قمة باريس.. نحو ميثاق مالى عالمى جديد

 مشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى قمة باريس
مشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى قمة باريس

فى تظاهرة عالمية، بمبادرة من الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، اجتمع أكثر من 40 رئيس دولة وحكومة وممثلون عن المؤسسات المالية العالمية ورؤساء مؤسسات وشركات من القطاع الخاص من حول العالم ومنظمات من المجتمع المدنى فى باريس يومى الخميس والجمعة، لمحاولة إعادة تشكيل النظام الاقتصادى العالمي، وطرح فكرة إنشاء عقد جديد بين الشمال والجنوب، للوفاء بالأهداف العالمية المترابطة والمشتركة المتمثلة فى الحد من الفقر، ومواجهة تغير المناخ، وحماية الطبيعة، من خلال إصلاح بنوك التنمية متعددة الأطراف، وحل أزمة الديون فى الدول النامية، وتمويل التكنولوجيات الخضراء والتنمية المستدامة، وإنشاء ضرائب دولية جديدة وأدوات تمويل مبتَكر، ودعم القطاع الخاص للمشاركة فى التنمية فى البلدانِ المنخفضة الدخل.


تأتى القمة التى دعا إليها ماكرون خلال قمة المناخ «COP 27» العام الماضى فى مصر، فى سياق اتفاقيات المناخ وإعلان باريس للمناخ منذ فترة طويلة، وما تتعرض له الكرة الأرضية اليوم من تأثر كبير بسبب التغيرات المناخية مما تسبب بكوارث ومصاعب على كثير من دول العالم خاصة منها الدول الفقيرة، حيث كان للتغير المناخى نتائج كارثية، تجعل من تحرك الدول الكبيرة فى هذه القمة أمرا فى غاية الأهمية والدقة، لمعالجة هذه الأخطار التى قد تكون سببا لإحداث مجاعات وحروب وتغيرات فى السياسات وغيرها.


لم يكن للاجتماع الختامى فى باريس أى تفويض لاتخاذ قرارات رسمية ، لكن ماكرون تعهد بتقديم قائمة مهام مصحوبة بأداة لتتبع التقدم. لم يتم الافراج عن هذه الوثيقة بعد.. وكان العديد من النشطاء والمنظمات غير الحكومية قد حثوا المشاركين فى القمة على ضمان التزام الدول الغنية بتخفيف ديون الدول الفقيرة ، بما فى ذلك إلغاء القروض. كما تمت مناقشة بند تعليق ديون البلدان المتضررة من الأحداث المناخية المتطرفة. لجلب المزيد من الأموال ، يضغط النشطاء أيضًا من أجل فرض ضريبة على صناعة الوقود الأحفورى وضريبة أخرى على المعاملات المالية. كماوفر صندوق النقد الدولى أصولًا بقيمة 100 مليار دولار - تسمى حقوق السحب الخاصة - متاحة لبعض البلدان الضعيفة.. تضمن اليوم الأول للقمة إعلانات عن زوج من الصفقات، قال مسئولون فرنسيون إن زامبيا المثقلة بالديون توصلت لاتفاق مع العديد من الدائنين بما فى ذلك الصين لإعادة هيكلة 6.3 مليار دولار من القروض.

واتفاق اخر مع الاتحاد الأوروبى والحلفاء الغربيين لدعم جهودها لتحسين وصولها للطاقة وزيادة حصتها من الطاقة المتجددة إلى 40٪ بحلول عام 2030. كما أعلن البنك الدولى عن مجموعة من الإجراءات لمساعدة البلدان المتضررة من الكوارث الطبيعية، من خلال إيقاف سداد الديون وإعادة توجيه التمويل؛ والربط بين الاستعداد لمواجهة الأزمات والتمويل؛ وتدعيم مشروعات التنمية من خلال القطاع الخاص، وبناء مظلة تأمين معززة ضد الكوارث بدون ديون.


فى إطار فعاليات القمة شارك الرئيس عبد الفتاح السيسى فى اجتماع مائدة مستديرة بعنوان «طريق جديد .. شراكات للنمو الأخضر» . تأتى مشاركة الرئيس السيسى فى هذا الحدث الهام فى إطار العلاقات الإستراتيجية المتنامية والعميقة الجذور التى تربط مصر وفرنسا ودور مصر المحورى على مستوى الاقتصادات الناشئة بشكل عام. وركز الرئيس السيسى على مختلف القضايا التى تهم الدول النامية واتخاذ تدابير ملموسة لتمويل إنشاء صندوق للتعويض عن آثار تغير المناخ التى تعانى منها الدول النامية.


القمة العالمية الجديدة أصبحت ضرورة خاصة بعد تجاوز الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الكوارث الطبيعية العام الماضى الـ 300 مليار دولار، وبلوغ نسبة الانخفاض فى الحياة البرية نحو 70% بين عامى 1970 و2018، إضافة إلى زيادة نسبة الأشخاص الذين يعيشون فى فقر مدقع بنحو 11% بسبب جائحة كورونا.


ورغم ان المختصين يرون أن القمة لم تنتج قرارات صارمة وحاسمة فى ملف المناخ، لكنها ستكون مهمة جدا فى التأسيس لمجموعة قرارات واتفاقيات وقوانين وأنظمة يتم العمل عليها ضمن عدة فعاليات أخرى منها «قمة العشرين» التى ترأسها الهند فى هذه الفترة و»COP 28» فى دولة الإمارات العربية المتحدة، واجتماعات صندوق النقد الدولى فى مراكش، مما سيطرح حلولا ملموسة أكثر لتكريس ميثاق نظام مالى عالمى جديد أكثر عدلا.. كما تمهد القمة الطريق لعقد اتفاقيات جديدة للحد من مشكلة تفاقم الديون، وتتيح لعدد أكبر من الدول الحصول على التمويل الذى تحتاجه من أجل الاستثمار فى التنمية المستدامة، والحفاظ على الطبيعة بشكل أفضل، وخفض الانبعاثات الحرارية وحماية السكان من الأزمات البيئية خاصة فى المناطق الأكثر عرضة للأزمات.


تسعى فرنسا من خلال هذه القمة لإيجاد دور قيادى عالمي، حيث نجح الرئيس ماكرون خلال ولايته الأولى والثانية أن يمرر قانون التقاعد على المستوى الداخلى الفرنسي، وهو ما يمكن اعتباره إنجازا على مستوى برنامجه الانتخابي، وعلى المستوى الخارجى يحاول اليوم أن يثبت دور فرنسا، فى إطار النظام العالمى الجديد قطب مهم، وهذه المساعى الفرنسية ترجمة لسعيها لتكون فاعلة على طاولة النظام العالمى الجديد.