«أمل» قصة قصيرة للكاتب محمد أبو زيد التيجاني

محمد أبو زيد التيجاني
محمد أبو زيد التيجاني

اليوم سأتحرر من قيودهم المُكبلة حول عنقي، الليلة عرسي وميلادي، كل ما اقترفته أني ولدتُ أنثى وعليا أن أتحمل توابع تلك الكلمة وأقدارها، منذ عشر سنوات بدأت ثورة جسدي"بالفوران" لتعلن أني امرأة، اسودت وجوههم واكتظمت، فأعلنوا مراسم وأدي، بين تلك اللباس الأسود ، وسلاسل ترقبهم لكل طرفة عين أو لخطوة أخطوها، حين بلغت الخامسة عشر، التحقت بالمدرسة الثانوية، عالم آخر، مُحرم لدى ما هو مباح لهم، يضحكون ويتسامرون، صدى لصوت بداخلي يردد أنا مثلكم أفرح وأضحك وأعشق الحياة، أخذتي غفوة وتذكرت وتنهدت وقلتُ كيف وقد احتبست بداخلي دون شعور، تلك المرة التي ضحكت بصوت عال يتذمر أخي صارخاً..

 

 - "وطى صوتك يابت آيه قلة الأدب دى"

 

رغم أنه لا يوجد في بيتنا غيره، وأبى وأمى، فلماذا جعلوه مِـحرَمى إذاً طالما الأمر كذلك، يمارس حق ذكورته، يـغـير، ويتذمر، يأمر وينهي، وينظر إلى النساء، دائما ما يتصارعا هو وأبى عن أمور في الدين، هذه بدعة وذاك شرك، ينهر أمى إذا ما التمست ضريح سيدنا تستغيثه وتترجى أن أتزوج،. لم يكن أخى بتلك الهيئة والطباع إلا عندما اقتحم حارتنا ذلك الشيخ، غريب في تصرفاته وملبسه لم  أراه يصلي في ضريح سيدنا قط، بل أقام زاوية فى مقابل الضريح وعلق عليها مكبرات تهتز لها جدران المنازل من حدة صوته في خطبة الجمعة، انتشر أصحاب "الـغـطرة" البيضاء ومنهم أخى، ازداد الأمر سوء، ففي المقابل الآخر أضاف أصحاب الراية الخضراء مكبرات أكبر، لم يبق سوى الصخب، فلا نميز خطبة كلًا منهما .

 

بعد أن انهيت مرحلة الثانوية جلست بالبيت أردت أن أكمل دراستي، لكن أبى رفض بعد أن زارنا أحد أصحابه، العائد من بعض دول إفريقيا كان دائما ما يشد الرحال إلى الدعوة لبلاد الهند وغيرها، أبي على إعجاب شديد به لما له من جهاد في الدعوة، وكان يريد أن يزوجني لابنه فهو على نهج ابيه شاب " متدين .. بيتقي ربنا ، وشغلته تحفيظ كتاب الله، وجمع الصدقات .. وأجره تحت بند والعاملين عليها"

- تعالى قَبًلي إيد مولانا .

 

  خرجت مددت يدي ورجعت إلى غرفتى المجاورة لمجلسهم، اللتهمتنى نظراته، لم تَـفرق كثيرًا عن الشباب المترامين بنواصى الطرقات، عرض عليه أبي أمر دراستى يرجو منه المشورة ...

 

  -  ياسيدنا البت عاوزة تكمل تعليمها وشبطانة في الحكاية اوى..

 - البت ملهاش الا بيت جوزها، وهى السيدة فاطمة بيت سيدنا النبى، صلوا عليه يا جماعة، اتعلمت ولا كان مصيرها بيت جوزها الإمام علي.

 

هكذا قال، يَحرمنى أن أكمل دراستى، وعنده ابنتان إحداهما مدرسة وأخرى طبيبة، اعترضت أمى ووقفت بجانبى، فغادرت البيت غاضبة، تعلم منزلتها وكم يحبها، فاضطرت أن  تضغط عيله، فانتهيا أني سأكملها منزلياً .

 

بعد أن انتهيت من الجامعة لم يعد لي حجة لم يكن لي ونس غير القراءة، لكن ماذا أفعل وقد وضعت رقبتي بين فكي الأسد ليس لي إرادة أو اختيار، اختلفت أمي وأخي وأبي، كل منهم يريدني أن أتزوج من يرى أني ملائمة له، وأنا من يلائمني، من الأنسب، لا أحد، وما اعترضت إلا كان ذلك إعلان العصيان، اتهمني أبى أن التعليم أفسدني وصب غضبه على أمي، اتهمني أخي أن القراءة أفسدتني فصب غضبه على أمي،  أنا وأمي من نخطأ، كان لأمي رأي آخر: " أني معمولي عمل من زوجة خالي لتعطيل الأمر حتى لا أسبق ابنتها " لكن ذهبت إلى رأي أخر .. أن أحدهم شغل عقلي " عبر الفيس بوك " 

 

- ماما أنا كنت سايبة شريط برشام هنا فين مصدعة شوية .. صحيح وقولي لبابا وأخويا موافقة على العريسين، بس هما يتفقوا على واحد فيهم.

 

- الاتنين يا أمل .. ؟

- ‏مش هتفرق يا ماما، هدخل أخد برشامة الصداع واريح دماغي .. هما بس بعدها يرتاحوا !