شجون جامعية

المُتَصَيِّدون

د. حسام محمود فهمى
د. حسام محمود فهمى

يُقَدَرُ عددُ مُستخدمى مواقعِ التواصلِ بحوالى ٥٨.٤٪ من سكان العالم، وهو ما يُعادِلُ ٤.٢٦ مليارشخصٍ. وقد عانى كثيرون، من أنه بعد فترةٍ من الاِستخدامِ، يتعرضون لأغرابٍ يتركون تعليقاتٍ سيئة على ما يَنشرونَه على صفحاتِهم. أصبحَت كلمة Troll تَوصيفًا مُستحدثًا لهذه النوعيةِ من الأشخاصِ، «فهو المُتَصَيِّد الذى يقوم عمدًا بنشرٍ أو بتعليقٍ مُسئٍ أو اِستفزازى عبر الإنترنت على صفحةِ آخرٍ». وقد دَعا التَصَيُّدُ كثيرًا من المواقعِ ، والإخباريةِ منها بالذاتِ، لاِستخدامِ أنظمةٍ لمكافحةِ التَصَيُّدِ على أقسامِ التَعليقاتِ. فى المُقابلِ، فإن التَنَمر Bullying، لا يُشتَرَطُ أن يكون على مواقعِ التواصلِ، وهو شكلٌ من أشكالِ الإساءةِ والإيذاءِ مُوجهٌ من قِبلِ فردٍ أو مجموعة ٍنحو فردٍ آخر أو مجموعةٍ أخرى قد تكونُ أضعفَ جسديًا أو بعيدةً على مواقعِ التواصل.

لكن ما هو دافعُ المُتَصَيِّد من نَشرَ هذه التعليقاتِ البَغيضةِ؟ أظهرَت أبحاثُ عِلمِ النفسِ السُلوكى أن المُتَصَيِّدين يَفتقِدون القدرةَ على بناءِ عِلاقاتٍ صِحيةٍ بعيدًا عن عالمِ الإنترنت الاِفتراضي. المُتَصَيِّدون، رجالًا ونساءً، ليسوا بالضرورةِ وحيدين أو حَزَانى لكن علاقاتِهم الاِجتماعيةِ ينقُصُها التوازنُ، وقد يَشعرون بعدمِ الاِحترامِ أو التقديرِ فى بيئتِهم، سواء كانت الأسرة أو العمل أو المَعارِف.

كثيرًا ما يَفتَقِدُ المُتَصَيِّدون الشعورَ بالمسؤوليةِ والوعى الذاتي، وهو ما يُعرَفُ بإزالةِ التَفَرُد أو بالذوبانِ فى الجُموعِ، لأن عَدمَ الكشفِ عن هويتِهم يَعنى لهم بأنهم مُختبئون وبالتالى ما من حاجةٍ لتنظيمِ سلوكياتِهم عبر الإنترنت. وهو يُشابهُ التَصَرُفَ الجَماعى الساخر والمُشاغب فى مبارياتِ كرةِ القدمِ حيث يَشعرُ الفردُ بالحمايةِ فى الزحامِ وتضيع قَواعدُ السلوكياتِ الاِجتماعيةِ.

من علماءِ النفسِ من يرون أن التَصَيُّد يُعتَبَرُ شَكلًا من السلوكِ وهو غايةٌ فى حدِ ذاتِه، باِعتبارِه ترفيها أوتعبيرا عن سِماتٍ شخصيةٍ مثل التَذاكي، الاِستظرافِ، الرَفضِ، التلَذُذِ بإيلامِ الآخرين، برودِ المَشاعرِ وعدمِ الاِحساسِ بالذنبِ. المُتَصَيِّدون شَغوفون بجَذبِ الاِنتباهِ وليس فقط بإيذاءِ الناسِ أو إزعاجِهم، وبالذات المشاهير. هَمُهُم الدائمُ الحصولُ على الدعمِ من تعليقاتِ مُتَصَيِّدين آخرين، وهو ما يَمنحَهُم شُعورًا بقيمةِ الذاتِ والأهميةِ التى من المُرَجَحِ أن تَفتقرَ إليها حياتُهم اليوميةُ غَيرُ المُتَصِلةِ بالإنترنت.

قدَمَت مواقعُ التواصلِ إعلامًا لا يعرفُ قيودَ الإعلامِ التقليدى ونشرَت على الملأِ أخبارًا وآراءً مصدرُها الشَخصُ العادى المَنسى غَيرُ المُقَيَّدِ، وأصبحَ الترند مقياسًا للرأى الغالبِ. لكن فى مقابلِ تلك المزايا الكبيرةِ فإن المُعاناةَ من التَنَمُرِ والتَصَيُّدِ لها ضحاياها ممن لا يَقوون على تَحَمُلِها، وما أكثرُهم.
وإذا كانت الجامعاتُ مناراتٍ للعلمِ، كيف يُقبلُ أن تُجرِى جودةُ اللاجودةِ اِستبياناتٍ هى محاكاةٌ لسلوكياتِ التَنَمُرِ والتَصَيُّد على مواقعِ التواصلِ؟؟ بلا مُكابرةٍ وبمراجعةٍ واجبةٍ للذاتِ هل اِرتفعَ فى أى تصنيفٍ ترتيبُ أى جامعةٍ، إذا لم ينزل؟؟ ألا تُقرأُ هذه التصنيفاتُ بطريقةٍ اِنتقائيةٍ، فما تراه الإداراتُ فى صالحِها هو ما يُعرَضُ وعن ما عداها يُغَضُ البَصرُ؟؟

اللهم لوجهِك نكتبُ علمًا بأن السكوتَ أجلَبُ للراحةِ وللجوائز،،

أستاذ هندسة الحاسبات بجامعة عين شمس