدفاع عن الفنان بكل ما أوتيت من قوة وشن حروب افتراضية ضد كل من تسول نفسه لمجرد الإشارة للفنان أو وضع اسمه في سياق نقدي لأعماله.. فإلى أي مدى يبلغ الإعجاب بالمشاهير؟ وما تأثير وانعكاس سلوكيات الفانز على الفنان نفسه؟، وهل هم موجهين أم متطوعين؟.

فى البداية يقول د. حسن عماد مكاوي - عميد كلية الإعلام جامعة القاهرة الأسبق - : “صفحات (الفانز) أصبحت أشبه بالكتائب الإلكترونية التي يتم أحيانا استئجارها وتمويلها لتصبح لسان حال شخص معين تدافع عنه بالحق أو بالباطل، وهي ظاهرة تعبر عن الإفلاس في ظل إنعدام وجود الفن الحقيقي، حيث يلجأ الفنان لاختلاق موضوع من العدم ليظل في بؤرة الضوء، ويكون محط اهتمام الجمهور، وذلك لإحساسه بتراجع جماهيريته أو يقينه من ضعف ما يقدمه من أعمال وعدم إمتلاكه للجديد، فهي ظاهرة مؤسفة في حقيقة الأمر، وتعبر عن انخفاض الذوق العام وتراجع الفن في محاولات مستميتة من بعض الفنانين للإستحواذ على اهتمام الجمهور، ولو حتى بإختلاق موضوعات وقضايا ليس لها علاقة بالفن، هذا بالنسبة لتوصيف الظاهرة”.

ويتابع: “لا أعتقد أن (الفانز) من يوجه دفة السفينة أو يتحكم في نوعية المحتوى المنشور، فالفنان طوال الوقت هو المتحكم، ولا يمكن القول أنهم متطوعين فهم مستأجرين يتم استئجارهم للقيام بمهام معينة، فهم طوعا للفنان في أي توجيه سواء لنفسه ودعمه أو الدفاع عنه وتعزيز موقفه لمهاجمة خصومه من الفنانين الآخرين”.

أما عن مدى انعكاس سلوكيات “الفانز” وتأثيرها على الفنان نفسه فهي في الأساس سلوكيات موجهة، لكن إذا تم استخدام سلاح معين بطريقة مبالغ فيها حتما سينقلب ضدك، وهو من الممكن أن يحدث مع الفنان عند تطوعهم للقيام بمهام معينة يعتقدون أنها فى صالح الفنان لكنها سلوكيات قد تورط الفنان في أزمات عدة، طبقا للمقولة الشهيرة “الدبة التي قتلت صاحبها”، فلا أعتقد أن ذلك نابع عن حب حقيقي بقدر كونه هوس، بالإضافة أن جزء كبير منهم ممول وموجه بناءً على تعليمات من هذا الفنان.

ويضيف: “لا سبيل للحد من تلك الظاهرة أو ضبط المشهد سوى التحلي بمزيد من الوعي لدى الجمهور، والإقبال على الأعمال الهادفة الجيدة والابتعاد تدريجيا عن كل ما هو مسف ومبتذل.. أما من الناحية القانونية فلا يمكن التعامل مع هذه السلوكيات، إلا إذا ثبتت حالات يعاقب عليها القانون كالسب والقذف، في تلك الحالة تتحول لجريمة يعاقب عليها القانون ويتم مواجهتها والتعامل معها من خلال القضاء، لكن طالما لم تصل الأمور إلى مستوى السب والقذف أو التشهير بشخصية معينة أو انتهاك للخصوصية، فهي حالات من الصعب التعامل معها قضائيا أو قانونيا.. والجو العام يشير إلى أننا في وضع يسوده التردي والتراجع كمجتمع يبحث عن الأشياء التافهة المبتذلة حتى أن بعض العلماء والأدباء يكتبون أننا نعيش عصر التفاهة، وهناك كتب بالفعل تحمل عناوين عن عصر التفاهة بمعنى تتبع كل ما هو سطحي ورخيص ومبتذل، وهو الذي يطفو على السطح وكل ما هو غني وثري وذو قيمة يختفي في القاع، وفي العموم هو مؤشر سلبي بالنسبة لأوضاع المجتمع من الناحية الاجتماعية”.

