فى ذكرى وفاته الـ2300 .. الإسكندر الأكبر تاريخ تحوَّل لأسطورة أدبية

الإسكندر الأكبر
الإسكندر الأكبر

حسن حافظ

إذا ذكرت صورة البطل التاريخى الفاتح بين عشرة أشخاص من ثقافات مختلفة، فإن اسم الإسكندر الأكبر سيطرح لا محالة، فهذه الشخصية التاريخية التى صنعت إمبراطورية مترامية الأطراف فى غضون عشر سنوات ورحل سريعا وهو فى ريعان شبابه، تحولت إلى شخصية عالمية ذات أبعاد أسطورية وحفرت لنفسها مكانة غير متنازع عليها فى مختلف الثقافات، فإذا كانت رغبة الإسكندر فى توحيد العالم بقوة السلاح قد فشلت، فإن العزاء الوحيد هو أنه نجح فى أن يوحد العالم على تقديره فنراه حاضرا فى الثقافة العربية والفارسية بنفس المقدار الذى نجده فى الثقافات الغربية، واللافت أن انطلاق أسطورته كانت من مصر.

فى ذكرى وفاة الإسكندر الـ2300 التى تمر هذه العام (توفى يونيو 323 قبل الميلاد)، لا تزال شخصيته محل جاذبية لا تقاوم، فالشاب الذى تولى الحكم فى مقدونيا وهو فى العشرين من عمره خلفا لوالده فيليب الأعور، وسرعان ما انطلق الشاب الصغير على رأس قواته فى بناء إمبراطورية مترامية الأطراف فضم بلاد اليونان ثم الأناضول فالشام ومصر ثم هزم الإمبراطورية الفارسية وأسقطها وسيطر على بلاد إيران ووسط آسيا وحاول غزو الهند، وكل ذلك فى عشر سنوات فقط، قبل أن يتوفى فى بابل جنوبى العراق، عندما كان يعد العدة لاستكمال غزو بلاد الهند ثم التقدم شرقا صوب الصين، تاركا خلفه إمبراطورية ضخمة سرعان ما تحطمت وانقسمت بين قادة جيشه، لكن ذكراها ظلت تتردد فى جنبات التاريخ، وتحول إلى شخصية أسطورية دخلت فى أشكال مختلفة من الآداب العالمية والثقافات المختلفة، وهو ما نحاول أن نرصده هنا.

تعود محاولة كتابة تاريخ الإسكندر الكبير أو الأكبر أو العظيم، إلى كاليسثينيس وهو أحد تلامذة أرسطو، ومرافق الإسكندر فى غزواته، لكن نص كاليسثينيس لم يصل لنا، وكل ما وصلنا هو محاولة شخص مصرى تأليف رواية أسطورية عن الإسكندر تحت اسم (ِشرح حياة الإسكندر)، يصبح فيها الإسكندر ابنا لنيكتانيبو آخر فرعون مصري، ومن هذه الرواية الأسطورية بدأت قصة الإسكندر تغادر كتب التاريخ لتعيش حياة أخرى فى عالم الأدب، إذ أصبحت هذه القصة الأسطورية التى وضعت فى مصر عن الإسكندر ذات جاذبية هائلة فى نسج  الكثير والكثير من القصص والحكايات والأساطير حول الإسكندر الأكبر الذى حاول التوحيد بين الشرق والغرب، فكل ثقافة اقتبست من هذه القصة المصرية الأسطورية وعملت على مزجها بعناصر ثقافية محلية.

انتقلت القصة المصرية إلى اللغات الفارسية والسريانية وغيرها من اللغات المعروفة فى العالم وقتذاك، وعن طريق السريانية ترجمت قصة الإسكندر إلى العربية حيث امتزجت سيرة الإسكندر بسيرة ذى القرنين القرآنية، فأصبح الإسكندر يعرف بالإسكندر ذى القرنين، وأصبح بطلا فى الثقافة العربية إذ اعتبر من الملوك المؤمنين الذين آمنوا بوحدانية الله كما جاء فى قصة ذى القرنين القرآنية، لذا لا نجد غرابة فى أن الكثير من الملوك والسلاطين المسلمين يتلقبون بلقب إسكندر الزمان مثلما فعل سلاطين المماليك وبنى عثمان وغيرهم، فقد أصبح الإسكندر الأكبر رمزًا للحاكم المظفر فى الثقافة العربية، والتى انتشرت فيها قصة اأخبار الإسكندرب بشكل كبير ومنها انتقلت إلى الثقافات المتأثرة بالعربية، خصوصا أن قصة الإسكندر ذى القرنين دخلت الأدب الشعبى من الباب الواسع إذ نجدها فى (ألف ليلة وليلة) حيث أصبح رمزًا للملك الحكيم.

