الجالس على كرسي «الألكسو» للطفولة: أتمنى أن أكون كتابًا في أيدي الصغار

إيهاب القسطاوى
إيهاب القسطاوى

قرر د. محمد ولد عمر، المدير العام لمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، إنشاء كرسى «الألكسو» فى خدمة الطفولة برئاسة الأديب المصرى إيهاب القسطاوى المتخصص فى أدب الأطفال، وهو قاص وروائي، وخبير تربوى، ومعد برامج ثقافية، مقيم فى بيروت، صدرت له العديد من المجموعات القصصية، وكتب الأطفال، وقد ترجمت أعماله إلى عدة لغات، وأدرجت فى المناهج المدرسية، وبمناسبة اختياره لهذا المنصب المؤثر فى بناء الوعى العربي، جاء هذا الحوار:


ما وقع ذلك القرار عليكم أولًا، وعلى الطفولة فى الوطن العربى ثَانِيًا؟
أود أن أعرب فى البداية عن بالغ امتنانى لكلٍ من د. محمد ولد أعمر، المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الألكسو»، ود. مراد المحمودى أمين المجلس التنفيذى والمؤتمر العام القائم بأعمال مدير إدارة الثقافة بمنظمة «الألكسو»، ود.محمد سمير حمزة المُشرف على اللجنة الوطنية المصرية للتربية والثقافة والعلوم، على هذا التكليف الذى أتشرف به، والثقة التى أعتز بها، وسأعمل جاهدًا لتلبية متطلبات الطفولة فى العالم العربى، وأسعى إلى وضع خطة شاملة للارتقاء بالطفولة بالشراكة مع كل الجهات المعنية فى عالمنا العربى تحت مظلة «الألكسو»


حدثنا عن أوضاع المحتوى الثقافى الذى يتوجّه إلى الأطفال فى عالمنا العربي؟
لقد بات من الواضح جدًا، الحالة المزرية من التردى والتدهور والانحدار، سواء من حيث المحتوى النصى أو التقنية، التى آلت إليها أوضاع المحتوى الذى يتوجّه إلى الأطفال فى عالمنا العربي.

وإنه من المؤسف جدًا أن جميع الدول العربية تستورد معظم ما تعرضه من أفلام للأطفال من دول أجنبية، لذا فقد أصبحنا فى حاجة مُلحة لإنتاج أفلام سينمائية ملهمة ومحفزة للأطفال، من خلال ابتكار شخصيات «كرتونية» تحاكى البيئة المحلية، وتحلق بروح الأطفال البريئة، وفطرتهم الإنسانية الخالصة، وتحمل قيمًا وسلوكيات، نود حقًا أن نعزّزها فيهم، والاستعاضة عن استيراد أفلام للأطفال من دول أوروبية وأمريكية بالإنتاج الوطني.

وباعتباره استثمارًا أمثل للمستقبل، وأننى أرى أَنَّه منذ توقف بثّ البرنامج التليفزيونى الشهير «سينما الأطفال»، الذى كان يبثه التليفزيون المصرى فى ثمانينيات هذا القرن، من تقديم الإعلامية الرائدة «عفاف الهلاوي»، والذى كان يُذاع بواقع حلقة واحدة أسبوعيًا، يستعرض من خلالها بعض أفلام «الكرتون» الهادفة، وغيرها من المسلسلات والأفلام «المُدبلجة» باللغة العربية.

ولعل أشهرها على الإطلاق مسلسل «الكلبة لاسى»، والذى كان يعتمد على الحضور المباشر للأطفال، ومدى تفاعلهم مع المحتوى المقدم، ولم تنجح فضائياتنا فى تقديم برنامج مماثل له، ومنذ ذلك الحين ونحن نترك أطفالنا فريسة سهلة لمنظومة قيم مستوردة، تسللت إلى عقولهم وسكنت وجدانهم، وسلبت براءتهم، وأدت إلى تسرب قيم وعادات غريبة على وعيهم لتُرسّخها، وتعمل على تعديل بعضها، لتجرفهم بعيدًا عن قيمهم الأصيلة، فى ظل تراجع وغياب حقيقى لبديل من البيئة المحلية يتصدى لها.


