ثورة 30 يونيو| الأزهر والكنيسة.. درع الوطن

الرئيس السيسي مع شيخ الأزهر
الرئيس السيسي مع شيخ الأزهر

■ كتب: حسن حافظ

لم يكن لمشهد 30 يونيو 2013، أن يكتمل إلا بوجود المؤسسات الدينية التى انحازت لإرادة الشعب، ووقفت فى صف مؤسسات الدولة التى سعت لإنقاذ مصر كشعب ودولة من المخططات التى نُسجت لها لجرها جرا صوب هوة الحرب الأهلية والاقتتال الطائفى، لكن الأزهر والكنيسة معا عملا على تفويت الفرصة على تجار الدين الذين أرادوا إشعال نار الفتنة على أمل أن تشعل الوطن كله وتثبت أقدام حكم إخوان الإرهاب على جثة الوطن وجثث المصريين، وهى الفرص التى فوتها الأزهر والكنيسة بموقف شديد الوعى كُتب بماء الذهب فى سجل الوطنية المصرية، دور زادته الأيام قوة ورسوخا مع استمرار الأزهر والكنيسة فى لعب دور حقيقى فى تنمية المجتمع خلال السنوات العشر التى تلت ثورة يونيو.

الرئيس السيسي مع البابا تواضروس

◄  المؤسسة الدينية انحازت لشرعية الشعب

  الكنيسة أحبطت محاولات «الإرهابية» لجر البلاد للفتنة

◄  الأزهر قاد جهود محاربة الفكر المتطرف 

لا تنسى ذاكرة المصريين مشهد تقدم الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، والبابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، والوقوف بجوار المشير عبد الفتاح السيسي وبقية ممثلى الدولة المصرية فى مشهد مهيب يعلنون فيه الانحياز لإرادة الشعب فى يوم 3 يوليو 2013، وإزاحة الغمة وكشف الكربة بالإطاحة بنظام محمد مرسى الإخوانى، الذى قاد البلاد صوب الحرب الأهلية، ولم يكن هذا الموقف نهاية المطاف، بل بداية الحرب، فالأزهر ألقيت عليه محاربة الفكر الإرهابى الذى يستخدم الدين لسفك الدماء وحرق البلاد، والكنيسة ألقيت عليها مهمة تحمل نصيبها من الهجمات الإرهابية التى لا تفرق بين مسلم ومسيحى من عقول أعماها الحقد والكراهية والغل من أتباع الجماعة الإرهابية، فى تلك اللحظة بدأ الأزهر والكنيسة فى كتابة ملحمة من طراز رفيع، نجحت فى حماية هذا الوطن وهو فى أشد لحظات ضعفه من السقوط فى يد الإرهاب.

ملف الإرهاب قفز إلى الواجهة بعد مواجهة 30 يونيو الكاشفة، وهنا حضر الأزهر ودوره فى مساعدة الدولة المصرية فى مواجهة الخطر الأكبر الذى يتهدد الجميع، وهو سلاح استخدام الدين لتشويه خصوم جماعة سياسية تستغل الدين فى تحقيق مآربها السياسية، لذا خاض الأزهر حربا ضروسا لحماية الوطن وناسه، ففى الوقت الذى كان رجال الجيش والشرطة يفقدون حيواتهم فى مواجهة جماعات الإرهاب المسلح حتى كُتب لهم النصر، كان الأزهر يطلق قذائف الحق لتمحق أبراج البهتان التى بنتها الجماعة وأذنابها، عبر اتخاذ العديد من الإجراءات لمحاصرة الفكر الإرهابي وتجفيف منابعه عبر نشاط رسمى للأزهر وشيخه فى العديد من المحافل داخل مصر وخارجها.

شيخ الأزهر كشف عن طبيعة الحرب التى خاضها الأزهر الشريف، قائلا فى تصريحات له فى ديسمبر 2014، قائلا: إن الأزهر خاض حربا ضروسا لحماية المؤسسة من محاولات جماعة الإخوان اختراقها والسيطرة عليها، بما فى ذلك محاولات إضعاف الأزهر والسيطرة على المناصب القيادية فيه، وهى المحاولات التى تصدى لها شيخ الأزهر أحمد الطيب، فكان نصيبه الهجوم من قبل الإخوان وذيولها، والتخطيط لعزله من منصبه، وشدد على أنه "لو لم يساند الأزهر ثورة 30 يونيو لكان فى قائمة الخزى والعار".

مواقف الأزهر لم تتوقف عند مستوى الشعارات أو التصريحات، بل تحولت إلى إجراءات على الأرض فى إطار منظومة متكاملة لمواجهة الإرهاب وأعوانه، فعقد الأزهر بمشاركة زعماء الأديان وتمثيل دولى واسع أول مؤتمر دولى لمكافحة العنف ونبذ التطرف والإرهاب، فى نهاية 2014، الذى فضح محاولات استخدام الدين فى ترويج المخططات الإرهابية، وفنّد المفاهيم التى يستند إليها الإرهابيون فى تبرير جرائمهم ضد الإنسانية جمعاء، ثم جاءت الخطوة الثانية والأهم بتدشين الأزهر مرصده العالمى للرصد والفتوى الإلكترونية فى يونيو 2015، الذى يقدم خدماته بـ 13 لغة عالمية، ليكون عين الأزهر على الأحداث العالمية ووسيلة للرد الفورى على أى آراء متطرفة أو مشوهة للإسلام، ومواجهة الفكر المنحرف والمتطرف بالحديث عن صحيح الإسلام وتعاليمه الوسطية.

