«مش موجود» قصة قصيرة للكاتب صابر سعد

الكاتب صابر سعد
الكاتب صابر سعد

لم يدر بخَلَد «أحمد» أن تشرق شمس التغيير، وتصبح بَازِغة وتصل أشعتها إلى جميع جنبات حياته؛ فقطار العمر داهمه حتى وصل للمحطة الخامسة والثلاثين في رحلة حياته.

 

مرت الأعوام والسنون كـ «الْبَرْقُ الذي يَخْطَفُ الأَبْصارَ»، لكن رغم هذا لم يتوقف «أحمد» ولو لبرهة للتفكير مليا في أمر قد يقلب الطاولة على بعض جوانب العشوائية التي كانت تعتري حياته.

 

من رحم المعاناة والألم؛ يولد الأمل الذي يفجر ينابيع عذبة في أرض جرداء لا زرع بها ولا ماء، فما حدث كان أشبه بدرب من الخيال.

 

ذات مرة سمع «أحمد» كلاما من صديق له كأنه يعيه لأول مرة، فتسلل إلى نفسه كأنه دواء يشفي مَا فِي الصُّدُور، فلا يدركه إلا «مَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ».

 

«عصبي.. ومتسرع».. كلمتان بسيطتان لكنهما نزلا على سمعه كالصاعقة، «فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ» على ما ضيع من حياته «وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا» غير مكتملة بصفتي «الحلم.. والتروي»؛ فربما إذا لم تكن لصديق «أحمد» مكانة عالية لما أدرك فحوى نصيحته ولا غاص في مكنونها، لكنها كانت بالفعل «قبلة الحياة» التي أيقظته من غفوة ظل فيها طوال سنوات وسنوات دون أن يحرك ساكنا.

 

أيقن «أحمد» النصيحة خاصة أنها صدرت من قلب نقي خال من أية شوائب كالماء العذب وكالمطر الذي يهطل وينساب وكالهواء الذي يشفي ما في الصدور، فعقد العزيمة على أن يصبح شخصا آخر حتى وإن باغته قطار العمر، فشد الرحال نحو متخصص في تطوير الذات.

 

تلقفه المتخصص وظل معه حتى أعاده إلى فطرته التي خلقه الله عليها، لكنه تعجب من قوة «أحمد» الفولاذية التي حطمت كل الأرقام القياسية، فبالإضافة لجلسات تطوير الذات قرأ «أحمد» أكثر من ١٦ كتابا عن «إدارة الغصب» والسيطرة عليه و«كظم الغيظ».. ليس هذا فحسب بل وصل لمرتبة لا يدانيه فيها إلا القليلين، حتى أن المتخصص «انْفَرجت أساريره»، فعرض عليه أن يظهره للجمهور كنموذج للإصرار والتحدي، لكن عقبات عدة حالت دون تحقيق تلك الرغبة لعمله في وظيفة لا تتطلب ذلك.. الأهم أن المتخصص فطن إلى أن «أحمد» لا يزال في جَعبته الكثير وما رآه منه هو «غَيْضٌ من فَيْض».

 

بمرور الأيام؛ تنفس «أحمد» الصعداء، وذاق حلاوة ولذة الحياة كأنه ولد من جديد، ليس هذا فحسب بل وصل الأمر لأبعد من هذا فبلغ مرتبة «التسامح» ففتش في دفاتر حياته واسترجع -بكل ما اسعفته ذاكرته - من كان في حلقه «غُصَّة» منه وفي صدره مثقال ذرة من حزن، وتواصل معهم جميعا وابلغهم أنه سامحهم.

 

لم يقتصر الأمر على ذلك بل انتشرت زَخَّات التسامح في شتى مناحي حياته، ولم لا وهو لم يكن من المتكبرين فلسان حاله يقول دائما: ربنا لا تكتبني مع «الذين اسْتَكْبَرُوا وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا».

 

قرأ كتبا وشاهد فيديوهات وحضر ندوات عبر الإنترنت عن التسامح، حتى مَنّ اللهُ عليه بأنه صار من «الْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ» بعد تجاوز مرتبة «الْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ»، وبهذا صارت له شهادة ميلاد جديدة بفضل الله، ثم بفضل صديق سيبقى مدينا له طوال العمر، وحاملا صنيعته في عنقه إلى أن يلقى الله، وسيظل هذا محفورا في ذاكرته أَبَدَ الدَّهْرِ.