نقطة فوق حرف ساخن

٣٠ يونيو ثورة الوعى والإدراك

عمرو الخياط
عمرو الخياط

عشر سنوات مرت على ذكرى الثورة الأعظم فى تاريخ البشرية، عاماً بعد عام تثبت ٣٠ يونيو بمرور السنين والشهور والأيام أنها ثورة فيض إمداداتها كثيفة ولم تكن من أجل إنقاذ الدولة المصرية، وانما كانت ولاتزال دليلاً إرشاديًا للعالم عن كيفية إنقاذ الأوطان، وهى الثورة الوجودية التى أخرجت مخزون الوعى والغريزة والفطرة المصرية.

 وقتها وفى هذا اليوم العظيم انتفضت مصر فى أعماق كل مصرى استقرت بداخله فطرة حب الوطن وإدراك قيمته فانطلقت الجموع فى لحظة توحد مذهلة لتعلن للعالم أن مصر ليست فقط موقعًا على الخريطة وإنما هى دولة شعبها لا يستكين وحبه لوطنه مترسخ عبر السنين فتوحد فى ٣٠ يونيو ليقدم الشعب صاحب الحضارة الممتدة فى جذوره عبر السنين مثالًا حياً للقوة الذاتية للدولة المصرية على الصعيدين.. الشخصى للمواطن والمؤسسى لمكونات الدولة..

كان التوحد والاتحاد فى هذا اليوم العظيم الذى حوّل مصر بكاملها إلى جبهة متماسكة شديدة الصلابة عصية على من حاولوا خطفها.. أو توهموا أنهم فعلوا ذلك..

فلم يملك العالم بأسره إلا أن وقف مذهولاً أمام هذا التوحد والاتحاد للشعب.. فكان يوم العبور الثانى للمصريين من ظلمات أيام عشناها لحالة ضياء مبين لمستقبل مشرق فكان نهوض مصر فى لحظة وعى مجتمعى من خلف الزمن لتغير توحد عناصرها الوطنية لتقول كلمتها للعالم كله فى يوم عظيم مازلنا نعيش فيه ولن يمحى من ذاكرة التاريخ الوطنى أو العالمي. 

تكن ٣٠ يونيو نزوة شعبية أو سياسية بل كانت تعبيرًا صريحًا عن حقيقة معدن الدولة المصرية وشعبها، هى عبور جديد قضت فيه مصر على الاحتلال الداخلى الذى قام به تنظيم دولى ينتحل أعضاؤه الصفة المصرية، فإذا كانت مصر قد استعادت أراضيها التى كانت محتلة فى عبور ٧٣ فإنها استطاعت مرة أخرى تجديد هذا العبور المذهل لعبور آخر أكثر إذهالًا للعالم فى ٣٠ يونيو لتستعيد كامل إرادتها وتحافظ على بناء الدولة وكيانها بعد نكسة الإخوان .. ففى السادس من أكتوبر كانت إرادة النصر، وفى ٣٠ يونيو كانت معركة وجودية للدولة واللادولة .. فى كليهما كانت الإرادة المصرية العظيمة وقبلها كان جيش مصر العظيم .. هو القاسم المشترك فى النصر فى كليهما .

فى ذكرى هذا اليوم العظيم لابد وأن نتوقف أمامه كثيرًا لتفرد هذا اليوم فى التاريخ الوطنى للمصريين لمعرفة عمق حب الوطن بداخلهم فمن لم يدرك قيمة الدولة المصرية فى وجدان وعقل وقلب أبنائها لن يرحمه التاريخ.

ثورة متفردة ثورة الإدراك المتكامل فقد خرج فيها المصريون فى سبيل حفظ الدولة وإنقاذ وجودها، وقتها أدرك التنظيم الإرهابى الذى احتل البلاد فى غفلة من الزمان إدراكا يقينيًا بخطورة هذه الثورة على كيانه ووجوده بعد أن كشفت أفعاله واتجاهاته عداءه للإنسانية ولكونه تنظيمًا خارج إطار النسيج الوطنى المصرى، فكانت مقاومة المصريين له بصفته نوعًا من الاحتلال المحلى، لقد كشفت ٣٠ يونيو أن الإخوان ليسوا مصريين وهى فكرة لطالما ظلت نظرية فحولتها ثورة يونيو إلى حقيقة موثقة .

فى هذا اليوم العظيم فى تاريخ الوطن كان هناك ما يمكن تسميته بحالة الإدراك الجمعى للمصريين وهو ما ارتكزوا عليه فى ثورتهم والتى ولدت بداخلهم حالة توحد شعورى وفكرى نادرة وقتها كان إدراكهم مبنيًا على : 

 قيمة الدولة المصرية وضرورة الحفاظ عليها وعلى هويتها. 

 كشف حقيقة تنظيم الإخوان الذى كان يسعى إلى تفكيك دولة بحجم مصر. 

 خطورة الأبعاد الإقليمية والدولية وما يحدث فى الدول المحيطة بنا جغرافيًا وعربيًا.

 خطورة استمرار الوضع على ما هو عليه وخاصة بعدما كشفت الأحداث عن الوجه القبيح للتنظيم الارهابى.  

الوعى والإدراك لدى المصريين قابلها فى ذات الوقت حالة غريزية وفطرية من الخوف على الوطن فتولدت حالة زحف جارفة متوحدة على هدف إنقاذ الدولة المصرية من جماعة كان هدفها التمكين من أجل التخريب والدمار، أهداف سعوا إليها بوتيرة سريعة ليكشفوا الغطاء عن وجوههم الحقيقية بعد أن تمسحوا فى الدين وجعلوه ستارًا لهم للوصول لغايتهم وهم أبعد عن ذلك وعما كانوا يتشدقون به طوال سنوات عاشوا فيها رافعين راية المظلمة حتى يتمكنوا من مآربهم الخبيثة فوصول الإخوان للسلطة لم يكن ناتجًا عن حالة نضال سياسى مشروع بل نتيجة سطو تنظيمى مسلح على الفعل الثورى الذى وقع فى أحداث يناير ٢٠١١ .

تلك هى الإرادة المصرية فرصيد هذه الإرادة لا يفنى ولا يستحدث من عدم ولا يمكن عبر سنوات تاريخ هذا الوطن أن تنفذ هذه الارادة، ففقرات كتاب التاريخ المصرى لا يكتبها الا المصريون بأرواحهم وبدمائهم، فمثلما هبت مصر عبر تاريخها لدحض من حاول المساس بها وبأمنها القومى وهويتها هبت من جديد فى ٣٠ يونيو لتعلن للعالم أن مصر ستظل للمصريين بجميع طوائفهم وانتماءاتهم وليست حكرًا على جماعة أو عشيرة .