وفى رأيكم ما القيم التى يجب أن يحملها أدب اﻟﻄﻔﻞ فى طياته؟
القيم هى القواعد التى تقوم عليها الحياة الإنسانيّة، وتختلف بها عن الحياة الحيوانيّة، كما تختلف الحضارات بحسب تصوّرها لها، لذلك أرى أَنْ غرس القيم الجمالية فى وجدان الأطفال، من حيث تذوقهم للجمال، ورؤيتهم للمناظر الطبيعية الخلابة، وسمعهم للأصوات الجميلة، واستمتاعهم بالقصص والحكايات، باعتبارها إحدى مكونات الثقافة بمعناها الواسع، والتى تشكل الإطار العام لسلوكياتهم، عبر مؤسسات التنشئة المختلفة كالأسرة، والمدرسة، وأماكن العبادة، والأقران، ووسائل الإعلام، تعد بمثابة عنصر مهم من عناصر الثورة الثقافية التى تحتاجها مجتمعاتنا للنهوض، ودخول عصر الحداثة، لذلك أرى أَنَّه ﻳﺠﺐ أن يعبر أدب الطفل بشكل واضح عن الإبداع اﻟﻘﺎﺋﻢ على إدهاش الطفل على ألا يغفل اﻟﺠﺎﻧـﺐ التربوى واﻷﺧﻼﻗﻰ المتعلق ﺑﺜﻘﺎﻓﺔ المجتمع.


ماذا تتمنى لأطفال عالمنا العربي؟
أتمنى تعديل بعض بنود اتفاقية حقوق الطفل بما يتماشى مع المستجدات الحالية، ومن أجل دعم الأطفال وتعزيز رفاهيتهم، بحيث يصبح من حق كل طفل اختيار اسمه، ومعتقده الدينى عندما يبلغ سن الرشد.


ما الطقوس التى تقوم بها عند ممارسة الكتابة؟
أحيَانًا وأنا منكفئ على كتابة نصّ أدبيّ للأطفال، وفى ذروة اندماجي، وتوحدى مع شخصيات هذا العمل، ألتفت من حولى فأجدنى ألمح الثعالب والأرانب والدجاج تتسرب من خلف شاشة الحاسوب، تتقافز من حولي.. تحتفى بحياتها التى جسدتها بمخيلتي، تنهل من جنونى بلا شبع ولا عطش، فأصرخ بكلمات غير مفهومة، تاركا الأوراق ومن عليها من حكايات وأركض لاحتضانهم.


للموروث الشعبى تأثير كبير فى أدب الطفل.. كيف ترى ذلك؟
ارتكزت الحدوتة فى طورها الأول لغرس فكرة التخويف؛ التخويف من المجهول، أوالتخويف من الفشل أوالنجاح؛ أوالتخويف من مغبة عدم الانصياع لتوجيهات وإرشادات الآباء؛ من خلال مخلوقات خيالية نُسجت من جعبة موروث الخيال الشعبى مثل «أبو رجل مسلوخة» و«أبوشوال» و«أمنا الغولة؛ والكثير من الأمثال الزاخر بها موروثنا الشعبي؛ حتى ينصاعوا لما يُطلب منهم؛ مثل المذاكرة أوالذهاب إلى الفراش مبكرًا؛ عقودًا من الزمان فى بث بذور الخوف والرعب وترسيخها وتعميقها فى وجدان الأطفال؛ ليدفعوا ثمنًا باهظًا على ذنب لم تقترفه أيديهم؛ من خلال حكايات خرافية؛ لاترتكز فى مجملها على أية قيم أخلاقية أواجتماعية أو جمالية؛ لبناء شخصية متوازنة سلوكيًا واجتماعيًا وإنسانيًا؛ حتى نمت وازدهرت بقوة؛ وغدت غابة كثيفة متشابكة الأغصان؛ فأورقت أجيالًا ممسوخة فكرًا وعقلًا وجسدًا وروحًا.. أجيالًا مشوهة نفسيًا تعانى وتتعذب وتنحرف فى كل مظاهر الحياة؛ ولا تقدم إلى المجتمع ما يفيده.