حروب افتراضية

وصفت الناقدة خيرية البشلاوي، ظاهرة “الفانز” وتجاوزهم في بعض الأحيان، بالتطور الطبيعي لكل ما هو رديء في الصفات الإنسانية، والتي تكونت بسبب مساوئ تلك الوسائط المتعددة، لتتحول إلى ساحة للحروب والصراعات والإعلانات والكسب السريع الرخيص، وساحة لكل ما هو رديء في الوسط الفني وصناعة الترفيه، وتقول: “للأسف أصبح الفضاء واسع جدا لشن حروب إفتراضية للتشويه والتحريض، ولا يمكن التصدي لتلك الظاهرة سوى بوعي الجمهور وعدم الإنسياق خلف تلك الصراعات أو التفاعل معها، لأنها تسلي المستهلك من خلال تلك الوسائط بأسوأ أنواع التسلية وأحط أنواع الترفيه، حيث يعمل على الإستنزاف من سمعة الفنان وراحته النفسية ويشيع أجواء غير صحية للناس، فهي تتيح لمن لا يمتلك الثقافة بإستخدام ثقافته الرديئة جدا وتجعل ممن لا قيمة لهم  دور في هذا الصراع مما يخلق مناخ غير صحي للمجتمع بشكل عام، ويشجع الجانب السيء لدى البشر والصفات غير المستحبة مثل النميمة، والتي تصل لأعلى ذروتها بفضل تلك الوسائط، فالمجتمع يعيش أسوأ لحظات قيمه الإنسانية بكل آسف”.

وتتابع: “لا يمكن إنكار مدى قوة تأثير (الفانز) على المتلقي  وعلى الفنان نفسه، فمن المحتمل أن تتسبب في تدميره، وعلى النقيض من الممكن أن ترفعه لـ(سابع سما) بلا معادل موضوعي أو قيمة فنية تذكر.. وللحد من تأثيرهم يجب على الفنان أن يصم أذنه تماما عن هذا العبث ويغلق هذا الباب ويبتعد عن إستخدام الناس واستغلال حبهم لتحقيق أطماع الشهرة الزائفة وعدم تمويلهم بالمرتبات، لكن للآسف هناك نماذج معدومة الثقافة والوعي يمتلكون أسوأ ما في الإنسان وهي الشهرة والمال”.

وتضيف: “لا أستبعد تورط الفنان في أزمات هو في غنى عنها، لأنها تعطي للنميمة مساحة كبيرة، كما أن معظم تلك الحروب مبرمجة من قبل الفنان نفسه، فمن الصعب إيجاد سبل لضبط المسألة، وليس في قدرة أي جهة أو مؤسسة منع هذا التأثير، ولابد من العمل على زيادة الوعي للجمهور، وأن يكون الفنان على يقين بأن فنه فقط القادر على رفع شأنه”.

خناقة شوارع

ويقول الناقد رامي عبد الرازق: “الموضوع يحمل قدر كبير من الفوضى والعشوائية وإنعدام المبادئ والقيم، فالأهم من الضوابط التقنية هي ضوابط المبادئ والأخلاق، ومن المفترض أن (الفانز) يحبون فنان معين، فلا ضرر في ذلك، لكن ما القيمة الفنية التي يقدمها هذا الفنان ليحقق حالة الإشباع المطلوبة من تلقي الفنون والوصول لدرجة من درجات الرقي، لكن عندما تخرج تلك النقاط من الحسبان وتصبح المسألة مجرد تعصب وهجوم، سواء كانوا بالفعل معجبين في المطلق دون أغراض معينة أو كانوا مأجورين مدفوع لهم أو مدفوعين بشكل أو بآخر فهو يبعد المسألة كلها عن فكرة التلقي أو الحالة الفنية بأي حالة من الأحوال ويحولها لـ(خناقة شوارع)”.

