حكاية ولى «يا قنا جايلك ملك»، نبوءة بشرت بقدوم عبد الرحيم القنائى..مليون زائر للاحتفاء بمولده.. وضريحه عامر طوال العام

حكاية ولى «يا قنا جايلك ملك»، نبوءة بشرت بقدوم عبد الرحيم القنائى
حكاية ولى «يا قنا جايلك ملك»، نبوءة بشرت بقدوم عبد الرحيم القنائى

يقصده مريدوه من داخل مصر وخارجها، على بابه تذرف الدموع، وتسمع أنات قلوب محبيه من شدة شوقها إلى قربه، بجوار مقامه تسمع الابتهالات، وحلو الأناشيد التى تغزل فى حبه، فضريحه دائما عامر بزواره، لا يوجد فى مصر من لا يعرفه إنه سيدى عبدالرحيم القناوى، الذى يلقبه المصريون، ب«أبوالكرامات»، و«ولى المعجزات»، الذى يزورونه كل عام فى يوم مولده بأعداد تقترب من المليون شخص.

وأبوالكرامات، هو: عبدالرحيم بن أحمد بن حجون وينتهى نسبه إلى الإمام الحسين رضى الله عنه، حفظ الإمام القناوى القرآن الكريم، وهو فى الثامنة من عمره، ودرس الحديث والتفسير والبلاغة والفقه على مذهب الإمام مالك ، وسافر إلى دمشق، ومكة المكرمة، والمدينة المنورة، والتقى الشيخ مجد الدين القشرى، من قوص فى مصر، وصحبه إلى قنا، ليستقر بها، ويتزوج وينجب 11 صبيا، و8 بنات.

عمل القناوى بالتجارة، وجمع بينها وبين العبادة، فكان يعمل نهارا ويجتمع بمريديه ليلا ومن أهم كتبه: تفسير القرآن الكريم، ورسالة فى الزواج، وأحزاب وأوراد، وكتاب الأصفياء.

 ينقل المؤرخون عن الإمام عبدالرحيم القناوى، قوله: «من لا يزر القرشى، فلا يزورني»، ويقول أحد مريدى الإمام، أن المقولة تعود إلى أن الإمام عبد الرحيم القناوى أتى إلى قنا بعد الشيخ عبدالله القرشى، والذى كان يقول قبل حضور الإمام القناوي: «يا قنا جايلك ملك»، وكان الناس يسخرون منه، حتى أتى العارف بالله عبد الرحيم القناوى، وكان «القرشى « موجودا بذات المكان، فاستقبله استقبالا حافلا وهو ملثم الوجه، ظل هكذا يخفى وجهه عن الإمام القناوى، ويخدمه، ويصب له المياه للوضوء، حتى سقط اللثام ذات مرة فعلم القناوى، أن القرشى أكبر منه سنا، فقال له منذ هذه اللحظة، تكون أمامى، ومن لا يزرك لا أقبل منه زيارتى.

ويروى المؤرخون العجب عن كرامات الشيخ القناوى، واقعة مثيرة، مفادها وجود ساقية يديرها عجل، فأتى أسد، وأكل العجل، فقالوا للقناوى فأتى إلى الأسد وأجبره على العمل بدلا من العجل، وكان يهب إليه يوميا لإطعامه، فلقب القناوى ب «الأسد».

ويروى أنه أتاه رجل فقير يشكو الفقر وكثرة الأولاد، فأعطاه مقدار قدحين من غلة وقال له خذهم واخلطهم بغلتك، ففعل الرجل، وأخذ يطحن فى الغلة لمدة 4 أشهر والغلة لا تنفد.

ويروى المسئول عن المسجد، قصة حدثت معه شخصيا فيقول: «سمعت عن موقف حدث قبل التحاقى بالمسجد، عن ضابط كبير يدعى أحمد رضوان الطيب، حين قال لصاحبه الشيخ عبده عاشور نقيب سيدى عبدالرحيم، إنه يريد أن يزور المقام الشيخ عبدالرحيم، فرفض لأن الجو حار، إلا أنهم فى النهاية حضروا إلى قنا، فاستقبلهم الشيخ عبدالرحيم القناوى بشخصه وهيئته على مدخل قنا وسلم عليهم، وقال لهم: «أنا عبدالرحيم القنائي».

وأضاف: «عند سماعى هذه القصة أنكرتها تماما، ولم أصدقها حتى شاء القدر والتحقت بالعمل فى الأوقاف، وعملت بمسجد سيدى عبدالرحيم، وكان من نصيبى هذا الحدث الرائع فى حياتى، فقد كنت أسجل حضورى وانصرافى عند المقام، وفى اليوم الثامن من استلامى العمل، صليت العشاء، ووقعت انصرافا، وذهبت لحجرة كبار الزوار، لأخذ حذائى وانصرفت، وأنا فى الخارج وجدت رجلا جميلا قال لى ما شاء الله عليك صليت معك المغرب والعشاء، وكنت موفقا فيهما، وسألنى هل رأيت عبدالرحيم القنائى قبل ذلك؟ فقلت لا فقال لى أنا هو فسلمت عليه وقبلته يمينا ويسارا وأردت أن أمسك بيده طويلا، فسمعت النقيب حسين الحرز وكيل وزارة الأوقاف ينادى علىَّ من حجرتى بالمسجد، فقال لى سيدى عبدالرحيم اذهب إليه، وحينما عدت مسرعا لم أجده».