ومع استقرار أسطورة الإسكندر الأكبر فى الأدب العربي، ظهر الاستخدام الفارسى لها فى العصر الإسلامي، فمعروف أن الإسكندر الأكبر هو من قضى على إمبراطورية الفرس الأولى، لذا كان الفرس لا يحملون مشاعر طيبة للإسكندر، لكن لأن الأدب العربى احتفى بالإسكندر فإن الأدب الفارسى الإسلامى نقل هذه المشاعر إلى اللغة الفارسية، فنجد الفردوسى فى (شاهانامه) وهى العمل الملحمى الذى سرد فيه شاعر الفارسية الأكبر تاريخ الفرس مازجًا الأسطورة بالحقيقة، بحسب ما ورد فى (دائرة المعارف الإسلامية الكبرى)، ونجد فى ملحمة الفردوسى الشعرية قصة الإسكندر باعتباره أحد الأبطال إذ يقدم باعتباره ابن الملك الفارسى دارا، ولذا يواجه أخاه غير الشقيق دارا بن دارا للوصول إلى العرش الفارسي، وفى الأسطورة الفارسية نرى الإسكندر يتوجه إلى الكعبة ويساعد أبناء إسماعيل أى العرب.

بعد الفردوسي؛ أصبحت قصة الإسكندر الشعرية ركنا من أركان الأدب الفارسي، فنرى نظامى الكنجوى يكتب قصة الإسكندر شعرًا فى (إسكندر نامه)، وهى مقسمة لقسمين الأول (شرف نامه) وفيه يبدو الإسكندر فاتحًا للعالم لا يتوقف عن الغزو وهو هنا اذو القرنينب، والقسم الثانى (إقبال نامه) وفيه يظهر الإسكندر فى صورة فيلسوف وحكيم يحمى الدين الإلهي، وقد نجحت (إسكندر نامه) نجاحًا ساحقًا وكتب لها الانتشار فى الأدب الفارسى والتركى فقلدها الكثير من الشعراء فى إيران وتركيا والهند، وقد ركزوا على الجوانب الأخلاقية والفلسفية حيث تحول الإسكندر الأكبر وقصته إلى مدخل لكى يلقى الشاعر بأفكاره وآرائه الفلسفية والأخلاقية، وتعد (خرد نامه إسكندري) للشاعر عبد الرحمن الجامى الأشهر فى هذا المجال. وفى العصر الحديث استمر الاهتمام بالإسكندر الأكبر فنجد مصطفى محمود يكتب مسرحية (الإسكندر الأكبر)، وسلطان بن محمد القاسمى يكتب مسرحية أخرى بنفس العنوان.

فى أوروبا عاشت قصة الإسكندر الأكبر حياة أخرى، إذ أصبحت مع الوقت منجمًا لصورة البطل المنتصر فى أكمل صوره فالأعمال الروائية والمسرحية عنه لا تتوقف فى مختلف اللغات الأوروبية، فنجد مسرحية (الإسكندر المقدونى أو قصة مغامرة) تأليف البريطانى تيرانس راتيجان، وتعد رواية (نار من الجنة) 1969، للروائية البريطانية مارى رينو من أشهر الأعمال الروائية عن الإسكندر، إذ تعد رينو من المتخصصات فى كتابة الروايات عن اليونان القديمة، ومع نجاح روايتها عن الإسكندر أصدرت رواية ثانية عنه بعنوان (الفتى الفارسي) 1972، أما الكاتبة الأمريكية جوديث تار فقد فضلت التركيز فى روايتها (رب الأرضين) 1993، على الفترة التى قضاها الإسكندر فى مصر وما لفها من غموض إذ تدور الرواية فى أجواء سحرية، أما أشهر الأعمال التى كتبت عن الإسكندر فى العقود الأخيرة فهى ثلاثية الإسكندر للروائى الإيطالى فاليريو ماسيمو مانفريدى التى نشرها العام 1998، الذى قدم فى الجزء الأول من الثلاثية تحت عنوان (فتى الحلم)، بداية حياة الإسكندر وعلاقته الملتبسة بوالده وأمه، ثم يقدم فى الجزء الثانى (رمال آمون)، قصة زيارته الشهيرة لمعبد آمون بواحة سيوة، ثم فى الجزء الثالث (حافة العالم) يحكى الفصول الختامية من قصة الإسكندر كل ذلك فى قصة مثيرة للأذهان تعتمد على أصول تاريخية لكنها تضيف الكثير من الخيوط الدرامية المتخيلة للنص الذى يتحول إلى ملحمة روائية تنتصر للأسطورة فى قصة الإسكندر الذى أصبح جزءا من الميراث العالمي، فعلى الرغم من مرور 2300 عام على وفاة الإسكندر لا تزال قصته تستحق أن تروى وأن تنسج حولها المزيد من الأساطير والحكايات التى يبدو أنها ستتواصل على مر الزمن فهناك ولع عالمى بالإسكندر الأكبر.

اقرأ أيضًا : الملكة كليوباترا.. المرأة التي حكمت مصر بجمالها الساحر | نبذة تاريخية