حكايات | «سوبر بابا» .. بطل الظل للأسرة السعيدة 

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

لا تقف تضحيات الأب عند حد معين، إذ يدور فى ساقية الحياة ليلبى متطلبات أسرته، يصيبه الحزن والإحباط إذا فشل فى ذلك، يعود لمنزله منهكًا متعبًا، لكن سرعان ما يزول تعبه بمجرد أن يرى ابتسامات أبنائه وبشاشة وجه زوجته، لا ينتظر عيدًا لتكريمه، تكفيه كلمة شكر وثناء من أسرته، يرى أن الحياة مشاركة بين الزوجين ليصلا إلى بر الأمان، فالأبوة مثل الأمومة تتطلب تضحيات كبيرة.. وأحيانًا تكون تضيحات الأب عظيمة لدرجة أنه يستحق لقب "سوبر بابا".

اقرأ أيضاً | حكايات| أمل دنقل شاعر الرفض.. «صوت لا يغادرنا»

كم من آباء تحملوا مسئولية الأسرة وتربية الأبناء بمفردهم دون تبرم أو تذمر، فأصبحوا بمثابة الأب والأم معًا، بل ونسوا احتياجاتهم وسعادتهم، فكافأهم الرب بعطاياه ومنحه. وبمناسبة عيد الأم الذي يحتفل به في 21 مارس من كل عام، تسلط «آخرساعة» الضوء على مدى مشاركة الأب فى تحمل مسئولية الأسرة جنبًا إلى جنب مع زوجته، أو حتى بمفرده، وكيف يعود ذلك بالنفع على الأسرة بصفة عامة وعلى الأبناء بصفة خاصة؟.. وفي السطور التالية نتحدث مع عدد من الآباء الذين قرروا أن يكونوا هما الداعم الأول لأسرهم ولأبنائهم موضحين أهم التحديات التي واجهتهم وكيفية الاستطاعة والمجاهدة على التغلب عليهم ليشعرون بالفخر عندما يرون ثمرة تعبهم تنمو أمام أعينهم ويصبحون مصدر فخر لهم.

نبيل: أب يُحتذي به
فى أحد أيام شهر يناير الباردة قرر" نبيل" السفر مع أسرته الصغيرة ليستمتعوا بدفء شمس أسوان، وفى رحلتهم التى امتدت لأكثر من عشر ساعات، استسلم "نبيل" للنوم أثناء قيادة سيارته، فاصطدم بشاحنة نقل عملاقة، أودت بحياة زوجته الشابة، ونجا بحياته هو وطفلاه الصغيران.
وبعد خروجه من المستشفى قرر خلع ثوب أنانية الرجال، وعزم على أن يتفرغ لتربية طفليه دون أن يفكر فى ذاته أو الزواج مجددا، وبمرور السنوات شعر بلذة المسئولية خاصة أنه كان يرى فى عينى ولديه نظرات الشكر والامتنان طيلة الوقت. ومرت الأعوام الطويلة ونجح نبيل فى توصيل ابنيه لبر الأمان، وبات مثالًا يُحتذى به سواء للآباء أو الأمهات.
محمد عبد الفتاح عن أبنائه: «نفسي اطمن عليهم بس»
أما محمد عبد الفتاح صبح، فهو أب لطفل عمره 9 سنوات وطفلة 5 سنوات، كانوا يعيشون حياة مستقرة حتى بدأت تحدث بعض الخلافات بينه وبين زوجته منذ ما يقرب من 4 سنوات ومع تزايدها يوما بعد يوم حدث الطلاق الفعلي منذ عامين ونصف، وحينها قررت الأم التخلي عن الأسرة بأكملها وأن تقتصر علاقتها بأبنائها على الزيارات من حين لأخر وأن يتحمل الأب المسئولية كاملة، وهذا ما يسعى الأب بالفعل لتحقيقه جاهدا لتوفير حياة مستقرة كريمة لأبنائه.
يعمل الأب في مجال الأعمال الحرة ويحرص على تنظيم وقته جيدا بين متابعة أعماله وبين الأمور المنزلية ليوفر كل ما يحتاجه أبنائه، فهو مسئول بشكل كامل عن مذاكرة دروسهم وانتظامهم في الدراسة وتحضير وجبات الطعام والذهاب والعودة بهم، فضلا عن مواعيد الدروس التي محددة لها 4 ساعات يوميا، ودائما ما يكون أول الحاضرين في الحفلات المدرسية ليكون خير داعما لهم وتلبية احتياجاتهم النفسية وتعويضهم عن الشعور بتخلي الأم، بالإضافة لتحقيق بعض الرفاهية لهم فيصطحبهم للرحلات وممارسة الرياضة وأيضا يهتم بالجانب الديني وتعليمهم الصلاة وحفظ القرأن الكريم، قائلا: «نفسي اطمن عليهم بس».
ومن أصعب التحديات التي يواجهها هو كيفية بناء شخصيتهم نفسيا وصحيا بطريقة سوية في هذا السن الصغير، فدائما يرشدهم للصواب ويخبرهم بكيفية تناول الطعام الصحي ومخاطر الوجبات السريعة، ولا يغفل عن اختيار الملابس المناسب لهم وتعليهم الأناقة والرقي واختيار المناسب لهم، ويري أنه يعيش لهم فقط ويرفض الزواج خوفا من أن يظلمهم أو يقصر في حقهم مستقبلا.


