في الصميم

جلال عارف يكتب: مصر دائماً.. في قلب إفريقيا

جلال عارف
جلال عارف

كل جهد فى سبيل تعزيز العلاقات مع الأشقاء فى إفريقيا هو أمر مطلوب فى كل وقت، لكنه الآن مطلوب بصورة أكبر مع ظروف صعبة وتحديات خطيرة تواجه الجميع. مصر التى قادت حركات التحرر فى إفريقيا والعالم الثالث، وظلت السند والشريك فى عملية التنمية مع دول تركها الاستعمار بلا أى مقومات للنهوض.. هى مصر التى مازالت تضع كل إمكانياتها للتعاون مع الأشقاء فى القارة السمراء، والتى لا يمكن أن تستغنى يوما عن بعدها الإفريقى ولا أن تستمع للادعاءات الجاهلة والمغرضة التى تحاول زرع الفرقة بين عرب إفريقيا وبقية أشقائها فى القارة السمراء كما تحاول إثيوبيا بفشل عظيم!!

فى جولته الإفريقية يسلم الرئيس السيسى رئاسة منظمة «الكوميسا»، إلى زامبيا. الشأن الاقتصادى حاضر دائما فى كل لقاء افريقى فى ظل الظروف التى تدفع فيها شعوب افريقيا فواتير استعمار طويل ونهب لثروات الافريقيين، ثم فواتير «كورونا»، والأزمة الاقتصادية وحرب أوكرانيا. ومع ذلك كله فإن الشأن الاقتصادى ليس وحده، فهناك تحديات خطيرة تتعلق بالأمن والاستقرار الضروريين لتحقيق أى تنمية جادة.

هناك خطر الإرهاب الذى يتمدد فى الصحراء الافريقية والذى يتحفز الآن ليجد له مكانا فى السودان الجريح. وهناك الصراع الذى يزداد خطورة على النفوذ بين القوى العالمية الكبري، وهناك الصراعات التى تفتعلها بعض الأطراف التى لا تدرك أن التعاون المشترك هو الباب الوحيد الذى يحقق مصلحتها.. وما تفعله إثيوبيا فى قضية السد حتى الآن هو المثال الأوضح والأسوأ!!

اتحدث عن السد الاثيوبي هنا فقط للتذكير بأن افريقيا لا تحتاج لأزمات جديدة ولا لاستنزاف قواها فى صراعات كان يمكن تفاديها. ولتنبيه الجميع فى افريقيا، وأيضا فى العالم الذى يتابع كارثة تفجير «أو انهيار»، السد فى أوكرانيا ويشاهد نتائجه المدمرة. وللعلم هذا السد بناه الاتحاد السوفيتى على أسس سليمة بخبرة كانت هى الأفضل فى العالم وقتها. وللعلم أيضا فإن سعة السد هى 18 مليار متر مكعب، بينما سد اثيوبيا تصل سعته إلى 74 مليارا، ورفضت اثيوبيا- بإصرار- استكمال الدراسات العلمية الموثوقة عن سلامته «!!» والخطر حقيقى على السودان أولاً- والتحقق من سلامة البناء سيظل مطلبا مشروعا خاصة بعد أن تأكد أنه يقام فى منطقة ليست بعيدة عن تأثير الزلازل!!

ولست أشك فى أن الأشقاء الأفارقة سوف يكتشفون جميعاً صحة موقف مصر فى هذه القضية الأساسية. ولست أشك أيضا فى أن هذه الأزمة لن تعوق جهود مصر من أجل صوت إفريقى واحد يستطيع أن يطالب بحقوق إفريقيا وأن يبنى مستقبلها بعيدا عن الاستقطابات التى يفرضها الصراع بين القوى الكبرى على النفوذ فى إفريقيا. رؤية مصر واضحة. التعاون المشترك من أجل مصلحة كل شعوب إفريقيا. النضال من أجل الخلاص من فخ الديون، ومن أجل توفير الاستثمارات اللازمة للتنمية. التأهب للمطالبة بحقوق إفريقيا لتعويضها عن سنوات الاستعمار، وعن كوارث المناخ، وعن نهب الثروات الذى مازال مستمراً.

افريقيا ليست ضعيفة إذا وحدت صفوفها، وحلت مشاكلها الداخلية وامتلكت روح التعاون، والعمل المشترك، وآمنت أن من حقها أن يتم تعويضها عما ألحقته به قوى الاستعمار القديم والجديد والمستحدث. فى سنوات التحرر الافريقى كانت الإنشودة افريقيا استيقظي.. قد طالما نمت.. ألم تسأمى.

إفريقيا استيقظت، وتحررت، وعليها أن تسترد حقها الكامل فى تنمية حقيقية ومستقلة، لا تعطلها مصيدة الديون، ولا صراع القوى الخارجية على النفوذ، ولا مغامرات الصغار التى لا تخدم إلا أعداء الأوطان وأعداء إفريقيا.