وبينما أسس الأزهر "وحدة بيان" التابعة لمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، لتفكيك الأفكار المشوهة لتعاليم الإسلام، جاءت الخطوة التالية الكبيرة بإعلان الأزهر فى 2016، إحياء نظام الأروقة فى الجامع الأزهر، وهى أروقة مفتوحة لجميع المسلمين وتقدم علوم الإسلام بشكل وسطى عصرى كما تعكسه مناهج الأزهر الشريف، فى مجالات العلوم الشرعية، والقراءات القرآنية، وعلوم اللغة العربية، وهى الأروقة التى أقبل عليها مئات من المصريين، وهى فرصة لتقديم علوم الإسلام لهم بعيدا عن الأجواء المتشددة التى حولت الدين إلى "حلال وحرام" فقط، توازى هذا كله مع عقد نحو 100 ألف لقاء دعوى وتوعوى لوعاظ وواعظات الأزهر، خلال السنوات الماضية، بهدف التركيز على عدد من المحاور التى تؤهل الواعظ لمواجهة دعاة الخراب، ومن هذه المحاور: محور مواجهة التكفير، ومحور الدفاع عن النبى صلى الله عليه وسلم، ومحور التسلح بالعلم.

الأمر لم يختلف مع الكنيسة المصرية التى تحملت نصيبها من ثمن مواجهة الإرهاب، فمحاولات الإخوان جر الأزمة السياسية إلى خانة الدين وتجييش أتباعها من الإرهابيين، كانت تتم بتشويه الكنيسة والمسيحيين والتحريض عليهم علنا، هنا كان على الكنيسة القبطية الدور الأكبر فى تحمل هذه الإساءات والرد عليها وتفريغها من شحنتها الطائفية، وكان على الكنيسة أن تتعامل بهدوء وحكمة فى وقت صعب جدا، إذ شنت جماعة "الإخوان" الإرهابية هجمات مسلحة على الكنائس فى أغسطس 2013، بعد فض اعتصام رابعة العدوية، إذ تم إحراق نحو 100 كنيسة ومدرسة ومبنى خدمات، وهنا خرج البابا تواضروس، بابا الإسكندرية، ليقود سفينة الوطن بعيدا عن دوامة الحرب الأهلية، التى حاول الإخوان جر البلاد لها، والتزم الاصطفاف الوطنى فى لحظة حرجة وشديدة الخطر، قال البابا قولته الشهيرة "وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن"، فعبرت سفينة الوطن رغم الخسائر، وأعيد بناء الكنائس المحروقة والمهدمة مرة ثانية بعدما انزاحت الغمة.
موقف آخر أثبتت فيه الكنيسة أنها أحد أركان الدولة المصرية العصية على الهدم، عندما تعرضت لهجمة إرهابية متزامنة فى 2017، كان الهدف استهداف عدة كنائس فى طنطا والإسكندرية، وكان البابا تواضروس فى كنيسة الإسكندرية ما يرجح أنها كانت محاولة لاغتياله، كأحدث فصول البحث عن فتيل يشعل الفتنة الطائفية، لكن مرة أخرى تثبت الكنيسة المصرية مقدار ما تتمتع به من حكمة، وتعلن اصطفافها خلف الدولة فى حربها ضد الإرهاب، وكانت النتيجة إفشال محاولات الجماعة الإرهابية ومن لف لفها لإشعال فتنة طائفية غرضها تدمير الوطن وأهله.

إعادة بناء الكنائس المدمرة لم يكن منة، بل حق أصيل لمواطنين كاملى الأهلية، وهو ما تقرر بعد صدور قانون بناء الكنائس فى 2016، الذى أغلق الباب الذى كان يدخل منه صناع الفتنة، عبر استخدام ملف بناء الكنائس لإثارة النفوس، فتم الحصول على نحو 2500 تصريح لبناء كنائس أو ترميمها أو إعادة بناء للمدمر منها، وهى قرارات مرت فى إطار القنوات الطبيعية، لذا لم تثر أى مشكلة أو رد فعل، بل أكدت أن المصريين بعيدا عن الجماعة الإرهابية وأتباعها لا يعرفون معنى الفتنة الطائفية، فلا يوجد فتنة فى هذا الوطن إلا فتنة "الإخوان"، ولا نجاة لهذا الوطن إلا بالتخلص من هذه الجماعة الإرهابية، وهذا هو الدرس الأهم والمهم الذى فهمه جيدا الأزهر والكنيسة، وظل الدرس الأهم لكل من يريد أن يبنى هذا الوطن ويبعد عنه شر التخريب.