ويستكمل حديثه بالقول: “ما يحدث جزء من الحالة المتردية العامة في المجتمع على كل المستويات، وانتشار الفوضى والعشوائية وغياب المبادئ والأخلاق التي تفتح مجالا للشك، وهل يتلقى بالفعل هذا الجمهور فنون لأنه من المفترض أن الشعوب تنضبط بالقوانين وتتقدم بالعلوم وترتقي بالفنون، ما يحدث لم يثير إندهاشي بشكل كبير، لأنها أصبحت حالة عامة، وفي نفس الوقت حتى الفنان نفسه لا يتدخل بالشكل أو بالقدر المطلوب، أو يتخذ موقف ضد ذلك، بالعكس يعتبر الفنان أن حب الناس نجاح وتفوق وظهر وسند له على السوشيال ميديا، كـ(الألتراس)”. 

ويتابع: “معظم (الفانز) مستأجرين ومدفوع لهم، وفكرة هذه البطانة موجودة منذ زمن، إلا أنها كانت على استحياء، وعلى مستويات قليلة، أما اليوم فقط أصبح الموضوع (على عينك يا تاجر)، والأزمة كلها ليست أزمة تقنية، بل أزمة مبادئ وأخلاق، طالما وصل بنا الحال لإندلاع مشاجرات في الشوارع، وإستمرار فكرة وجود نجوم يعتمدوا على ذلك مسألة قد تخرج الفنان نفسه خارج تصنيف الفنانين.. ومن المفترض أننا نعيش عصر التطور والتقدم، لكن بنهج هذا السلوك نحن بذلك نستجدي أو نعود لعصر العوالم وخناقات العوالم، للأسف الشديد المسألة بها ردة للخلف وتردي للأسفل”.

ويوضح عبد الرازق: “لا أستبعد تحول (الفانز) مع الوقت إلى موجهين ومتحكمين لمدى قوة تأثيرهم، ولأن السيطرة على التكنولوجا أمر صعب، فالذكاء الإصطناعي متطور و(خوارزمياته) معدومة المشاعر، وبالتالي عند تواجد (تريند) معين (الخوارزميات) تبدأ في نشرها للناس، مع الوقت سيصبح هو الطيار العام والنجوم - بين قوسين - ضعيفي الشخصية الفنية سيتم التحكم بهم بشكل أو بآخر.. ونرى نماذج محسوبة على الوسط الفني على أتم الإستعداد للقيام بأي شيء، لتظل في صدارة (التريند) بنشر أسرارهم وعلاقاتهم الشخصية، أو استفزاز الناس بطريقة معينة”.

ويؤكد رامي: “تأثير سلوكيات (الفانز) أصبح واسع المدى، ويمكن ملاحظته على ذوي الشخصية الفنية الضعيفة، مما قد يتسبب في أزمات معينة للفنان، وهو أمر متوقع، بما أن المسألة تحولت لهذا الشكل من (الألتراس) وخناقات الشوارع”.

ويختتم كلامه قائلا: “من المفترض تفعيل دور النقابات الفنية لضبط المشهد وتوقيع عقوبة أو غرامة على الفنان في حال ثبوت مخالفات من (الفانز) وظهورهم بهذا الشكل المتطرف، فالموضع صعب السيطرة عليه، والحل لدى الفنان نفسه، فهو الوحيد القادر على مواجهة ذلك من خلال تعامله بشكل راقي، بحيث يفرض هذا الرقي على جمهوره، لكن إذا كان هو من يتبع هذا السلوك فلا ننتظر من (الفانز) حتى غير المأجورين بالإلتزام بأي نوع من المبادئ (فإذا كان رب البيت بالدف ضاربا فشيمة أهله الرقص)، فهذا التلوث في انتشار وجزء مهم وكبير يقع على عاتق الفنان.. والوسيلة لضبط المسألة تبدأ بتدخل النقابات وبالفنان نفسه، لأن الموضوع فوضوى والسيطرة عليه ليست هينة، وكل فنان سيدخل تحت الراية التي تحقق له الإشباع بشكل أو بآخر”.

اقرأ أيضًا : ماذا قال نجوم الفن في عزاء علاء عبد الخالق؟


 

;