خالد: أحاول أعوض ابني بعد وفاة والدته 
وعن الأب خالد فهو لا يملك إلا ابنه محمود البالغ من العمر 14 عام، والذي يري أنه يعيش له فقط بعد أن توفت الأم منذ 9 أشهر، فالأب يعمل مدير عام بأحدى الوزارات الحكومية، ويذهب للعمل صباحا ويعود عند الثالثة عصرا ويظل بالمنزل بعدها ولا يضطر للخروج إلا في حالة الضرورة القصوى فقط، وذلك ليظل متواجد مع محمود بصفة مستمرة، فهم يحاولون تخطي الأمر والسيطرة علي فكرة استحالة عودة زوجته إلى الحياة مرة أخرى وخاصة أنها كانت بمثابة الأم والأخت والصديقة، وذلك من خلال الحوار المستمر والتحدث بالعقل والاستعانة بالأمور الدينية، حتى أصبحوا بمثابة الأصدقاء الأقوياء، ويرى محمود أن أبيه هو مثله الأعلى في كل شئ، ولتخطى الأمر قررت خالة محمود مساندتهم قدر الإمكان في محاولة منها لاستقرار المنزل من ترتيب مواعيد طعام محمود وتدريبه ومدرسته فهي تقوم بالأمور المنزلية كما كانت تقوم بها الأم، خاصة أن زوجها متوفى لذا قررت أن تنقل حياتها للمساعدة في توفير حياة كريمة لأبن شقيقتها المهذب قدر إستطاعتها.


رامي: المشاركة أهم أسس تكوين الأسرة
ومن جانبه يري رامي متزوج وأب لطفلين الكبرى 3 سنوات وشقيقها الأصغر يبلغ عام واحد، أن مشاركة الأب في تربية أبنائه من أهم أسس تكوين الأسرة، فهو يقع على عاتقه مسئولية كبيرة بجانب الأم التي تدور في دائرة وروتين يومي متكرر، فمنذ بداية اليوم تبدأ بتحضير وجبات الإفطار والغداء للأسرة ومتابعة أعمال المنزل وتلبية طلبات الأبناء التي لا تنتهي، بجانب عملها اليومي، لذا يجب أن يكون الزوج هو خير سند وداعم لها ولأولاده، ويقول أنه على الرغم من مواعيده عمله التي تصل إلى أوقات متأخرة من الليل، إلا أنه لا يذهب لعمله يوميا إلا بعد أن يوفر جميع طلبات المنزل أولا حتى لا تضطر هي للخروج، وفي أحيانا كثيرة عندما يرى أنها متعبة فيقوم بحمل الأبناء عنها لتأخذ قسط من الراحة وتستعيد قوتها مرة أخرى، هذا بالإضافة لقيامه ببعض أعمال المنزل على قدر استطاعته، وأيضا حين يمرض أحد الأبناء يذهب به للطبيب ولا يتركها بمفردها وقبل كل ذلك فكان يحمل عنها كل أمور المنزل أثناء الحمل وبعد الولادة.
استكمال المنظومة
من جانبها تقول الدكتورة منار حسن، الاستشارى النفسى والتربوى: دائما ما يتم التركيز على دور الأم وتأثيره فى بناء الأسرة والأبناء لدرجة جعلت الأم تتحمل مسئوليات كبيرة وحدها بدون مشاركة الأب، وترتب على ذلك وصول الأم للمزيد من الضغوطات والسعى وراء المثالية والكمال حتى لا تشعر بالتقصير فى مسئوليتها، خاصة عندما تشعر بأن دور الأب يقتصر فقط على المحاسبة والانتقاد لأى مشكلات أو تحديات، فى حين أن الأسرة بحاجة للتركيز على مشاركة الأم والأب وتعاونهما لإنجاز هدفهما فى بناء الأسرة وتربية الأبناء.
وأشارت إلى أنه عند سماع جملة «مشاريع كبيرة تتقدم» فلابد أن تلحقها جملة «تم بتعاون مشترك»، وكذلك الأسرة والتربية مشروع كبير، وتأثير التعاون المشترك له أبعاد نفسية عظيمة على كل أفراد الأسرة، ومنها شعور الأم والأب بالقيمة والأهمية عند المشاركة سويا بدلا من الشعور باللوم والتقصير الذى ينشأ من عدم التعاون، فضلا عن أن المشاركة بين الأم والأب تقدم مثالا عمليا وقدوة لتعلم الأولاد فى الكبر، ليستطيعوا المشاركة وتحمل مسئوليات الأسرة فيما بعد بكل حب واهتمام ومشاركة وتبادل الأدوار بشكل طبيعى وأساسى فى نظام الأسرة. 
وأضافت: الراحة النفسية لكل أفراد الأسرة تتحسن بمشاركة الأب فى المسئوليات، لأن دعمه يصل فى شكل أمان وحب واهتمام، وقد تحدث ظروف مصيرية تجعل الأب يقوم بالدورين وحده فى تربية الأبناء، التى تكون فيها الحياة ممتلئة بالصعوبات والتحديات، إذ يتولى الأب مهام لم يتعود عليها الرجال فى مجتمعاتنا، لكن رغم ذلك فإن الاعتياد رويدا رويدا يجعل الأبناء يستفيدون من نقاط قوة شخصية الأب التى تظهر فى المواقف اليومية، فضلا عن زيادة الثقة فى العلاقة بين أفراد الأسرة نتيجة ترابطهم بالمشاركة والتعاون الذى يضيف رصيدا إيجابيا يسمح بتحمل الصعاب والتحديات ومواجهة المواقف السلبية. 
وتؤكد أن المشاركة قوة تدعم كل أفراد الأسرة وتجعل وضع الحدود والقواعد أيسر، وعلى عكس ذلك عدم ظهور الأب بشكل واضح فى العناية بأولاده يجعلهم يستدعون دوره بالمشاكل والسلوكيات السلبية جذباً لانتباهه واهتمامه، فالأسرة التى بدأت بأم وأب لابد من الحفاظ على كيانها عن طريق مشاركتهم سويا لدعم استقرار الأسرة ونجاحها.