ولد عبدالرحيم القناوى، فى مدينة ترغاى، بإقليم سبتة فى المغرب سنة 521 هجرية، ونشأ وترعرع هناك، وأمضى طفولته فى تحصيل العلم بجامع ترغاى الكبير، على يد والده، كما تتلمذ على كبار العلماء المالكية، ولم يكد يصل إلى الثامنة من عمره حتى كان حافظًا للقرآن الكريم، بالتجويد، والفهم.

وتوفى والده وهو فى ال18، وكان رضى الله عنه، يحب والده حبا عميقا ويرى فيه المثل الأعلى والقدوة الحسنة، لذلك تأثرت صحته وساءت حالته النفسية بسبب وفاته فمرض مرضًا شديدًا حتى أصبح شفاؤه ميئوسا منه، مما جعل والدته العربية تفكر فى إرساله إلى أخواله فى دمشق.

ورحل عبدالرحيم إلى دمشق فأكرم أخواله وفادته، وسهلوا له مهمة الاتصال بكبار العلماء والفقهاء هناك، فأمضى فى دمشق سنتين، نهل فيهما من العلوم، قبل أن يعود إلى مسقط رأسه.

وكان لامتزاج الثقافتين الشرقية والغربية، أثرهما فى نفس عبدالرحيم القناوى، فقد خلقت منه شخصية متكاملة رغم حداثة سنه، حتى أنه دعا ابن العشرين، ليحضر حلقات الدرس فى الجامع كمدرس.

وامتلأ المسجد خلال دروس القناوى حتى لم يعد فيه مكان لقادم، إذ لم يقتصر الأمر على أهل ترغاى بل ولا أهال منطقة سبتة كلها، وإنما تخطاهما إلى الذين أتوا من المغرب كلها، لحضور الدروس.

وبقى القناوى فى الحجاز 9 سنوات قضاها متنقلا بين مكة والمدينة، ينهل من علم وفضل فقهائها وعلمائها تارة، وعابدا معتكفا بالبيت الحرام والمسجد النبوى تارة أخرى، أو متنقلا يسعى فى مناكبها للاتجار فى بعض المحاصيل سعيا وراء كسب الرزق حتى يستطيع التفرغ للعبادة والعلم دون أن يمد يده للاستجداء أو أن يكون عالة على أحد.

وفى موسم الحج العاشر، التقى فى مكة أحد الشيوخ الأتقياء الورعين القادمين من مدينة قوص عاصمة صعيد مصر، وهو الشيخ مجد الدين القشيرى، ودار بينهما حديث فتعارفا وتآلفا، وعادا سويا إلى مصر.

وبعد دخوله مصر، أقام عبدالرحيم القناوى، فى قنا يرفع فيها راية الإسلام، ويعلم المسلمين أصول دينهم، ويجعل منهم دعاة للحق، وجنودا لدين الله، وذلك بصحبة الشيخ مجد الدين القشيرى، الذى كان يعمل حينئذ إماما بالمسجد العمرى بقوص وكانت له مكانته المرموقة بين تلاميذه ومريديه، وكان ذلك فى عهد الخليفة العاضد بالله، آخر خلفاء الدولة الفاطمية، لكن عبدالرحيم لم يرغب البقاء فى قوص وفضل الانتقال لمدينة قنا، تنفيذا لرؤى عدة أخذت تلح عليه فى الذهاب إلى قنا، والإقامة بها ولأن قوص ليست فى حاجة إليه.

وفى قنا التقى القناوى الشيخ القرشى، أحد أوليائها الصالحين، فانعقدت أواصر الألفة بينهما، وتحابا فى الله، وساعد جو قنا الهادئ الشيخ عبدالرحيم على حياة والتأمل فأمضى عامين كاملين، يتعبد ويدرس ويختلى بنفسه ليتعرف على خباياها، ولا يقطع عليه هذا الاختلاء إلا خروجه للتجارة التى يعتمد عليها فى معاشه.

وكان رحمه الله قد اتخذ لنفسه منهاجا لا يحيد عنه طوال حياته، وهو العمل بيده حتى يكسب قوته، ودرت عليه التجارة فى قنا ربحا وفيرا ساعدته على الإنفاق على فقراء الطلاب أصدر الملك العزيز بالله ابن صلاح الدين الأيوبى، قرارا بتعيين الشيخ عبدالرحيم شيخا لمدينة قنا، ومنذ ذلك التاريخ أصبح يعرف بالقناوى،وتزوج بابنة الشيخ القشيرى، وبعد وفاتها تزوج ثلاث أخريات أنجب منهن 19 ولدا وبنتا، وكان مركزه زاوية بجانب ضريحه الحالى، يجتمع فيها بالوافدين عليه من كل مكان، واستمر كذلك حتى توفى سنة 592 هجرية بعد أن عاش 72 عاما.