محمد شعير يكتب : في وداع حمدي أبو جليل

محمد شعير يكتب : في وداع حمدي أبو جليل
محمد شعير يكتب : في وداع حمدي أبو جليل

كأنها مزحة ، أو هكذا بدا الأمر للجميع ، ولكن مزحة حمدى أبوجليل هذه المرة كانت ثقيلة ، تأكد الخبر ورحل الموهوب صاحب الحياة الصاخبة ، اختار حمدى (1967-2023) موتا يشبه كتاباته، وكأنه يسخر منا جميعا، يلغى المسافة بين المتخيل والواقعي، أو ما نظن أنه متخيل أو ينبغى أن يكون كان حقيقيا معه.

فى قصصه ورواياته وكتاباته الصحفية وتغريداته القصيرة كان يتحدث دائما عن الموت، عن روايته التى لن يكملها، لكننا لم نكن ندرك أن الموت والغياب المفاجئ الذى يكتبه دائما هو مشهد مؤجل فى حياته المليئة دائما بالأخطار.   

اقرأ ايضاً| كاميليا حسين: «استغماية» بدأت بحلم

يكتب حمدى فى مفتتح روايته «لصوص متقاعدون»: «الموت أحد البدائل المطروحة أمام الواحد دائماً كوسيلة سهلة للخلاص من خطر ما... الموت غاية كل خطر وهو فى الوقت نفسه الوسيلة المثلى للتصالح مع الأخطار».

كتابة أبوجليل منذ مجموعته القصصية الأولى «أسرب النمل»، وحتى روايته التى كان يعمل عليها، كانت مغامرة كبرى فى تاريخ الرواية العربية، كتابة لا تدخل فى حالة خصام مع القارئ، ولا تتعالى عليه، أدب يكسر التقاليد المتعارف عليها للكتابة ولا يفارق المتعة باعتبارها غاية ، الكتابة بوصفها هما فرديا لا مناقشة هموم أمة ، المتعة فيها أهم من قوانين الكتابة، وربما لهذا وجد حمدى نبرته الخاصة مبكرا، وكتب روايته الخاصة وكتب تجربته الثرية وتجربة ناسه، أو الذين عرفهم عبر سنوات حياته القصيرة.

مسارات الكتابة لدى أبو جليل كانت مثل "مجرى مائى، به ربوات عالية تعوقه، عدم مقدرة الماء على تجازوها يؤدى به بالضرورة إلى مسارات جديدة، ربما لم يألفها المجرى الرئيسى، وربما نقيضه له" وهكذا يحدث التجديد، من عجز الكاتب عن إجادة ما سبقه إليه الآخرون وهو الأمر الذى كان يلح عليه دائما حمدي ، ولذا عندما كتب روايته" الفاعل" لم يستطع أن يكتبها "محبوكة"، بأحداث متسلسلة، وبناء صارم، وحبكة تتكشف فى نهايتها " لحظة تنوير" ، كتبها فى البداية بهذه الطريقة، ولكنه لم يستسغها، فمزقها، وقرر إعادة كتابتها من جديد دون أن يقصد " الثورة على الحبكة".

هذا الملف محاولة أولى للاقتراب من تجربة أبوجليل ..الثرية والممتعة فى الوقت ذاته، تجربة تطرح الأسئلة وتفتح إمكانيات للتجريب بلا نهاية.